..إلى قولهم: وانظر إلى قوله الله تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ?...الآية [النساء:59]، فهذا نص صريح في وجوب الدر بين الطائع والمطاع، والرد إلى الشريعة المطهرة معلوم وجوبه من الدين لا يعلم فيه خلاف إلا المارقين، هذا أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة حاكم وإمامته قطعية بإجماع الزيدية، فإنه لما دعي إلى التحاكم إلى كتاب الله، قال: أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله، والله لقد دعوتهم إليه ستة أشهر فلم يقبلوه مني والآن رضي بحكم كتاب الله، ولكن كتاب الله ليس معه لسان فيتلكم ولا بد من حكم، فقال معاوية: قد اخترنا عمرو بن العاص، فقال علي عليه السلام: وأنا قد اخترت عبدالله بن العباس، فقال أصحابه - أي الخوارج -: لا نرضى به بل اخترنا أبا موسى الأشعري ثم أكرهوه على الرضا بأبي موسى حكماً فلما حكم الحاكمان، قال الخوارج: كفر علي قد حكم الرجال في دين الله فنظرهم علي عليه السلام بنفسه، واحتج عليهم بأن التحكيم سنة متبعة، ثم أرسل ابن عباس لمناظرتهم، وقال له أ، النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، وقل لهم: إن الله قد حكم الحكمين في الزوجة، فقال: ?فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا? [النساء:35]، وحكم في جزاء الصيد في قوله تعالى: ?يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ? [المائدة:95]، فرجع بالمناظرة بعض الخوارج وأصر الباقون فكفاهم قدوة أن تقتدوا بأمير المؤمنين وسيد الوصيين، وكم وكم نعد من الأئمة الذين أعرضوا المحاكمة لمعارضيهم والنافين لإمامتهم، هذا أقرب الأئمة منا الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم أعرض المحاكمة للقاضي أحمد المجاهد لما امتنع من متابعته ولقد صنف الوالد العلامة عبدالله بن علي الغالبي في وجوبها مصنفاً، ورقم على وجوبها علماء اليمن حتى(1/429)
قال سيدي العلامة أحمد بن محمد الكبسي: أن وجوب المحاكة في الإمامة وغيرها قطعي ضروري ورقم هو والعلماء أن من امتنع منها فقد خرج عن أخوة المؤمنين، ولا حاجة إلى التطويل في الاستدلال، فهذا أمر ظاهر لا يخفى إلا على الجهال.
إلى قولهم: فقولك إنا اعتقدنا امامتك برهة من الزمان ثم قلبنا من ذلك للخوف على قطع المواد في بعض البلدان، فوالله يمين قسم لا خط بالقلم ما عتقدنا لك بإمامة ولا تيقنا لك بالزعامة، وأنك لست لدينا إلا محتسباً بشرط الاستقامة، مع أنك قد شرطت على نفسك أنا إذا وجدنا من هو أكمل منك فأنت مسلم، والسعيد من كفى هذا قولك بمحضر من المؤمنين الكملاء.
وأما قولك أنا غررنا ولبسنا بالالتزام لطاعتك ولست بإمام، فنقول: يجوز لنا إن لم يكن واجباً علينا أن نأمر الناس بمعاونة من دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فححتسب حيث لم يوجد أكمل منه.
وأما قوله: أنه يدين الله بحل دماء من عارضه أو خالفه إلى آخر كلامه، فنقول حسبكم الله أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله أدماء آل الرسول وشيعتهم تستحلون وإلى الله بها تتقربون، فكان منه وحثه عن التصريح بذلك، فنحمد الله الذي خرج عقيدتك على لسانك يا لكم في ذلك الويل واثبور، صارت دماء أهل البيت والعلماء لديكم كرماء العضد كيف جوابك على الله إذا بعثر ما في القبور ألم تسمع الله يقول: ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا? [النساء:93]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لزوال الدنيا وخراب الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم)) ومن روع مسلماً أو خوفه كان حقاً على الله ألا يؤمنه يوم الفزع الأكبر، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من خرج من أمتي يقتل برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها فليس مني ولست منه)).(1/430)
فكيف يجوز لك إطلاق القول مع التقصير بسفك دماء المسلمين المعصومة بحكم اللطيف الخبير، فلقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك وأن ينهاك عن هذه المزالق وينصحك.
إلى قولهم: هؤلاء أهل الشام مع قربهم إليك أرسلت إليهم أنك ستعينهم على الأتراك وأرسلت بالرسل إليهم وكثرت وأوعدت بالوصول وكررت، فملا قامت الحرب على ساق تصاممت كأنك ما وعدت، وكيف تترك نصرة مسلم يستغيث بك، ولديك من القناطير المقنطرة والجنود المجندة ؛ لأنك بزعمك قد فتحت أرض الشام، وأعددت للعدوا العدة فهلا عن حرم المسلمين جاهدة، فهلا لبيوت الأموال أنفقت، واملا افتخارك بتجهيزك في خمر وثباتك في خراش فهي عند الناس مما ظهر لكم فيه الطيش والارتعاش وعدم رباطة الجأش كيف وجندك في تلك الحال العدد المشهور وليتك تكرمت في تلك الحال بالمال والعدة وبذلتها للناس في تلك الشدة وكذلك حصن مسور ظهر فيه قلة التدبير ولم يعلم بك بعد ذلك براية على العدو نصبت، ولا جيش لجهادهم جهزت، يا سبحان الله ما وجدنا لك على العدو هما في شأنه، وإلا فمن جهز عليهم جهاداً فنحن من أعوانه، وهذا آخر ما قصدنا تبيانه، وقد أعرضنا عن أكثر ما رمانا به من السب والثلب وانتقاص، فلا نجيب عنه تشريفاً لصاينا وحراسة لأنسابنا:
قل ما بدا لك من عيب ومن كذب .... ....إلخ البيت.
والوقوف بين يدي الله قريب، وهو الحاكم والشاهد والرقيب، رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله.(1/431)
علماء ضحيان
عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري، يحيى بن علي القاسمي، حسين بن عبدالله الشهاري، حسين بن أحمد الصعدي، محمد بن عبدالله الغالبي، إبراهيم بن عبدالله الغالبي.
قلت: وهؤلاء هم أعلام الأمة المرجوع إليهم في عصرهم في كل مهمة، وإليك كلام هؤلاء المؤرخين اعترافهم، قال في أئمة اليمن ناقلاً لكلام القاضي علي بن عبدالله الإرياني في التراثي لهم:
مات الذين هم بدور في الورى .... ونجوم علم في البرية تسطع
بكت السماء عليهم والأرض قد .... أمست لأجل فراقهم تتوجع
والعين بعدهم كأن حداقها .... سملت بشوك فهي عوراء تدمع
أهل المدارس والمعالم من بهم .... كان البلاء عن البرايا يدفع
وراث علم المصطفى خير الورى .... منهم رئيس العالمين الأنزع
العنثري الجبر مصباح الدجى .... بحر خضم بالفضائل مترع
ضحيان أضحت بعده في ظلمة .... وبياضها من بعد ذلك أسفع
ثم ساق بعد ذلك حتى قال: ومات بضحيان في سابع رمضان سنة 1315 خمس عشرة وثلاث مائة وألف، وذكر من تراثيه:
خطب دهانا أنار القلب أحزانا .... وألهب الخطب في الأحشاء نيرانا
وذاك موت إمام العلم سيدنا .... أبكت رزيته قلباً وأجفانا
فخر الهدى وعالم الآل الكرام ومن .... إليه يرجع أهل العلم أزمانا
العالم العلم المشهور من ظهرت .... فيه الفضائل إسراراً وإعلانا
وسل إذا كنت يا مغرور جاهله .... تجد رسائله للفضل عنوانا
أنظاره وفتاويه لقد ظهرت .... ظهور شمس الضحى نوراً وتبيانا
عبادة في سواد الليل تسمعه .... يردد الذكر والقرآن ألحانا
وفي النهار علوم الآل ينشرها .... والليل يذكر أوراداً وقرآنا
يا أيها القبر كم واريت من حكم .... ومن علوم حواها صدر مولانا
..إلخ(1/432)
وفي نزهة النظر ما لفظه: القاضي العلامة الحافظ الجهبذ المجتهد عبدالله بن علي بن علي بن قاسم بن لطف الله الغالبي، وذكرمن من مشائخه والده عبدالله، والسيد العلامة عبدالله بن أحمد العنثري المؤيدي الضحياني، ورئيس العلماء السيد أحمد بن محمد الكبسي، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، والإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي، قال: وكان علامة كبيراً مجتهداً شهيراً، وقد أخذ عنه الأعلام، وقال أئمة اليمن في ترجمة القاضي العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي ما لفظه: القاضي العلامة الحافظ المجتهد محمد بن عبدالله بن علي بن علي بن قاسم بن لطف الله الغالبي الصنعاني ثم الضحياني، أخذ عن والده شيخ الشيوخ عبدالله، وعن السد العلامة عبدالله بن أحمد العنثري المؤيدي الضحياني، وعن رئيس العلماء السيد أحمد بن محمد بن محمد الكبسي وأجازه ثلاثتهم كما أجازه الإمام محمد بن عبدالله الوزير، والإمام محمد بن قاسم الحوثي، وكان المترجم له مدرساً ومرجعاً في كل الفنون.
إلى قوله: وأخذ عنه الكثير منهم سيف الإسلام محمد بن الإمام الهادي، وفي 1325 استجاز منه مولانا الإمام المتوكل على الله، ورأيت بخطه إجازة للسيد العلامة محمد بن حيد النعمي..إلخ.(1/433)