قلت: قد كنا أعرضنا عما جرى بين الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي الحسيني عليهم السلام وعلماء عصره رضي الله عنهم، من جهة، وبين الهادي شرف الدين ومن بجانبه من جهة أخرى، ولما رأينا بعض المؤلفات التي لا تزال منشورة، والتي فيها تشويه الحقائق، والكذب الصريح كما في كتاب أئمة اليمن بالقرن الرابع عشر للهجرة، وقد أهدي إلي نسخة قال فيها: هذا هدية منا لسيدي العلامة الحجة مجد الدين بن محمد بن المنصور المؤيدي أبقاه الله، وأرجو قبوله..إلخ، وقج وافقته أيام وصولي إلى صنعاء في سنة 1364هـ، فأضافنا المؤلف، كان اجتماعنا بمجلسه مع الوالد العلامة قاسم بن حسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسين بن محمد الملقب الجثام بن أبي طالب أحمد بن الإمام القاسم بن محمد، والقاضي العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي، وجرت مذاكرة كثيرة، وكان فيما قلته للوالد محمد زبارة والقاضي الواسعي: مالكما شوهتما التاريخ، فاعتذرا بأنهما اعتمدا على الجنداري، والكلام في ذلك يطول، فمن الكذب الصريح قوله صفح 6: ووصل إليه - أي إلى شرف الدين - من أكابر علماء صعدة وبلادها السيد أحمد بن إبراهيم الهاشمي الصعدي، والقاضي محمد بن عبدالله الغالبي الضحياني وغيرهما، فاختبروه وناظروه في المسائل العلمية ثم بايعوه وألزموا الناس بمبايعته، وقضوا بصحة إمامته ووجوب طاعته وقوله في نفس ذلك الصفح، قال المولى الجهبذ الكبير المعاصر أحمد بن عبدالله الجنداري الصنعاني المتوفى ببلاد الأهنوم سنة 1337في كتابه الجامع الوجيز الوفي بوفيات العلماء ذوي التبريز: كان الإمام الهادي شرف الدين بن محمد.(1/424)


..إلى قوله: وأجمع على إمامته علماء بلاد أهل القبلة، وأهل صنعاء..إلخ كلامه ؛ رأينا أن من الواجب علينا إيضاح الحقيقة لئلا يغتر بتلك المؤلفات مغتر لقول الله تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ?..الآية [النساء:135].
قالوا في تلك المؤلفات: وكان السبب في ذلك - أي مبايعة العلماء الأعلام الذين سيأتي ذكرهم للإمام المهدي - أن شرف الدين لما كان مانعاً من خصم أموال الله عابه أهل الدنيا من الفقهاء والعلماء..إلخ كلامهم الذي يمقتهم الله عليه ومن عرف الحقائق من المسلمين كيف ينسب إلى أعلام الأئمة وعلماء الأمة، وحجة الله في أرضه وأمناءه على خلقه ذلك، فما أحق المثل في هذا المقال: رمتني بدائها وانسلت، فهؤلاء هم المشوهون لوجه التاريخ لأجل حطام الدنيا، ولم يكونوا في ذلك العصر يعدون لا في العير ولا في النفير، بل هم كالظلف مع السنام، والظلمة مع بدر التمام، والسلب المحقق في المعلوم قيام شرف الدين أنه لما حُبِسَ أعلام اليمن اجتمع هؤلاء الأعلام ونظروا من يقوم بالأمر لمجاهدة الترك فوجدوا جماعة مترشحين للقيام، ورأوا أن الأولى قيام شرف الدين بالإحتساب، وقد حكوا ذلك في مؤلفاتهم الموجودة لدينا بأقلامهم قالوا في الرسالة الصادرة من أقطاب العلماء الأعلام ذوي الحل والإبرام الذين رأسهم عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري، ويحيى بن علي القاسمي والد الإمام الهادي والقاضي شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي وأخوه إبراهيم بن عبدالله الغالبي، وحسين بن عبدالله الشهاري، وحسين بن أحمد الصغدي في الجواب على شرف الدين ما لفظه:(1/425)


وأما ما ذكرت في الطرف الثاني أن معك منا رقما وأنه بيعة إلى آخر كلامه، فنقول: هذا منك إقرار بعدم البيعة، وقد صرح بعدمها في محضر الناس وأنا لم نبايعه، وإنما رقمنا مرقوماً له فقوله أنه بيعة غلطة كبيرة، وفاقرة عند العلماء شهيرة، فهذا مذهبه أن من رقم لأحد من مظلوم أو غيره أن تجب إعانته فقد بايعه فيا سبحان الله لهذه الاستدلالات لقد بهرنا علمكم والاستخراجات مع أن رقمنا محروس المقال يعرفه فحول الرجال، ولهذا لا يبديه إلا للهمج الرعاع، والذين لا يعرفون محل النزاع إذ فيه مرقوم حسب ما في باطن هذا وباطنه معروف، ولو تحققه أدنى فقيه لعرف أنه للحسبة مصرح مكشوف فما هذا التغمير والتلبيس والمغالطة والتدليس.
إلى قولهم: فقد علم الناس من الذي يستدل على إمامته بالمرقوم لظاهر معلوم لا زال بيديه لكل وافد جاهل ويقول بائع فهذا رقم العلماء، فمن أحق بهذا المذهب أَمَن يستدل به على الناس ويجعله لإمامته الأساس، أم من ينفيه ويقول: الرقم لا يكون دليلاً على الإمامة مع أ،ه تعدى هذا المهذب ورام إثبات الإمامة بالقهر والغلبة يدل على ذلك أن معارضه - أي الإمام المهدي - يطلب منه المناظرة والمباحثة واجتماع العلماء والتحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو معرض عن ذلك متغافل عما هنالك كما صرح قاضيه، يقول في بعض كتبه ما عادها ساعة الكتاب والسنة الخط للسيف والأسنة، وقد تمثل العلماء في رسالة أخرى بقول الإمام المهدي أ؛مد بن يحيى المرتضى:
وإذا دعوت إلى كتاب الله قالوا .... لا فحكم الله غير مطاق
ما عندنا من حاكم عدل سوى .... تحكيمنا للسيف والمزراق
قالوا فما أشبه الليلة بالبارحة .... والقضية الغادية بالرائحة(1/426)


..إلى آخر كلامه، فانظروا عباد الله من أحق بالاتباع ولا تكونوا كالهمج الرعاع، أتباع كل ناعق فإن مع الإجتماع يظهر الحق بلا نزاع، ومع الامتحان يكرم المرء أو يهان، وهذا الفرس وهذا الميدان وهذه السنة وهذا القرآن والعلماء يحكمون ويعبرون عما نطق به الديان، فيا أهل العرفان حققوا إن كنتم من أهل الإيمان فما بعد الحق إلا الضلال، والحق لا يعرف بالرجال، ولقد أثر منه ما يصح عنه بالتواتر من أنه يستدل على إمامته بالملاحم، وعدد الحروف، وأنه بذلك في الملاحم موصوف.
إلى قولهم: ولعله نسي ما وقع في تلك الأيام أو تجاهل أو غفل عنها أو تغافل لاشتغاله بحساب المدخول والمخروج، ومحتاج الدواب والخدم وغير ذلك مما هو ليس شان الأئمة ولا من أعمالهم، فأعمالهم معروفة وسيرهم موصوفة ليس لهم هم وشغل إلا نشر العلوم ومعاطاة كؤوس منطوقها والمفهوم، وتخريج المسائل، والرد على كل سائل، وتدبير أمور الحروب والنظر في مصالح المسلمين، وما الذي ينكى به عدو الدين، وللحساب وزراء يكفونه بذلك والأئمة لا يحاسبون على النقير، ولا يناقشون على القطمير، ولا يعزلون من تولى لهم عملاً على الشيء الحقير، وقد قال العلماء في المقارنة بين الإمام المهدي، وبين شرف الدين:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى .... يزيد سليم والأعز بن حاتم
فهذا له هم بنشر علومه .... وذاك له هم بجمع الدراهم(1/427)


إلى قولهم: قد تيقنا أنه ليس إلا محتسباً للقصور الظاهر فكان منا مرة أن سألناه في معنى حديث فعرف منه الجبين فعند ذلك قلنا التعجيز لا ينبغي لصاحب دين وسألناه عن المسألة التي ذكرها فقال فيها أقوالاً وهي مذكورة لدي في كتاب ولم يحقق فيها جواب، ولقد اشتكلت عليه مسألة في الشركة العرفية أنها مشكلة عليه، كيف بجوابها فأجبنا عليه بما حل إشكالها ولقد سأله بعض العلماء عن مسألة في النفقة اظاهرة مصرح بها في متن الأزهار في الطلاق، فقال: هذه عكلة ولم يحل لها عقال، ولما كان في تلك الأيام أناس مترشحون للاحتساب قلنا لمن كان فقيهاً كل.... المذكور يكفينا سيدي في هذه الحالة حتى يقيض الله لنا برجل من أهل الكمال، فقد وجنا سيدي - أي شرف الدين - لا يقدر على العبارات، ويكفينا ما معه ودينه، وورعه للاحتساب مع قرب العهد ولكل مقام مقال، ولكل حالة أمر يضطر إليه في تلك الحال.
ثم سألوا سائر الفقهاء من الأهنوم ماذا أجبنا لما سألونا: هل صرحنا للفقهاء بالإمامة العظمى أملا، ,الله عند لسان كل قائل، وأما ما ذكره من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستقامة عليها فهذا هو ما جرى ذلك الزمان بمرأى ومسمع جماعة من أهل الإيمان، وأما ما ذكره في الطرف الثالث من طلب الشريعة المطهرة والتحاكم إلى كتاب الله مقالة تعجب منها الأفكار ويتحير فيها أولوا الأنظار..إلخ ما ذكره من الأقوال الملفقة، والاستدلالات المزوقة، التي لا تتفق إلا على من لا يفرق بين النجم والقمر، أو فهمه معكوس كفهم البقر، وما أشبه استدلاله في خطابه بكلام بعض قضاته لما أفتى بجواز الحج في شوال، فقيل له: فما بال الناس يجلسون إلى عشر ذي الحجة؟ قال: إنما ذلك لأجل الاجتماع من خوف الطرق، فيالله لهذه الجهالات
يا ناعي الإسلام قم فانعه .... قد مات عرف وبدا منكر(1/428)

85 / 101
ع
En
A+
A-