وساق البيان في فضلها من كتاب الله، ثم أورد عليه السلام بحثاً طويلاً، قال في آخره: فهذا ما ندين الله به، مع أن الحديث ذو شجون، وذيول لا يغوص في أعماقها إلا العالمون المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، وإنما كشفنا وجه المسألة لوجوب بيان ما أنزل الله من البينات والهدى، ولما بلغ إلينا من تخليط بعض أهل العرفان، فما ظنك بخلطاء الجهالة، وأسراء التقليد، قاد الله بنواصي الجميع إلى ما يحب ويرضى.
وفيها فيسعنا الاستقامة والصبر والإنتظار، كما أمرنا جل وعلا، والحجة على هذه الأمة لازمة، والبراهين قائمة، والله المستعان، عليه التكلان، انتهى.
وأولاده: قد سبق ذكر الأربعة الكبار الذين أدركوه وأخذوا عنه، وبلغوا درجات الأئمة، واتصفوا بصفات آبائهم هداة الأمة: محمد توفي في حال جهاده للأتراك بصنعاء سنة اثنتين وعشرين، وعمره ثمانية وثلاثون عاماً.
وذلك أنه بعد وفاة المنصور وردت إليه دعوتان من الهادي والمتوكل، فأجاب عليهما أن الواجب الآن جهاد الأتراك بصنعاء فقد طغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، ووجه دعوات إلى الناس جميعاً للجهاد فأجابه العلماء والأعيان والرؤساء من همدن بن زيد وخولان بن عامر، وحاصر الأتراك بصنعاء وكان مطرحه بداعي الخير ولحنكة الإمام يحيى وجه إليه الإمداد بما عنده من الجيش ومن وصل إليه وجهه إليه، وكان لسيف الإسلام محمد بن الإمام المهدي رضي الله عنهما من الفضل والعلم والزهد والحكمة ما أوجب انقياد الخاص والعام، ولقد أخبرني الوالد العلامة بدر الإسلام محمد بن إبراهيم المؤيدي الملقب ابن حورية رحمه الله تعالى، وكان من المرافقين له حال الجهاد أنه كان يسأل الله تعالى إذا قد قبل علمه أن يقبض روحه، وأنه مرض في تلك الأيام وتوفي وهو مسنده إلى صدره فكان يقول أنه توفي على تلك الحال اثنان هما أفضل أهل زمانهما، ثانيهما العالم الرباني الحسين بن محمد الحوثي رضي الله عنهم.(1/414)
فلما توفي الوالد محمد بن الإمام ارتاع الناس روعة شديدة خية الفتنة لاجتماع حاشد وبكيل وخولان بن عامر وما كان يحجز بينهم إلا هيبته وخوف دعوته قال فجهزناه وصلينا عليه ولم يكننا إظهار موته وأرسلنا إلى الإمام المتوكل فأرسل الإمام سيفي الإسلام محمد بن المحسن وأحمد بن قاسم حميد الدين ومن معها ولم يخرجوه إلا بعد ثلاثة أيام رضي الله عنهم، وقد ترجم له في أئمة اليمن في صفح (46) قال: وفي 27 صفر.
مات بمطرح داعي الخير إلى قوله: العلامة محمد بن الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي الحسيني الصنعاني أخذ عن أبيه وغيره وكان عالماً فاضلاً، زاهداً لازم والده من بعد انتقاله يمن صنعاء وبلادها إلى جبل برط ودعوته هنالك في سنة 1299 إلى آخر كلامه، وقال في حوادث 1323، في ليلة الثلاثاء (22) محرم الحرام هذا العام، أرسل المقدمي السيد العلامة محمد بن محمد بن قاسم الحوثي الحسيني من محطته بداع الخير وبيت معياره وجنوبي صنعاء السيد حسين بن يحيى عشيش في بعض العسكر من بلاد سنحان وبني بهلول بمهاجمة من في العرض المعروق جنوبي سور صنعاء من الأتراك فارتقى نحو العشرين من ذلك العسكر على السلاليم إلى العرض فبادرهم الأتراك بالرمي المتتابع بالمدافع وغيرها إلى آخره.
ولم يترجم لبقية أولاد الإمام الأعلام إبراهيم والقاسم ويوسف والحسن وعلي وأحمد والحسين وغيرهم هؤلاء المشهورون، وقد أخبرني الثقة في سبب أعراضهم عنهم مع ظهور علمهم وفضلهم، فأحب ذلك الله.... السرائر.
وإبراهيم توفي قبل وفاة الإمام بأيام، وعمره اثنان وثلاثون، قال الإمام عليه السلام متمثلاً في صدر ترثيته له:
أتدري من تخرمت المنون .... ومن أرقت لمصرعه العيون
ومن ذا أثقل الأعيان حملاً .... وخف لحزنه العقل الرصين
ومن في جنة الفردوس أضحى .... لديه الظل والماء المعين
إلى آخرها.(1/415)
وقد ترجم له العلامة الولي عبد الرحمن بن الحسين سهيل رحمه الله، - وقد بلغ في تراجمه إلى حرف الحاء المهملة -، فقال: كان رحمه الله عالماً عاملاً، كاملاً فاضلاً، زينة الزمن، وحسنة من محاسن اليمن، علامة في المعقول والمنقول، محققاً للفروع والأصول، جامعاً للفنون العلمية، والمعارف الدينية، والآداب اللطيفة، والشمائل الظريفة، مع ديانة وورع، وحسن خلق.
إلى أن قال: كان من الأعيان المشار إليهم علماً وعملاً، ورياسة وحيازة لخصال الكمال وكمال الخصال، أخذ عن والده الإمام فارتوى من معين علمه الصافي واكتسى من فاخر رداء فضله الوافي، فصار علماً ظاهراً وبدراً سامراً..إلى آخر الترجمة.
والقاسم توفي عقيب وفاة الإمام في ذلك العام، وعمره اثنان وثلاثون، ويوسف توفي سنة اثنتين وعشرين بحوث، وعمره إحدى وثلاثون وكان حال الجهاد ملازماً لأخيه محمد بن الإمام، وكان بصحبتهما كثير من الأعيان.
والحسن توفي سنة ثمان وثلاثون وثلاثمائة وألف، وأحمد توفي سنة 1362هـ والحسين توفي سنة 1369هـ، وعلي توفي سنة 1364هـ، وهؤلاء الأعلام الكرام، وهم ينيفون على العشرين، والمعقبون منهم: محمد، والقاسم، ويوسف، وأحمد، وعلي، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم.(1/416)
وقد بسط ترجمة الإمام في: النفحات المسكية سيرة الإمام المحسن وغيرها، فإن أئمة الإسلام والعلماء الأعلام مقرون بفضله وسبقه، معترفون بعلمه وحقه، منهم: الإمام محمد بن عبدالله الوزير الذي كان باقياً على دعوته من قبل قيام الإمام المحسن، ومن بعده، ولقد أقسم الإمام المتوكل المحسن ليطيعنه - أي الإمام المهدي - أو ليتفرقن تحت كل كوكب.
والإمام محمد بن يحيى وسائر علماء الأمة، وإنما تعرضت لهذا لما أنه قد أكثر القعقعة خلف الإمام بعض من لم يكن في العير ولا في النفير، بجانب أولئك الأعلام، مع أنهم لم يستطيعوا أن يتكلموا في جانب الإمام بأي كلام، خشية الافتضاح بين الأنام.
وإلى إسماعيل بن الحسن الثالث من آباء الإمام المهدي ينتسب السيد الإمام المجتهد المطلق إبراهيم بن عبدالله بن إسماعيل مؤلف نفحات العنبر بفضلاء اليمن في الثاني عشر وغيرها المتوفى سنة 1223هـ، عن ست وثلاثين سنة.(1/417)
الإمام شرف الدين بن محمد
الزلف:
80- وإذْ حَبس الأعلام قام ابن عمهِ .... هو القائم الهادي وحلت وقائعُ
التحف:
وكان قيام الإمام شرف الدين بن محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن علي بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام يحيى بن حمزة (في شهر صفر سنة 1296هـ)، حال غياب الإمام المهدي ومن معه في سجن الأتراك كما سبق، وذلك مع بقاء الإمام محمد بن عبدالله الوزير على دعوته، توفي الهادي سنة سبع وثلاثمائة وألف.
وقد ملأ المغرضون موضوعاتهم بما لا أصل له ولا حقيقة، ولقصد البعد عما لا طائل فيه من الجدال، كان الإعراض عن شرح تلك الأحوال.
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وليس النظر في مثل ذلك إليهم، ولا غرض لنا في توسيع مثل هذا المجال، وأهل الاطلاع يعرفون حقائق الأحوال، وبعد فهما ذو القرابة القريبة والمعرفة الكاملة بما يجب لكل منهما من الحق، ولم يخل عصر عن مثل ذلك، ولم يعد أحد من علماء الإسلام ذلك قادحاً، إذا كان كل منهم لا غرض له إلا إصلاح الأمة، وإقامة الكتاب والسنة، وإنما أهل الأهواء هم المفرقون بين الإخوة، وقد أفضوا إلى ربهم، ولهذا فإني لم أتعرض لما يلزم من ذكره أي وصمة وكما قال في البسامة:
وكلهم سادة غر غطارفة .... بيض بهاليل فراجون للعكر
أولاد الهادي شرف الدين: محمد، والمطهر، والقاسم، وشرف الدين، والحسين رضي الله عنهم، وهو المشار إليه بقولنا: وإذا حبس الأعلام..البيت، واكتفيت بذلك لما سبق.(1/418)