ثم قال: رجعنا إلى كلام المنصور بالله في ترثيته للإمام المهدي لدين الله: الحمد لله الذي وهب نعمة وفضلاً، وسلب حكمة وعدلاً، وجعل الموت تحفة الأبرار وزلفة للجوار، والصلاة والسلام على من اختار الرفيق الأعلى، وعلى آله الفائزين بالقدح المعلى، ما صعد عمود الإيمان بصبح فقيل تجلى، وبعد: فإنه ورد إلينا ما شرقت منه الأجفان بالدموع، واتقدت نيران الغضا في أحناء الضلوع، وفاة من ألقت عليه الإمام شعاعها، وتألقت عليه أجناس الفضائل وأنواعها فياله من خطب عم المتمسكين بصاحب الرسالة، وخصَّ شيعة الوصي وآله، ولم يسع غير الصبر والرضا، بما حكم به الخالق وقضى، والموت حكم شامل، فمن راحل ليومه، ومن مدعو لغده، ولم يمت من خلف بعده أطواد العلم الشريف، وأنصار الدين الحنيف، وأقمار المذهب الشريف (أراد الإمام بهم أولاد الإمام الأعلام: محمد، والقاسم، وإبراهيم، ويوسف، والحسن)، فهو كالخالد وإن أصبح في الثرى، وكالمقيم في أهله وإن أصبح في العراء.
وكان الإمام المنصور بالله بمكان من العلم والعمل، وحسن السيرة وخلوص السريرة على نهج سلفه الأئمة الكرام، الباذلين أنفسهم في إحياء معالم الإسلام، وأنزل الله به على الأتراك سوط العذاب والوبال، وأذاقهم منه عظيم النكال، وسار سيرة مرضية، وعدل في الرعية، سلام الله على روحه الزكية.(1/439)


ومن كلامه إلى والدنا أمده الله تعالى بالألطاف، وأيده بالإفضال والإتحاف، ما مثاله: الولد العلامة الأرشد محمد بن منصور المؤيدي عمر الله بحميد سعيه أركان الإسلام، وهد بمعاول وعظه وكماله أوتاد الطاغوت باللسان والأقلام، ونحيي محياه بشريف السلام، والحمد لله على وجود المذكر من الآل، في تلك الأودية والجبال، فقد أذنا لكم فصل الخصومات والتحيل في قطع الظلامات، وأما الضمان فأمر لا بد منه لتنفيذ أحكام الشريعة، وقطع رواهش الضغائن الشنيعة، والعمدة التمسك بأهداب الكتاب والسنة، واعتماد أنظار الأئمة المشهورين، الآخذين علومهم من غير ذوي الظنة..إلى آخر كلامه.
ووجدت من كلامه عليه السلام في جوابه على الشريف علي بن المثنى الحسيني: وإنك تعلم أيها الرئيس أن اليمن محل الإيمان، كما أخبر سيد ولد عدنان بقوله: ((الإيمان يمان))، وأن مذهب أهل اليمن في المذاهب الأصولية أعدل المذاهب، في العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، لا يعتمدون فيها إلا على ضروريات المعقول، أو قطعيات المنقول، وكذلك في المسائل الفروعية، لم تغترف أئمة المذاهب الأربعة إلا من بحار علم العترة الزكية، حتى نشأ الخلاف من مخرجي مذاهبهم، ونَدَّ بهم البعير لسوء مراكبهم.
إلى أن قال: وإنك تعلم أن ولاية اليمن كانت بأيدي أسلافنا من العترة الزكية، التي هي بضعة من الذات النبوية، وكانوا يعملون بكتاب الله وسنة رسول الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر المخوف، ويقيمون الحدود والقصاص، ويأخذون الخراج بالعدل لا بالاختصاص.(1/440)


إلى أن قال في أحوال المفسدين: ولما أناخت ركائبهم في اليمن، جاهروا الله بأنواع المعاصي، وزموا إليها الناس بأطراف النواصي، واشتهر الزنا واللواط، وصارا كالحلال، وظهور الخمر كالماء الزلال، حتى فسدت الذرية، وجار الظلم في الرعية، وارتفعت كلمة اليهودية والنصرانية، وخربت قبول المسلمين المحرمات، وعمر بأحجارها جدرات وخانات، وضربت قوانين لأخذ الأموال، أجحفت بالحرام والحلال.
إلى أن قال: وأما أسباب الأخذ في المحاكم فلا حصر لطرقها..إلى آخر خطابه.
توفاه الله سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف، ولده الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد الآتي ذكره. مشهده بهجرة حوث.
ومن أعلام ذرية الحسين بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهم السلام الآخذين عنا قراءة وإجازة سيدي الأخ العلامة الأوحد الأمجد محمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن مطهر بن إسماعيل بن يحيى بن الحسين بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، ومن أولاده الكرام الولدان إبراهيم ويونس وهما ممن أخذ عنا واستجاز منا، وله أيضاً الولدان محمد وعبد الوهاب.
الزلف:
84- فَإِيَّاكَ وَالتَّفْرِيقَ إيَّاكَ إِنَّهُم .... هُمُ العروة الوثقى فذُوا الغيِّ نَازِعُ
التحف:
قال عز من قائل: ?الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ? [الحج:41]، وقال تعالى: ?وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ? [الحج:78]...(1/441)


وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت مِيتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى، ومصابيح الدجا من بعدي، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)) رواه عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، فهذه صفاتهم.
واعلم أن الله عز وجل جعل خلف النبوة من أبناء نبيه في اثني عشر سبطاً، قال الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام: إن الله عز وجل أخرج من بني إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم اثني عشر سبطاً، ثم عد الاثني عشر من ولد إسرائيل صلوات الله عليه، وكذلك أخرج من ولد الحسن والحسين عليهما السلام اثني عشر سبطاً، ثم عد ذلك الاثني عشر من ولد الحسن والحسين عليهما السلام، فقال: أما الحسن بن علي عليهما السلام: فانتشر منه ستة أبطن وهم: بنو الحسن بن زيد بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو داود بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين، وبنو جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام ؛ فعقب الحسن بن علي عليهم السلام من هذه الستة الأبطن، لا ينقطع عقبهم أبداً.(1/442)


ثم عد ولد الحسين بن علي عليهم السلام، فقال: بنو محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو عبدالله بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، بنو عمر بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو زيد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو الحسين بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو علي بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام ؛ فهؤلاء ستة أبطن من ولد الحسين عليهم السلام لا ينقطع عقبهم إلى انقطاع التكليف، وهم بمنزلة أسباط بني إسرائيل، وهم حجة الله على خلقه، وأمان أهل الأرض من استئصال عذابه.
روى هذا الأثرَ الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عن الإمام علي بن موسى الرضا، ورواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، مسنداً إلى الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام.
وروى الإمام أحمد بن سليمان أنه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أولنا محمد بن عبدالله، وأوسطنا محمد بن عبدالله، وآخرنا محمد بن عبدالله.
قال: الأول: محمد بن عبدالله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأوسط: محمد بن عبدالله النفس الزكية، والآخِر: محمد بن عبدالله المهدي. انتهى.
قلت: وإمام الأمة وختام الأئمة، وقائم الرحمة والملحمة، مأثورة أخباره، مشهورة أنواره، وهو رأس الأئمة، ونبراس الظلمة، وتحقيق أحواله في كتب الأئمة، وعلماء الأمة كالإمام زيد بن علي، والقاسم، والهادي عليهم السلام، والأخبار فيه متواترة، فإذا اطلع على كتابنا هذا أو بلغه إخواننا فنحن نسأله فواتح دعواته، ونوافح بركاته، وصلوات الله على محمد وآله، وعلى من جعله الله علماً للساعة عيسى روحِ الله، وعلى ولي الله المهدي لدين الله محمد بن عبدالله وسلامه وإعظامه وإكرامه.(1/443)

88 / 101
ع
En
A+
A-