هذا، وقد أرشدنا ذو العزة القاهرة، والعظمة الباهرة إلى النظر في عجائب مصنوعاته، وغرائب مبتدعاته التي حارت فيها العقول، مثل قوله عز وجل: ?إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? [البقرة:164]، ومنهم من دخل في ضلال الجبر والظلمة، ونبذ العدل والحكمة، وزاغ عن الهدى والرحمة، وقد قرع سمعه قوله تعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ? [آل عمران:18]، وقوله تعالى: ?وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ? [آل عمران:108]، ?وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ? [غافر:31]، ?وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ? [البقرة:205]، ?وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ? [الزمر:7].(1/459)
وقالت الجبرية: بل أراده وشاءه، وخلقه وارتضاه، فأبطلوا حجة الله على خلقه بإنزال كتبه، وإرسال رسله، ونهيه وأمره، وتهديده وزجره، وأسقطت عن أنفسها التكليف، وتلعبت بالدين الحنيف، وقالوا كما حكى الله في الذكر الحكيم: ?سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ? [الأنعام:148]، ولما كان في قولهم إسقاط الحجة رد عليهم بقوله تعالى: ?قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ? [الأنعام:149]، أي إذا ثبت أنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم، وألا علم عندهم، وما يتبعون إلا الظن، وما هم إلا يخرصون، فقد ثبتت الحجة لله على خلقه، وأنه سبحانه ما شاء إتيانهم القبائح، وارتكابهم الفضائح، ?فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ? [الأنعام:149].(1/460)
فأخبر أنه لو شاء أن يجبرهم بالقهر والقسر لهداهم أجمعين، ولكنه جل وعلا مكنهم من الأمرين، وبين لهم النجدين، وركب فيهم العقول، وأرسل إليهم الرسول، ولو أكرههم لسقطت حكمة التكليف، وبطل مراده، وكانت الحجة عليه لا له على عباده، ?وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ? [الزمر:60]، ثم إنهم في زعمهم ليس لهم على صحة دينهم برهان قاطع، ولا بيان ساطع، يجوزون الكذب الصراح في كل ما أتى به الشارع لقولهم إنه لايقبح منه قبيح، ولنفيهم التحسين والتقبيح بالعقل، موادهم سقيمة، وأشكالهم عقيمة، طرق عادتهم منسدة، وكم قاعدة لهم منهدة، إن لم يفعل الله شيئاً لشيء - أيتها الجبرية بزعمكم أنه يلزم الإستكمال تبعاً للفلاسفة الملحدين الجهال - فما معنى تعليل نفي الحجة عليه بالإرسال.
وكم آية في الكتاب هم عنها عمون، تنادي بالرد عليهم إن كانوا يعقلون: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات:56]، وقد قال تعالى: ?هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ? [آل عمران:7]، فسمى الله المحكمات أم الكتاب، ترد إليهن المتشابهات، أو المؤولات من الخطاب، أنزلها الله زيادة في التكليف، وتعريضاً للابتلاء، ومضاعفة للثواب.(1/461)
هذا كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد انحاز في هاتين الفرقتين المشبهة والقدرية أغلب الفرق، وبيان شبهها وتقرير الرد عليها، وتحرير الدلائل وما خالفت فيه من المسائل لا يحتمل مدار رحاه هذه السواقط، وإنما أردنا التنبيه لمن غفل عن مهاوي التلف، ومداحض المساقط، والله أسأل أن يوفقنا للاهتداء بأنواره، والاقتداء بمناره.
ولنختم هذا البحث بذكر طرف من الطرق المسلسلة، الموصلة إلى التمسك بأهداب حملة الكتاب والسنة من سلالة النبوة، ولا بأس بذكرها على هذا الوجه الإجمالي، على أن أقوالهم وأفعالهم معلومة بين ظهراني الأمة، ومؤلفاتهم ورواياتهم متلقاة بالقبول عند الأئمة، فنقول:
الطريق لنا في روايات أهل البيت وعقائدهم وما أنزل الله من فرائضه على الخلق بلسان جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، عن والدنا السيد العلامة شيخ آل محمد، محمد بن منصور بن أحمد الحسني اليحيوي المؤيدي قدس الله روحه سماعاً وإجازة بجميع طرقه عن جدنا الإمام أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين محمد بن القاسم الحوثي سلام الله عليه، سماعاً وإجازة بجميع طرقه، منها: عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي عن أشياخه الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين إسماعيل بن أحمد الكبسي، والسيد الإمام الحسن بن يحيى الكبسي، والسيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام، عن مشائخهم الأعلام.
ويروي والدي رضي الله عنه عن السيد الإمام أحمد بن محمد الكبسي إجازة بجميع طرقه، منها: عن والده علامة اليمن محمد بن محمد الكبسي، وعن السيد الإمام شيخ بني الحسن أحمد بن زيد الكبسي، ويروي والدي رضي الله عنه عن القاضي العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله سماعاً وإجازة بجميع طرقه، منها عن والده القاضي العلامة شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي، عن مشائخه بطرقهم، وقد تقدم ذكرهم في سيرة الإمام أحمد بن هاشم.(1/462)
ويروي القاضي العلامة محمد بن عبدالله الغالبي ووالدي عن شيخهما السيد الإمام شيخ العترة الزكية عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري سماعاً وإجازة بجميع طرقه عن أشياخه، وهم: القاضي العلامة عبدالله بن علي الغالبي، والقاضي العلامة أحمد بن إسماعيل العلفي القرشي، والقاضي العلامة أحمد بن عبد الرحمن المجاهد، عن مشائخهم الكرام.
ويروي القاضي العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني بطرقه، ويروي الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم عن الإمام أمير المؤمنين المنصور بالهل أحمد بن هاشم، ويروي الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن أشياخه، وهم: السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، والسيد الإمام أحمد بن يوسف زبارة، والإمام الأعظم الهادي إلى الحق أحمد بن علي السراجي، والسيد الإمام يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، بطرقهم عن مشائخهم.
ويروي الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم عن المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن السيد الإمام يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، عن السيد الإمام محمد بن يحيى الكبسي، عن شيخه القاضي العلامة يحيى بن صالح السحولي، عن القاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم بطرقه المؤلفة، وهي: بلوغ الأماني في طرق آل من أنزله عليه المثاني، ويروي السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب، عن عمه السيد العلامة إسماعيل بن محمد، عن والده محمد بن زيد، عن والده زيد، عن والده الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد سلام الله عليهم.(1/463)