الإمام محمد بن القاسم الحوثي
الزلف:
77- وَوَافَى عَلَى رَأسِ الثلاثِ مُجَدِدٌ .... تَفَجَّرَ مِنْهُ للأنَامِ اليَنَابِعُ
78- هُوَ المُرتَدِي بُرْدَ الإمَامَةِ دَاعِياً .... إلى اللهِ للنَّفْسِ الشَّرِيفَةِ بَائِعُ
79- محمدٌ بنُ القاسمِ السابِقُ الرِّضَى .... إمَامُ الهُدى بَحْرٌ مِنْ العِلْمِ وَاسِعُ
التحف:
هو إمام الأمة، وعالم الأئمة المهدي لدين الله أبو القاسم محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين بن علي بن عبدالله بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الحوثي عليهم السلام.
صفته: كان تام الخلق، أبيض اللون، أنزع مقرون الحاجبين، أعين، كث اللحية، بعيد ما بين المنكبين، ولقد سمعت الوالد العلامة الولي عبدالله بن الحسين الشهاري يقول: إن الإمام المهدي محمد بن القاسم عليه السلام كان لا يوجد له شبيه، وأنه يشبه بالملائكة، ولقد شاهده مراراً يكتب بالمرة الواحدة طول السطر وهو يحدث الناس، وأنه كان لا يستطيع أحد من الناس أن يكلمه حتى يفتتح الكلام هيبة من الله تعالى وقد سمعت ذلك من غيره من الأعلام رضي الله عنهم.(1/404)
دعا بعد وفاة الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف، عقيب خروجه من أسرالأتراك، وقد كانوا غدروا به وبجماعة أعلام اليمن، منهم: السيد الإمام الولي محمد بن إسماعيل عشيش المتوفى بالسجن سنة ألف ومائتين وست وتسعين، والسيد الإمام رئيس العلماء مفتي اليمن أحمد بن محمد الكبسي، والإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين، وسائر أقطاب العلماء في ذلك الزمن، ولبثوا في السجن سنتين، ثم يسر الله خروجهم وفرج بذلك على الإسلام والمسلمين، فجدد الله به الدين، وأقام به شريعة سيد المرسلين، ولبى دعاءه علماء الأمة لما قرع أسماعهم وجوب طاعته، وتحتم ولايته حاملاً للكتاب، مبيناً لفرائض رب الأرباب، واغترف منه العلم مجتهدوا عصره، والعلماء الأعلام من أبناء دهره، وكانت ترد إليه المسائل في أنواع العلوم، فيكشف ديجورها، ويبين مستورها، بأوضح بيان وأجلا برهان، وبلغت فتاويه مجلدات جمة، جمع بعض العلماء منها قسطاً من المباحث المهمة، فمنهم من قدرها بالشافي، ومنهم من قدرها بالبحر الزخار، وكان يصل إليه العلماء بالسؤالات حتى أيام الجهاد.
ومن مؤلفاته: الموعظة الحسنة، وله منظومة في الجنايات صدرها:
باسم إلاه العرش يمناً ومعصماً .... وعونك يا رحمن بدءاً ومختماً(1/405)
والبدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية، التي وجهها القاضي العلامة صارم الدين إبراهيم بن عبدالله الغالبي المسماة بالمشكاة النورانية إلى الإمام الأعظم المهدي لدين الله رب العالمين محمد بن القاسم الحوثي رضوان الله عليه، وهي مشتملة على مسائل في فنون العلم، منها ما كان مغلقاً لم يظهر وجهه، ومنها مواضع قد خاض فيها الأئمة، فأرادوا استيضاح ما يختاره الإمام فيها، فأجاب عليها الإمام بكتابه المسمى البدور المضيئة، ومما تضمنته تلك الجوابات المهمة من العلوم التي جلى بها الغمة، بيانه لانهدام قواعد الإرجاء، وفصول كلامه في مسائل الإمامة، وتأويل الآيات والأخبار التي ظواهرها متصادمة والتوجيه الوجيه لكلام الله سبحانه في آية الأمر لنبيه لوط عليه السلام بالإسراء والتفسير المنير لغيرها من الآيات، وتوضيح النكات النيرات، في الأصولين والعربية والفقه وغير ذلك من الأبحاث الشريفة، والأنظار الثاقبة المنيفة، ولا غرو فإنها نابعة من عباب العلوم، ولباب المنطوق والمفهوم، الذي اغترفت من فياضه علماء الأمة، وارتشفت من فضالته أعلام الأئمة.
قال السائل رضي الله عنه بعد أن اطلع على جوابات الإمام عليه السلام: وبعد فلما وصلت هذه الجوابات الفريدة، والحكم البديعة المفيدة، التي بها تنشرح الصدور، وبالتملي فيها يحصل الفرح والسرور، قد كشفت عنا غياهب الظلم، ورفعت الهمم، ولقد اشتملت على معان تصدع نورها مستنيراً، وظهر شعاعها مستطيراً، حتى صارت مشرقة الجو، مغدقة النو، مونقة الضو، تضعف الخواطر عن إدراك معانيها، وتصغر القرائح عن اقتراح ما يساويها، قد عم نورها عند وصولها الآفاق، وسمت وارتفعت على طويلات الأعناق.(1/406)
إلى أن قال في وصفها: الروضة الجامعة لكل بلاغة أنيقة، والمحتوية على كل معنى حسن وفصاحة غديقة، سقت سماء المعاني رياض ألفاظها، فنبتت بأحكام ومعان زكى نباتها، وأينعت ثمارها فهزتها لواقح الأفكار والأنظار، فتساقطت ثمارها، فلا يبرح الناظر مستخرجاً للدرر الحسان، إلى أن ينتهي إلى ما لا يخطر على الأسماع والأذهان.
حتى قال: فعاد الظلام منها ضياء ونوراً، وابتهج القلب بها فرحاً وسروراً، كيف لا تكون كذلك ومنشيها ومرصع درر ألفاظها وموشيها، من خاض في بحار العلوم، فاستخرج الدقائق، ووقف على خفيات الحقائق، مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين، المهدي لدين الله رب العالمين أيد الله الدين ببقائه، وضاعف به الرحمة على أوليائه، وأعظم به النقمة على أعدائه، وأحيا به الميت من الإسلام، وأشاد به ما اندرس من الأحكام، وكان له خير ناصر ومعين، وحفظه بما حفظ به الذكر المبين، ثم قال:
هذي الرياض التي قد راقت البصرا .... فسرح الطرف فيها تبلغ الوطرا
كانت مسائلنا ليلاً فلاح لها .... نور يضيء كضوء الشمس إذ ظهرا
كانت مسائلنا بكراً مختمة .... ففضها من لبيت المجد قد عمرا
قد أطفأت نار كربي إذ رأيت بها .... سؤلي وشاهدت ما للعقل قد بهرا
الأبيات، وكان إرسال السؤالات سنة تسع وتسعين ومائتين وألف.(1/407)
ومن العلماء الأعلام في ذلك العصر بضحيان السيد الإمام طود العلوم، ومدرس منطوقها والمفهوم، عبدالله بن أحمد بن محمد بن حسن بن يحيى بن محمد بن حسن بن علي بن حسن بن علي بن أحمد بن حسن بن علي بن صلاح بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد عليهم السلام البصير العنثري المتوفى عام خمسة عشر وثلاثمائة وألف، وأولاده الأعلام سيأتي ذكرهم، وحال هذا السيد الإمام وأمثاله من علماء أهل البيت وشيعتهم الكرام في قيامهم بأمر إمامة الإمام المجدد للدين أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين محمد بن القاسم الحوثي قدس الله أرواحهم في عليين، ودعاؤهم إليه وإقبالهم عليه، وثبات عزائمهم عند اضطراب الفتن وموجان المحن، يحاكي أحوال أنصار الدين في أيام الأئمة السابقين القائمين بما افترض الله عليهم من إجابة داعي الله، وإقامة حجة الله، والجهاد في سبيل الله، والمصابرة على ما نالهم في ذات الله، وبهم انتشر العلم وظهر نوره، وتجلت في سماء العرفان شموسه وبدوره.
ومن العلماء الذين أخذوا عن الإمام المهدي في هجرة حوث وغيرها، وهاجروا إليه إلى جبل برط: السيد الإمام الحسين بن محمد الحوثي رضي الله عنه، وله إليه سؤالات وأجاز له الإمام، وهو من أعلام أهل ولايته، قال في بيان طرقه: حسبما أجاز لي مشائخي شكر الله سعيهم منهم إمام الزمان وترجمان البيان ومعدن التبيان الحجة مولانا محمد بن القاسم الحوثي، وقال في موضع آخر: الإمام سيد بني الحسين والحسن إمام العلوم معقولها ومنطوقها والمفهوم، ذو الأقوال الواضحة، والأنظار الراجحة، محمد بن القاسم رضي الله عنه.(1/408)