الزلف:
88- وَصَلَّى كَمَا يَرْضَى وَسَلَّمَ رَبُّنَا .... عَلى أحْمَدٍ وَالآلِ مَا قَامَ رَاكِعُ
التحف:
المراد من الصلاة والسلام الإنشاء، وإن كان لفظهما لفظ إخبار، فهما من باب: رحمه الله، وهو يظهر بدلالة المقام، وسياق الكلام، وبهذا تمت الزلف، وهي ثمانية الزلف، وهي ثمانية وثمانون بيتاً من البحر الطويل، وما قبل العين فيها مكسور أبداً إلا في البيت السابع والعشرين فليتأمل، وأقول كما قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى عليه السلام:
حصنتها بالله من متجاهلٍ .... يصف ابتهاج ضيائها بمحاق
وكشفت غرتها لتشفي عالماً .... قلباً بقلب ثغرها البراق
فقد جمعت بحمد الله من الأئمة، وتحقيق أنسابهم، واستكمال عدد القائمين من أهل البيت في الحرمين، والعراق، واليمن، والجيل، والديلم، وسائر أقطار الأرض، ولمعاً من أخبارهم، وطرفاً من كراماتهم، ومؤلفاتهم، وأولادهم، وأعيان علماء الأمة، ما لا يوجد في غيرها من الكتب المطولات والمختصرات، وقد قصدنا التقرب إلى الله بتحصيل الممكن من الفوائد المهمة، وبيان أحوال هؤلاء الأئمة، والقيام ببعض واجب حقوقهم، والانتفاع لمن وقف عليها من صالح المؤمنين كثر الله سوادهم، وقد وقد التثبت والتحري وإمعان النظر في تدريج الأسماء الشريفة، وأخذها من كتب أهل البيت الصحيحة.
..(1/469)


واعلم أيها الأخ وفقنا الله وإياك أنه قد تساهل أهل هذا العصر، وأغفلوا البحث والنظر، ولم يعلموا أنه لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه، وأنه لولا معرفة الآثار التي أنفق فيها العلماء الأعلام نفائس الأعمار، لما تميز لنا الموحد من الملحد، ولا الصادق من الكاذب، ولما عرف حملة السنة الشريفة رفع الله أحكامها وأنار أعلامها، ولانسدت على المكلف أبواب دينه التي كلفه الله معرفتها، والعلم دين فانظروا من تأخذون دينكم عنه، فلأجل هذا وجب البحث، ولا يكفيك أن تعرف مثلاً الباقر والصادق وزيد بن علي، والهادي، والناصر، والأئمة الأربعة، وأمثالهم الذين عِرْفَانُهم كالشمس، لا شك فيه ولا لبس، بل لا بد من معرفة سائر الأئمة، والمقتصدين والمتحملين للعلم، والبحث عن إجماعاتهم لاتباع سبيلهم وسلوك نهجهم ومعرفة أرباب العدالة، وضدها من النقلة، سواء كنت ترى الكفر والفسق المتأولين سلب أهلية أو مظنة تُهَمة.
فإن قلت كما قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى: الإرسال أسقطه، وإنكار قبولهم إياه سفسطة؟
قيل له: ذاك فيما كان مرسلاً، لكن لا بد من معرفة المرسِل، وحفظه، وثقته، وكونه لا يرسل إلا عن عدل، مع اتفاق المذهب في العدالة، ولا طريق لمن جهل هذا الفن إلى ذلك، ولا إلى معرفة نزول الأحكام وأسباب النزول، وما يتعلق بهما من التمييز بين الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، وغير ذلك من طرق الأحكام، فلم يكن أكثر الخلاف في الإجتهاديات إلا لهذا، وقد تكلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في أحوال الروايات والرواة، بما يرشد الأمة إلى سبيل النجاة، فقال عليه السلام:(1/470)


وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم متعمداً فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك به ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم فتقربوا إلى أئمة الضلال، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان فولوهم الأعمال وجعلوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم شيئاً لم يحفظه على وجهه فَوَهِم فيه ولم يتعمد كذباً فهو في يديه يرويه ويعمل به ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم شيئاً يأمر به ثم..... حولاً يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو يعلم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.(1/471)


وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم مبغضاً للكذب خوفاً لله وتعظيماً لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ولم يَهِمْ بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه وعرف المتشابه ومحكمه، وقد يكون من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم الكلام له وجهان: فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله ولا ما عنى به رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة معناه وما قصد به وما خرج من أجله وليس كل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطاريء، فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي شيء من ذلك إلا سألت عنه وحفظته، فهذا وجوه ما عليه الناس واختلافهم وعللهم في رواياتهم، انتهى.
أما الإرسال فمذهب أهل البيت ومن تابعهم أنه إذا صح لهم الحديث ووثقوا بطرقه أرسلوه في كثير من الروايات، في المؤلفات المختصرات، قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في سياق المراسيل بعد أن فصل أقسام الخبر: فمذهبنا أن ذلك يجوز ولا نعلم خلافاً بين العترة عليهم السلام، ومن قال بقولهم، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، مالك والمتكلمين، بلا خلاف في ذلك بين من ذكرنا، إلا ما يحى عن عيسى بن أبان، فإنه قال: تقبل مراسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ومن نزل عن درجتهم لم تقبل مراسيله إلا أن يكون إماماً.
إلى أن قال: وخالف في ذلك الذين يَتَسَمَّون بأصحاب الحديث والظاهرية، وقد نسب ذلك إلى الشافعي، وتعليله هذه المقالة يقضي بأنه يجوز قبول المراسيل، لكن لا على الإطلاق.(1/472)


قال عليه السلام: الدليل على صحة ما ذهبنا إليه أن العلة التي أوجبت قبول مسند الراوي هي قائمة في مرسله، وهي العدالة والضبط.
إلى أن قال: والذي يدل على صحة ما ذهبنا غليه أن الصحابة اتفقوا على العمل بالمراسيل، اتفاقهم على العمل بالمسانيد.
قلت: وهذه حجة لازمة، وبينة قائمة، قال السيد العلامة البدر محمد بن إسماعيل الأمير - المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمانين ومائة وألف، صاحب: سبل السلام، والروضة، والعدة، وغيرها، جواباً على السيوطي لما تكلم على رواية فيها الإرسال - ما لفظه: قلت: لا يضر ذلك فإنه من قسم المرسل الذي أجمع السلف على قبوله، كما ذكر العلامة محمد بن إبراهيم الوزير، عن العلامة الكبير محمد بن جرير، وقال إنه إجماع السلف، ولم يظهر الخلاف إلا بعد المائتين، ذكر ذلك في شرح التحفة العلوية.
(خاتمة)
وهذا فصل ترجح جعله خاتمة لهذا الكتاب، أرجو الله أن ينفع به من وقف عليه من أولي الألباب، وهم المقصودون على التحقيق بكل خطاب إنما يتذكر أولوا الألباب.
فأقول: اعلم أيها الأخ أمدنا الله وإياك بتأييده، وبصرنا بألطافه وتسديده، أن من تفكر في المبدأ والمعاد، ونظر بعين التحقيق إلى ما تنتهي إليه أحوال العباد، يعلم علماً لا ريب فيه أنه لا طائل ولا ثمرة لأي قول وعمل لا يقصد بهما مطابقة أوامر الله ونواهيه، وموافقة مراده من عباده ومراضيه، وما يضطر إليه فله حكم الضرورة، وذلك لأن المعلوم الذي لا يتردد فيه عاقل، أنه لا بقاء لهذه الدار، ولا لجميع ما فيها ولا قرار، وإنما هي ظل زائل وسناد مائل، وغرور حائل، ولله القائل:
منافسة الفتى فيما يزول .... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه .... وكل فوائد الدنيا قليل
فكيف وبعد ذلك دار غير هذه الدار:
تفنى اللذاذة ممن نال بغيته .... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى مغبة سوء في عواقبها .... لا خير في لذة من بعدها النار(1/473)

94 / 101
ع
En
A+
A-