الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى
الزلف:
81- وَسَلَّ على الأعْدَاء سَيْفاً مُهَنَّداً .... مُحَمَّدٌ المنصورُ فالضِّدُ خاضِعُ
82- وأوردَ أهلَ البَغْيِ حوضاً مِنْ الرَّدى .... وَدَارَ بهم كَأسٌ من السُّمِّ ناقِعُ
83- عَلَى هَذه حَتَّى مضى لسبيله .... وَمَا لقضَاءِ الله في الخلق مانع
التحف:
هو الإمام المنصور ذو السعي المشكور، والحظ الموفور، أبو يحيى محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهم السلام.
خرج عليه السلام: من صنعاء سنة سبع وثلاثمائة وألف، فوصل إلى جهات صعدة، وقد كانت نفذت منه مراسلة من أثناء الطريق إلى مقام شيخه الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، واجتمع عنده الأعلام، وفي مقدمتهم: عالم العترة عبدالله بن أحمد العنثري البصير، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي، والعالم الرباني الحسين بن محمد الحوثي، وشمس الدين أحمد بن إبراهيم الهاشمي، وجرت مذاكرة، وقالوا له: إن في أعناقنا بيعة للإمام المهدي، وكانت قد نالتهم مشاق، شرحها يطول، فأجابهم الإمام المنصور بالله: إنا نعلم بسبق ذلكم الإمام وفضله وعلمه، وليس لنا مرام إلا القيام بما فيه الصلاح للمسلمين والإسلام، ولا نورد ولا نصدر إلا بمؤاذنته، فأرسلوا السيد العلامة الحافظ: أحمد بن يحيى العجري، والقاضي العلامة صارم الإسلام، وحسام الأعلام، إبراهيم بن عدبالله الغالبي إلى مقام الإمام المهدي، فأذن للإمام المنصور للجهاد في سبيل الله، على شرائط ومواثيق قد عيناها ورسمناها.
قال الإمام المهدي عليه السلام ما لفظه: وسألت أرشدنا الله وإياك إلى طريق النجاة، وكفانا وإياك شرور أنفسنا وشرور ما نخشاه عن حكم صلاة الجمعة..إلى قوله: هل تصح لأجل الولاية التي منكم له - أي الإمام المنصور - ويصير الإنسان آثماً بالترك، أم لا تصح الجمعة فيترك الإنسان ولا حرج.(1/434)
إلى قول الإمام: فنقول وبالله التوفيق إلى أقوم طريق: اللهم أتمم علينا رحمتك واجعلنا هاداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، لقد سألت أيها الأخ في الله عن مسألة عظيمة الشأن، مشرقة البرهان، ذات شجون وأفنان، وثمر هو جنا شجرة الإيمان، وقد توجه التبيان لما أخذ الله تعالى على العلماء من البيان، وخصوصاً أئمة الهدى أمناء الرحمن، وكونه لا هوادة في الدين كما هي سنن المرسلين..إلى قوله: أما على كلام أهل المذهب، والجم الغفير من سائر العلماء فظاهر.
إلى قوله: فإنما تصح فيما هذا شأنه بشرط أن يكون الإمام أو الخطيب وثلاثة مع مقيمها ممن تجزيهم كلهم معتزين إلى إمام الحق، ولو لم يذكروه.
إلى قوله: وهذا إنما هو في بلد لم يكن فيها شوكة عادل ولا جائر، وأما إذا كانت الشوكة لجائر فالمنع والتحظير والتأثيم لمجرد الحضور فرضاً عن الصحة، وهذا هو المروي عن قدماء العترة عليهم السلام، والجم الغفير من غيرهم.
والوجه في ذلك واضح، لو لم يكن إلا اشتمالها على المنكر والتسويد على أهل الحق والتغرير والتلبيس على الغير، فأهل المذهب وغيرهم يمنعون ذلك، ويشهد له مثل قوله تعالى: ?وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ? [الأنعام:68]، ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل)).
وأما قول السائل: هل تصح لأجل الولاية التي منكم له..إلى قوله: لأنا ما أذنا بالتقدم للجهاد وقبض بعض المواد إلا بشرط عدم الدعوة، وأن الأمر مناط بنا، وأن تلك المواد تصير في الجهاد الأكبر.(1/435)
إلى قوله: وبقينا على الأصل الأصيل الذي لا حوم حوله إذ إمامتنا قطعية من وجوه عدة، منها: أنه قد علم أن طريقها عند الزيدية الدعوة ممن تكاملت شروطه، وهذا قد حصل.
إلى قوله: وأدلة الدعوة مذكورة في مواضعها من الأصول لو لم يكن إلا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها..الحديث))، ونحوه قوله تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ?..إلخ [الأنفال:24]، والإمام قائم مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإجماع إلا ما خصه الدليل من أمر النبوة ونحو ذلك.
ولأن الإمام إنما دعا الأمة إلى الله تعالى لصلاح دينها ودنياها، وهو معنى قوله: ?لِمَا يُحْيِيكُمْ? [الأنفال:24]، ولم يدعهم لمنفعة لنفسه، فكان الرَّاد لدعوته وطاعته راداً لدعاء الله تعالى وطاعته.
إلى قوله: لأن المسألة ليست باجتهادية، بل قطعية فلهذا رتبوا عليها ومن عاداه فبقلبه مخط وبلسانه فاسق، وبيده محارب، وقالوا: الباغي هو من يعتقد أنه محق والإمام مبطل..إلخ.
وحكوا الإجماع أن من منع إمام الحق من تناول واجب فسق، وأن للإمام الأخذ والقتل المحرمين على غيره قطعاً.
ومنها: الإجماع ممن يعتد به من فضلاء علماء الإسلام، وأهل المذهب الشريف المنزهين عن الزيغ والتحريف في شام ويمن، فإنهم أجمعوا على إمامتنا، ووضعوا فيها الرقومات والمؤلفات.
إلى قوله: وحكموا بها حكماً قاطعاً لا سبيل إلى نقضه، ولا وقع مثله للأئمة الأخيار، وجاوز قول من قال بالنصب والاختيار، مع أنهم قد نصوا أن الدعوة والنصب مع الكمال حكمه حكم الحكم القطعي ولا ينقض إلا بقطعي، فما عدا مما بدا.
ومنها: أنهم يقرون بالسبق والفضيلة ?بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ? [القيامة:14]،..إلخ وهو كلام مفيد.(1/436)
ومن كلام الإمام المهدي في الإمام المنصور جواباً على علماء الشام عن شأنه وقد بقي معنا الرجاء في الولد العلامة عز الإسلام محمد بن يحيى أبقاه الله، وعسى أن يجعل الله في سعيه الرشاد، وإذا قد صلح الشأن فالولد العلامة العزي نائباً.
إلى أن قال: فلا أحد أخبر به منا في ثباته ودينه وحزمه وعزمه. ولما تمت الأمور بينهما رجع الإمام المنصور بالله لجهاد الأتراك، ولم يأخذ بيعة يومئذ، وأرسل بولده الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد حميد الدين وأهله إلى مقام الإمام المهدي بجبل برط، ووصل إلى الإمام المنصور بالله أولاد الإمام المهدي، ولقد أخبرني والدي رضي الله عنه أنه لم يسمع بمثل ما كان بين الإمامين من التواد العظيم، ورعاية الحقوق، والأخوة الصادقة، والتعاون البالغ المثمر، حتى أرسل كل منهما أولاده إلى مقام الاخر، وقد كان حصار صنعاء أولاً، والقائد للجهاد محمد بن الإمام المهدي، وتوفي بضواحي صنعاء أيام الجهاد، وما ذلك إلا لأن قصد الجميع إرضاء الله تعالى، وإقامة العدل، وإصلاح البلاد والعباد، ومن ترثية الإمام المنصور بالله للإمام المهدي لدين الله قوله:
مصاب يمنع الجفن المناما .... وخطب عم من صلى وصاما
لموت شهاب أهل البيت حقاً .... وشمس الفضل كهلاً أو غلاما
إلى قوله:
حليف العلم والتقوى إذا ما .... طغى بحر الظلام ضحى وطاما
سأنصر ما حييت كتاب ربي .... ومن يأباه نعرضه الحساما
فصبراً أيها الأولاد صبراً .... عسى أن تدركوا منه المراما
فكل فتىً ستدركه المنايا .... وما تقبي على أحد ذماما
سلام الله يغشاه بخير .... ورحمته تحف به التزاما
وهي جواب الترثية في الإمام نقلتها من خط الوالد العلامة الحافظ أحمد بن يحيى العجري رضي الله عنهم، قال فيه هذه الأبيات صدرها: الصنو العلامة الزاهد، ذو المناقب والمحامد، كعبة المسترشدين محمد بن أمير المؤمنين، في عنوان تعزية والده الحجة على الأنام:....(1/437)
عَزِ المكارم والفضائل والعلى .... والعلم والأعلام والإسلاما
وابك الشريعة والسماحة والندى .... ومحاسن الأخلاق والأقلاما
واجر المدامع بالدماء فما أرى .... حرجاً عليك ولا يكون ملاما
فلقد دها الإسلام خطبٌ هائلٌ .... كلم القلوب وأدهش الأحلاما
بدر الأئمة قد ثوى في لحده .... وملاذ أهل الدين قال سلاما
شمس عن الآفاق قد أفلت فما .... يبغي المؤخر بالحياة مقاما
السابق الفضلا بحسن سريرة .... وعبادة الملك الجليل تماما
حياك قبر حل فيه خير من .... يهدي الأنام وينصر الأحكاما
وبرحمة الله الوسيعة والرضا .... خصت ثراك وكان ذاك دواما
ثم قال في آخرها:
علام تلوم يا هذا علاما .... وقد فقدت أحِبَّتُهُ الإماما
فقد مات الذي يرجى ملاذاً .... ليهدي واضح النهج الأناما
ويقفوا إثر من أحيا علوماً .... ويظهر مذهب الزيدي مقاما
إمام الفضل أفضل من تحلى .... بحلية جده أعني الهماما
حليف الذكر مفخر آل طه .... إذا عدت مفاخرها تساما
حبيب الصالحين فريد فضل .... فإن لم ترضي قال السلاما
قفا إثر الذين بلوا بغمض .... لفضلهم وما بلغوا مراما
وما هو بالذي يشكوا زماناً .... تعامى عن فضائله تعاما
جزاك الله خيراً من إمامٍ .... بخير جزاء من أوفى الذمام
وبلل تربة حللت فيها .... برحمته وقال ادخل سلاما
وذكر بعد هذا:
وكانت وفاته رضوان الله عليه في الساعة المباركة، وقت صلاة الجمعة لعله تاسع عشر شهر رجب 1319هـ.......(1/438)