وقال الإمام أحمد بن سليمان عليهما السلام: ولم يختلف الصحابة والتابعون أنه المراد بهذه الآية. وحكى الإمام المنصور بالله عليه السلام إجماع أهل النقل على أن المراد بها الوصي.
وحكى إجماع أهل البيت على ذلك الإمام الحسن بن بدر الدين، والأمير الحسين، والأمير صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، والإمام القاسم بن محمد عليهم السلام وغيرهم كثير.
وروى ذلك الإمام المرشد بالله عليه السلام عن ابن عباس من أربع طرق، وأتى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بطرق كثيرة في ذلك، منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي ذر، وجابر بن عبدالله، والمقداد بن الأسود، وأنس بن مالك.
ومن التابعين: محمد بن علي، وأبي جعفر الباقر، وعطاء بن السائب، وعبد الملك بن جريج.
ومن الرواة في نزولها فيه عليه السلام: أبو علي الصفار والكنجي، وأبو الحسن علي بن محمد المغازلي الشافعي، وأبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي المفسر، والواحدي، وصاحب الجمع بين الستة رزين العبدري، والنسائي.
وحكى السيوطي أن الخطيب أخرج ذلك في المتفق والمفترق عن ابن عباس، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن جرير، وأبو الشيخ عنه.
وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمار، وأخرجه أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، وابن جرير، عن مجاهد.
وأخرجه أيضاً عن عتيبة بن أبي حكيم، والسدي. وأخرجه الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، عن أبي رافع، وتكلم صاحب الشكاف وغيره على وجه الجمع مع أن المراد الفرد، وذكر الرواية في نزولها فيه، وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب، وأبو السعود في تفسيره، وعلى الجملة الأمر كما قال الأمير الحسين بن محمد عليهم السلام: إجماع أهل النقل على أن المراد بها علي عليه السلام إلا من لا يعتد به، انتهى.(1/484)


قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة النافعة بعد أن ساق الروايات من كتب العامة: وتنكبنا روايات الشيعة على اتساع نطاقها، وثبوت ساقها، ليعلم المستبصر أن دليل الحق واضح المنهاج، مضيء السراج، انتهى.
ولله القائل:
يا من بخاتمه تصدق راكعاً .... إني رجوتك في القيامة شافعاً
هذا، والمنزل فيه وفي أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم أكثر من أن يُحصر، فإنهم مهبط الوحي، ومختلف الملائكة، ولله القائل:
وبيت تقاصر عنه البيوت .... طال سناء على الفرقد
تبيت الملائك من حوله .... ويصبح للوحي دار الندي
فبحقِ قول ابن عمه حَبر الأمة، وترجمان القرآن عبدالله بن العباس رضي الله عنهم: أنزلت في علي ثلاثمائة آية.
وقوله أيضاً: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي كرم الله وجهه. وقوله أيضاً: ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها وشريفها، وكل ذلك ثابت بأسانيده بحمد الله.
وإلى خبر الغدير الذي خطب به الرسول صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم في حجة الوداع بمشهد الجمع الكثير، والجم الغفير، في ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا? [المائدة:3]، قال إمام اليمن يحيى بن الحسين عليه السلام في الأحكام: وفيه أنزل الله على رسوله: ?يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ? [المائدة:67]، إلى أن قال: فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس، ثم قال: ((يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)) انتهى...(1/485)


وقد خطب الحجيج صلوات الله عليه وآله بخطبة كبرى، روى كل منها ما حفظ. قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام: هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ما له من كثرة الطرق، وطرقه مائة وخمس طرق.
وقال السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير: من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة ؛ لأن العلم به كالعلم بمكة وشبهها، فالمنكر سوفسطائي. وقال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: إن حديث الغدير يروى بمائة طريق وثلاث وخمسين طريقاً، انتهى.
وقد أخرجه محمد بن جرير الطبري من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية، وذكره الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة من مائة وخمس طرق، وقد ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري.
قال المقبلي في الأبحاث - مع أن حاله معلوم -: إن كان هذا معلوماً وإلا فما في الدنيا معلوم، انتهى. وقال ابن حجر في الصواعق: رواه ثلاثون من الصحابة، وفيه: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله..إلخ.
وروى ابن حجر العسقلاني خبر الغدير عن سبعة وعشرين صحابياً، ثم قال: غير الروايات المجملة، مثل: اثني عشر، ثلاثة عشر، جمع من الصحابة، وثلاثين رجلاً. وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة، وقال الذهبي: بهرتني طرقه فقطعت به.
وقد أشار الإمام شرف الدين عليه السلام في القصص الحق إلى تكرره في غير المقام كما هو معلوم، وإلى قول الذهبي بهرتني طرقه..إلخ، بقوله بعد ذكر الصحابة:
وكلهم عندنا عدل رضي ثقة .... حتم محبته حتم توليه
إلا أناساً جرى من بعده لهم .... أحداث سوء وماتوا في أثانيه
إلى قوله:
ما قلت إلا الذي قد قال خالقنا .... في ذكره أو رسول الله حاكيه
فكل حادثة في الدين قد وردت .... وفتنة وامتحان من أعاديه
في محكم الذكر والنقل الصحيح عن الـ .... ـرسول في لفظ تنصيص وتنبيه
إلى قوله:..(1/486)


مِنْ مثل ما كان في حج الوداع وفي .... يوم الغدير الذي أضحى يثنيه
وهو الحديث اليقين الكون قد قطعت .... بكونه فرقة كانت توهيه
أبان في فضله من كان خالقنا .... له يوالي ومن هذا يعاديه
وقال المقبلي في الإتحاف: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة..إلى قوله: فقال صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: ((يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه))، وبهذا الحديث، وما في معناه تحتج الشيعة على أن ((مولى)) بمعنى: أولى ؛ لأن النبي صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم دل مساق كلامه أنه سواه بنفسه، وإلا لما كان لمقدمة قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى.. إلى قوله: ومن أشهر ما في الباب خبر غدير خم.
وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن أبي شيبة، والطبراني، وابن ماجه، وابن قانع، والترمذي، والنسائي، والمقدسي، وابن أبي عاصم، والشيرازي، وابن عقدة، وأبي نعيم، وابن حبان، والخطيب ذلك من حديث ابن عباس، وبريدة، والبراء بن عازب، وعمر، وحبشي بن جنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وجرير البجلي، وجندب الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد، وأبي أيوب، ومالك بن الحويرث، وحبيب بن بُديل، وقيس بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة، وأنس، وعمرو بن مرة.
إلى أن قال: لا أوضح من هذا الدليل رواية ودلالة على أن علياً أولى بالمؤمنين من أنفسهم، انتهى باختصار.
وخبر المنزلة الذي قال فيه صلوات الله عليه وآله: ((فما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) هكذا لفظ رواية الإمام الأعظم زيد بن علي عليهم السلام...(1/487)


وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهارون مع موسى ما خلا النبوة، وهارون صلى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى، كان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، وفي ذلك ما يقول موسى عليه السلام حين سأل ذا الجلال والإكرام فقال: ?وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا(33)وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا(34)إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا(35)? [طه:29ـ35]، فقال سبحانه: ?قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى? [طه:36]، انتهى.
وهو كذلك متواتر معلوم، قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام: فيه من الكتب المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً من غير رواية الشيعة وأهل البيت.
وقال الحاكم الحسكاني: هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، وعلى الجملة الأمر كما قال الإمام الحجة عبدالله بن حمزة عليه السلام: والخبر مما علم ضرورة، انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري: واستدُل بحديث المنزلة على استحقاق علي رضي الله عنه للخلافة دون غيره من الصحابة. وقال الطيبي: معنى الحديث تتصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم، بينه بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، فعرف أن الإتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها وهو الخلافة..إلخ.
وقال ابن حجر المكي - في شرح قول صاحب الهمزية:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراء(1/488)

97 / 101
ع
En
A+
A-