فوجهت حليمة إلى أختها جميلة في وجهة، وصارت نحو مكة، فإذا بعبد المطلب فلما رآها قال: أهلاً وسهلاً يا حليمة.
فقصت عليه افتقادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال عبد المطلب: لا عليك ياحليمة فما محمد بالذي يعرف.
وركب في نفر لطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَسُمِعَ نداءٌ في جو السماء: إن لمحمدٍ رباً لا يخذله ولا يضيعه.
قال عبد المطلب:ومن لنا به أيها الهاتف؟
قال: هو بوادي تهامة عند شجرة كذا.
فأقبل عبد المطلب وتلقاه ورقة بن نوفل، فساروا، وأقبل أبو مسعود الثقفي وعمرو بن نفيل على راحلتين لهما، فلما صاروا إلى موضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو مسعود لعمرو: إني لأظن الغلام من بعض بني عمك.
فقال عمرو :من أنت يا غلام؟
قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب افتقدتني أمي.
قال عمرو لأبي مسعود: نتقرب إلى عبد المطلب بمثل هذا.
وأناخ راحلته و حمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه، وأقبل عبد المطلب وهو يقول:
رَدَّ إليّ ولدي محمداً .... ربي فكم أوليتني منك يداً
ونظر عمرو إليه وقال: يا غلام أتعرف جدك إن رأيته ؟
قال: هو هذا المقبل في أول الناس، ثم ناداه يا جد ..يا جد.
فقال: لبيك يا سيدي فداك جدك .
ودنى منه وحمله وقبّله وقال لعمرو:أين أصبت هذا الغلام؟ فذكر الحديث.
فجعل عبد المطلب يقول:
الحمدُ لله الذي أعطاني .... هذا الغُلاَم الطّيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان .... أعيذه بالواحد المنان
من كل ذي غيٍ وذي شنآن .... حتى أراه شامخ البنيان(1/116)


[وفاة والدته صلى الله عليه وآله وسلم]
قال: وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ أربع سنين، فلما بلغ ست سنين قدمت به أمه المدينة على أخواله من بني النجار، وماتت وهي راجعة إلى مكة بالأبْوَاء، فكان صلى الله عليه وآله وسلم مع جده.(1/117)


[مواقف لعبد المطلب]
وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي وهو غلام فيجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني فوالله إن له لَشأنا.فكان له شأن صلى الله عليه وآله وسلم .(1/118)


[وفاة والدهُ صلى الله عليه وآله وسلم]
فأما أبوه عبد الله فمات ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه أربعة أشهر، وقيل: خمسة، ولعبد الله عشرون سنة وقيل: تسعة عشر.
فرثاه وهب بن عبد مناف أبو أمه فقال:
ذهب الذي يرجى لكل عظيمة .... ولكل نائبة يكون مُمَحضاً
ورث المكارم عن أبيه وجده .... عمرو وخال غير نكس مجهضاً(1/119)


[وفاة جده صلى الله عليه وآله وسلم]
قال: وعُمِّرَ عبد المطلب مائة وعشرين سنة .
ثم حضرته الوفاة ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان سنين فجمع بنيه وبناته، وهم عشرة بنين وست بنات: الحارث وهو أكبر ولده وبه كان يكنى، والزبير وحجل والمقَوّم وضِرَار وحْمزة وأبو لهب والعباس وأبو طالب وعبد الله وكان أصغر ولده .
ومن البنات: عاتكَة وبرة، وصفية وأمامة، وقيل: أمّية وأَروى وأم حكيم البيضاء.
فقال: يا بَنيّ ويا بناتي، قد اعْتَلَلْتُ عِلَلاً كثيرة فما وجدت كهذه، فإذا أنا مت ورصفتم علي الجنادل وحثوتم علي التراب فأيكم يكفل حبيبي محمداً بعدي؟
فما منهم أحد إلاّ قال:أنا أكفله، فقام إليه ابنه الحارث وقال: يا أبتاه إنا لا نأمن إذا كفله أحدنا أن لا يرضى محمد به.
وقد كان رسول الله دعاه عبد المطلب فأجلسه؛ ثم عرضهم عليه وقال: أي بني إني صائر إلى ماصار إليه الذين كانوا قبلي، فأي واحد من عمومتك تحب أن يكفلك، فهؤلاء هم حضور النساء منهم والرجال؟
فجعل ينظر إليهم في وجوههم حتى أتى أبا طالب فجلس في حجره، وقال: يا جد لا أُحب غيره.
فقال عبد المطلب: سبحان الله مَا أردتُ يا عبد مناف غيرك للذي كان بينك وبين أبيه.
وكان عَبْد الله وأبو طالب والزبير وأم حكيم وأروى وعاتكة أمهم واحدة فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران من بني مخزوم وذلك الذي عَنىَ عبد المطلب.
ثم أنشأ يقول:
أوصيك ياعبد مناف بعدي .... بواحدٍ بعد أبيه فردِ
فارقه وهو رضيع المهد .... فكنت كالأم له في الوجدِ
تبديه من أحشائها والكبد .... حتى إذا تم اقتراب الوعدِ
وانطمتَ أرجاء أولياء الرفدِ .... يابن الذي غيبته في اللحدِ
بالكره مني ثمة لا بالعمد .... فقال لي والقول ذو مردِّ(1/120)

24 / 118
ع
En
A+
A-