خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
«الحمد لله ولي الحمد وأهله وصلى الله على محمد نبي الرحمة وآله.
هذا كتاب يذكر فيه ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونسبه، وآباؤه وأمهاته، وعمومته، وأزواجه، وذكر حليته، وآدابه إلى وفاته وأسماء أولاده والأئمة السابقين من ولد علي أمير المؤمنين عليه السلام في سائر مَا عرض وازدوج إلى ذلك.
عَمِله أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، يستذكربه المُسْتَهدي، ويَسْتَهدِي به المُبتدي، وإلى الله الرغبة في التيسير، وبه العصمة في كل الأمور».(1/96)
[(1)الرسول الأعظم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم]
(53ق هـ - 11هـ /571 - 633م)
- أبو الطيب والطاهر -(1/97)
[اصطفاؤه صلى الله عليه وآله وسلم]
[1] «أخبرنا أحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي قال: حدثنا أحمد بن أبي رَوْح البغدادي، قال: حدثنا محمد بن مصعب القرقساني، قال: حدثنا الأوزاعي» عن أبي عمار عن «واثلة بن الأسقع»، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفىمن بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش (بني هاشم) واصطفاني من بني هاشم)).
[2] أخبرنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا بهلول بن مورق أبو غسان قال: حدثنا موسى بن عبيدة، عن عمر بن عبد العزى بن نوفل بن عدي، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله قال: ((قال لي جبريل عليه السلام:قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أبٍ أفضل من بني هاشم)).(1/98)
[تزويج والده صلى الله عليه وآله وسلم]
[3] أخبرنا عمر بن أبي سلمة الخزاعي قال: حدثنا بدر بن الهيثم قال: حدثنا علي بن حرب قال حدثنا محمد بن عمارة القرشي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال:لما خرج عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله ليزوجه، مرَّ به على كاهِنَةٍ من أهل تبالة قد قرأت الكتب كلها مُتَهَوِّدة، يقال لها: فاطمة بنت مُر الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت له: يا فتى هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل؟
فقال شعراً:
أما الحرام فالممات دونه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
والحل لاحل فأسْتَبِينَه
«يحمي الكريم عرضه ودينه»
ثم مضى مع أبيه، فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فأقام عندها ثلاثاً، فلما مرَّ بالكاهنة قالت له: يافتى مَا صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة بنت وهب فأقمت عندها ثلاثاً، فهل لكِ فيما قلتِ لي؟، فقالت لا
قالت: قد كان ذلك مرة فاليوم لا، إني والله مَا أنا بصاحبة رِيبة، ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون فيّ فأبى الله إلاّ أن يصيره حيث أراد، ثم أنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة لمعت .... فتلألأت بحناتم القطر
فلمأتها نوراً يضيء له .... ما حوله كإضاءة البدر
ورجوتها فخراً أبوء به .... ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهريّة سلبت .... ثوبيك«ما استلبت»وما تدري
فانطلق عبد الله على وجهه، فنادته وقالت:
آلآن وقد ضيّعت ما كان ظاهراً .... عليك وفارقت الضياء المباركا
غدوت إليّ خالياً قد بذلته .... لغيري فاذهب فالحقَنْ بشانكا
ولا تحسبن اليوم أمس وليتني .... رزقت غلاماً منك في مثل حالكا
ولكن ذاكم صار في آل زهرة .... به يختم الله النبوة ناسكا(1/99)
[4] أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوسقي قال: حدثني أبو محمد الأنصاري قال: حدثني عمارة بن زيد قال: حدثني إبراهيم بن سعد الزهري، عن محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان وصالح بن كيسان ويحيى بن عروة، وغيرهم: أن أبرَهَة لما صار على مسيرة يوم من مكة دعا برجل يقال له: الأسود بن مقصود، وأمره أن لا يترك لأهل مكة ثَاغِيَةً ولا رَاغِيةً إلاّ اسْتَاقها.
فأقبل الأسود واستاق في ذلك مائتي بعير لعبد المطلب، فبلغ عبد المطلب فخرج مع ابنه عبد الله ودخل عسكر أبرهة فلقي رجلاً يقال له ذو نفرٍ، فاستعان به.
فقال له:مَا أقدر على شيء غير أن سائِس الفيل الأعظم صديق لي، فأنا أسأله تسهيل الإذن لك.
فقال: افعل.
فذهب إلى أنيس الحاجب، فقال له: إن هذا القادم من مكة سيد أهلها، ومطعم الناس بالسهل والوحش في قلال الجبال.
فدخل أنيس على أبرهة، فأذن لعبد المطلب في الدخول، فأقبل مع ابنه والفيل الأعظم واقف على الباب، فلما جاز عبد الله نظر الفيل إلى وجهه فخر ساجداً، فعجب من ذلك أنيس ومن على الباب.
فقال قس: لا تعجبوا من سجوده فإنه لم يسجد له، ولكن «سجد» للنور الذي في وجهه، وهو نور نبي عرفناه في الإنجيل.
ودخل عبد المطلب وابنه، فلما رآه أبرهه، نزل عن سريره، وجلس على بساط وأجلسهما معه.
وكان عبد المطلب وسيماً جسيماً، يهابه من رآه فكره أن تراه الحبشة على سرير ملكه.
ثم كلم أبرهة فيما استاقوا له، فتبسم أبرهة وقال للترجمان:أخبره أنه لما دخل ملأ قلبي من هيبته، وظننته ذا عقل، إني إنما سرت لتخريب هذا البيت الذي هو شرفه ويكلمني في أباعره!
فقال: إن هذا البيت بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام وقد كاده غيره في الزمن الأول فكفى الله كيدهم، وله رب، وأما الإبل فأنا ربها.
فردها عليه، فرجع بها.(1/100)