وممن روى حديث المباهلة فيهم: الحسن، والشعبي، والسدي، والحاكمان - الجشمي والحسكاني -، وأبو نعيم، والثعلبي، والخوارزمي، والزمخشري، والبييضاوي، والرازي، وأبو السعود. ومن ألفاظ الرواية ما رواه الحاكم في المستدرك عن عامر بن سعد، وقال: حديث صحيح، لما نزل قوله تعالى: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا..?إلخ، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)).
وأخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد بن حنبل من غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتابعين، وقال الحاكم أبو القاسم في حديثه عن عامر، قال: لما نزل قوله تعالى: ?فَقُلْ تَعَالَوْا...إلخ? رواه مسلم والترمذي، قال في الكشاف: وقدمهم في الذكر على النفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مُفَدَّون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والبحث مستوفى في لوامع الأنوار.
نعم، ونطوي الكلام في آية الإصطفاء، وآية المودة، وآية السؤال، وغيرهن من الآيات الكريمة الخاصة والعامة، ونخص بالبحث كما أشرنا سابقاً آية التطهير وما يتبعها، وهي قوله عز وجل: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? [الأحزاب:33]، وأخبار الكساء المعلومة بنقل فرق الأمة مصرحة بقصرها عليهم، وحصرها فيهم، وإخراج من يتوهم دخوله في مسمى أهل البيت بأوضح بيان، وأصرح برهان.(1/494)
أما طريق روايتها فنذكر طرفاً نافعاً من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة، منهم: الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي، محمد بن سليمان الكوفي، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين، والحاكم الجُشَمِي، والحاكم الحُسكاني، وابن أبي شيبة، وابن عقدة، وابن المغازلي، وغيرهم بأسانيدهم، ومالك بن أنس، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، والثعلبي، والواحدي، والحاكم، والطحاوي، وأبو يعلى، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، ومُطَيَّن، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن منيع، وابن النجار، والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والبغوي، وغيرهم.
والمروي عنهم من الصحابة: أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء عليهم السلام، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأم المؤمنين سلمة، وابنها عمر بن أبي سلمة، وعائشة، والبراء بن عازب، وواثلة بن الأسقع، وأبو الحمراء مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، بطرق تضيق عنها الأسفار، ولا تستوعبها إلا المؤلفات الكبار، وهي متطابقة على معنى واحد، مِنْ جَمْع الأربعة علي والزهراء والحسنين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجليلهم بالكساء، قائلاً صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي - وفي بعضها وعترتي. وفيه: أهلي، وأهل بيتي، وفيه: أهل بيتي وخاصتي، ونحوها مما لا يخرج عن هذا المعنى - فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً))، وفي بعضها: وفي البيت جبريل وميكائيل صلوات الله عليهما.(1/495)
والروايات مفيدة لوقوع ذلك، وتكرر نزول الآية في مقامات عديدة، ومدد مديدة، بل لم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يكرر تلاوتها عليهم ودعاءهم بها أشهراً كثيرة، في بعضها: ثمانية عشر شهراً، بياناً لكونهم أهل بيته، قائلاً صلى الله عليه وآله وسلم: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله...الآية.
وقد أخبر الله جل جلاله - مؤكداً بالحصر والقصر مبالغة بـ(إنما) حتى كأنه تعالى لا يريد شيئاً سواه - بإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيراً تاماً، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال والأفعال ؛ لأن ما يتنزه منه غير ذلك ليس بمراد قطعاً. فإن قيل لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.(1/496)
قلنا: إرادته تعالى لا تخلو إما أن تتعلق بأفعال عباده أو بأفعاله، إن كان الأول فمسلم عدم الملازمة ؛ لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الإختيار، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة، وإن كان الثاني وهو تعلقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء، تعالى الله سبحانه: ?إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ? [يس:82]، ?فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ? [هود:107]، وقد أسند الفعلين عز وجل إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحاً حقيقة، كما في قوله تعالى: ?يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ? [النساء:26]، ?يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ? [النساء:28]، ?يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ? [البقرة:185]، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار، كقوله تعالى: ?وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ? [النساء:27]، فقد أراد التوبة عليهم - وهي واقفة على اختيارهم - بفعل التوبة قطعاً، عقلاً وسمعاً: ?إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ? [النساء:17]، ?وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ? [طه:82]...الآية.
فإن قيل: إذا كان الإذهاب والتطهير فعله عز وجل لزم الجبر وارتفاع التكليف. قلنا: ليس فعله في ذلك إلا الألطاف والتوفيق، وعلى الجملة هي على معنى العصمة في الأنبياء صلوات الله عليهم، وجماعة الأمة، فما قيل فيها قيل فيها، وكل على أصله، فظهر بهذا انحلال ما ذكره الشيخ ابن تيمية في منهاجه، وتبعه على ذلك محمد بن إسماعيل الأمير، حيث قال بعد إيراد كلامه: قلت: وهذا البحث لازم على قواعد الاعتزال بلا ريب، انتهى.(1/497)
هذا، وقد علم من صيغة العموم - التي هي الجنس المعرف باللام في الرجس الذي هو ما يستقبح ويستخبث، ومن التطهير المؤكد المطلق عن المتعلق - إذهاب جميع ما يتنزه عنه، فثبت بذلك العصمة على مقتضى الدليل: ?وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ? [الأحزاب:4].
فإن قيل: يدخل في مسمى أهل البيت غيرهم من أهل بيت السكنى، وأهل بيت النسب، وأيضاً الآية واقعة في سياق ذكر الزوجات، فالمقام يقتضي أن يكن مرادات.
قلنا: الأحاديث المتواترة القاطعة معينة للمراد، سواء كانت صارفة من الحقيقة إلى المجاز، أو معينة للمقصود من معاني المشترك، وسواء كان باعتبار وضع لغوي أو شرعي، وأما السياق فالسياق في الأصل في ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما ذكرن إلا من أجله، فلا بعد في توسيط من هو أخص منهن وأقرب، وقد أبان تعالى تحويل الخطاب، بتذكير الضمير بلا ارتياب، والآية كلام مستقل لا يحتاج إلى ما قبله ولا ما بعده، وبعد هذا كله فدلالة السياق ظنية، والأخبار قطعية، والمظنون يُبطل بالقاطع المعلوم، وهي دالة على تعيينهم، وقصرها عليهم من وجوه:
الأول: أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم لدعاه إذ هو في مقام البيان.
الثاني: اشتماله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بالكساء ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) مؤكداً للخبر.
الرابع: تعريف المسند إليه بالإشارة، المفيده لتمييزه أكمل تمييز، كما ذكره أهل المعاني.
الخامس: دفعه لغيرهم كأم سلمة رضي الله عنها، وقال لها: مكانك أنت إلى خير. وفي بعضها: لست من أهل البيت، أنت من أزواج النبي. وفي بعضها: أنت ممن أنت منه. فدل على إخراجها وجميع الأزواج مع ما تقدم.(1/498)