ما ابن أخي ما عشت في معدِ .... إلاّ كَأَدنى ولدي في السردِ
إني أرى ذلك باب الرشدِ .... قد علمت علاّم أهل العهدِ
إن الفتى سيد أهل نجد .... يعلو نجاد البطل الأشدِّ
عند اشتداد ركنه المشتدِ .... محمداً أرجوه للأَشدِّ
وكل أمرٍ في الأمور أدّ
قال: ثم بكى عبد المطلب بكاء شديداً ثم قال: إن محمداً لا يموت حتى يسود العرب والعجم، ثم جعل يقول:
وصَّيتُ من كنيتهُ بطالب .... عبد منافٍ وهو ذو تجاربِ
بابن الحبيب أقرب الأقاربِ .... بابن الذي قد غاب غير آيبِ
فقال لي كهيئةِ المعاتب .... سبحان رب الشرق والمغاربِ
لا توصني بلازمٍ وواجبِ .... ففي فؤادي مثل لذع اللاّهبِ
ولست بالآيس غير الراغبِ .... بأن يحق الله قول الراهبِ
إني سمعت أعجب العجائبِ .... من كل خبْر عالمٍ وكاتبِ
هذا الذي يقتاد كالنجائبِ .... من حَلَّ بالأبطح والأحاصبِ
أيضاً ومن ثابَ إلى الأثاوب .... من ساكني الحرم أو مجانبِ
قال: وقضى عبد لمطلب نحبه، وكفل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عمُّه أبو طالب وفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي عليه السلام وكانت أول هاشمية ولدت هاشمياً ، ولذلك كان علي عليه السلام المعمم المخول.
وقال الحجاج بن علاَط السُّلمي في قَتْل علي عليه السلام أحد بني عبد الدار:
لله أي مذبب عن حوْمة .... أعني ابن فاطمة المعمَّ المخولاَ
جادَت يداكَ لهم بعاجلِ طعنةٍ .... تركتْ طليحة للجبينِ مجَدلاً
وعَللْتَ سيفكَ بالدماءِ ولم تكن .... لِترده ظمآنَ حتى ينْهلا(1/121)


[ذكر فاطمة بنت أسد]
ثم إن فاطمة بنت أسد أسلمت أحسن إسلام، وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
[11] كما أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن أبي قتيبة القنوي بالكوفة، قال: أخبرنا محمد بن سليمان الخوّاص [قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو صالح الخزاعي، عن قدامة عن سعيد بن طريف عن] الأصبغ بن نباته، عن علي عليه السلام قال: إنه لما ماتت أمي جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلت: إن أمي فاطمة قد ماتت.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنا لله وإنا إليه راجعون)) وأخذ عمامته ودفعها إليَّ وقال: ((كفنها فيها، فإذا وضعتها على الأعواد فلا تحدثن شيئاً حتى آتي)).
فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المهاجرين وهم يمشون قدامه لا ينظرون إليه إعظاماً له حتى تقدم رسول الله فكبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم نزل في قبرها فوضعها في ا للحد، ثم قرأ عليها آية الكرسى ثم قال: ((اللهم اجعل من بين يديها نوراً، ومن خلفها نوراً وعن يمينها نوراً، وعن شمالها نوراً، اللهم املأ قلبها نوراً))، ثم خرج من قبرها.
فقال المهاجرون: يارسول الله قد كبّرت على أم علي مالم تكبر على أحد!
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((كان خلفي أربعون صفاً من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة)).
وفي حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم ألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها، وقال: ((إني كنت يتيماً في حجرها فأحسنت إليّ)).(1/122)


[خروجه صلى الله عليه وآله وسلم مع عمه إلى الشام]
فلما بلغ رسول الله تسع سنين، عزم «عمه» أبو طالب على الخروج إلى الشام بتجارة له، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعلق بزمام راحلته وقال: ((يا عم على من تخلفني وقد أوصاك جدي عبد المطلب بي))؟ فَرَقَّ أبو طالب له وقال:لا تبك فإني خارج بك .(1/123)


[قصة بحيرى: جرجيس النصراني]
ثم خرج به في جماعة من قريش، حتى إذا كانوا بأرض بصرى بين مكة والشام أشرف بحيرى الراهب من صومعته، وقد كان قرأ الكتب السالفة، وعرف بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفته فرآهم مقبلين من مكة على رؤوسهم سحابة تسير إذا ساروا وتقف إذا وقفوا، فقال: مَا هذه السحابة إلاّ على رأس نبي.
وأمر مَنْ عنده باتخاذ الطعام، ونزل القوم عند شجرة حذاء باب الدير، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمه تحت الشجرة وقد مال فيؤها عليه، ووقفت السحابة عليها، وبحيرا ينظر، فقال لهم: معاشر قريش أجيبوني إلى الطعام؟ - وأبو جهل في العير - فقال: ما عهدنا هذا منه.
وأجابوه وأشرف بحيرا فإذا السحابة على الشجرة وفيؤها مائل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: هل تخلف عن طعامي أحد منكم؟
قالوا: نعم غلام يتيم يقال له محمد.
قال: إنه لا بأس على أمتعتكم فهلموه، فدعوا رسول الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم فجاء إلى جنب عمه أبي طالب، وجعل بحيرا يتفسر فيه العلامات التي عرفها ، فلما فرغوا خلا بحيرا بأبي طالب، ثم قال: ياشيخ ما هذا الغلام منك؟
قال: ابني.
قال: لا ينبغي أن يكون له أب ولا أم ولاجد في الأحياء.
قال: صدقت، ابن أخي.
قال: اتق الله واحْذَر عليه أعداءك اليهود، ثم بكى بحيرى بكاءً شديداً وقام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فقبل مَا بين عينيه.
فلما انصرفوا قافلين إلى مكة انصرف به أبو طالب، وقام بأمره كأتم قيام، حتى نشأ رسول الله ووقعت الحرب بين قريش وكنانة وقيس عَيلان بسوق عكاظٍ في أخبارٍ وأشعار لهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم قد عصمهُ الله -تعالى- من كل دنس ومن كل شرك.(1/124)


[تجارته صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة]
ثم إن أبا طالب أقبل عليه ذات يوم فقال: يابن أخي هذه خديجة بنت خويلد تستعين بالرجال كل سنة مع غلامها ميسرة، فهل لك أن تخرج معه فتنتفع من ناحيتها؟
فأجمع رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وأتى مع عمه إلى خديجة فدعت ميسرة وقالت: إني أجعل لكل رجل خرج معك إلى الشام بكراً، وهذا ابن عمي محمد قد جعلت له بكرين، فأحسن صحبته فقد عرفت شرفه وخطره في بني هاشم.
فتهيأ ميسرة وخرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تجار مكة فيهم السائب بن أبي السائب وكان شريكاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلذلك قال له بعد مابعث: ألم تكن شريكي في الجاهلية؟
قال: بلى بأبي أنت وأمي فنعم الشريك، كنت لا تماري ولا تداري.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((فانظر الأخلاق الحسنة التي صنعتها في الجاهلية فاصنعها في الإسلام، أقري الضيف، وأحسن إلى اليتيم، وأكرم الجار)).(1/125)

25 / 118
ع
En
A+
A-