وقد وصل الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد إلى مقام الإمام المتوكل على الله عبدالله بن علي عليهم السلام، ومعه جماعة فأضافهم وأكرمهم، وقال الإمام القاسم لجماعته: إنه أي الإمام عبدالله يصلح للإمامة، وإنه يريد أن يبايعه، حكى هذا العلامة الشرفي شارح البسامة، والجرموزي في السيرة وغيرهما، إلا أن الإمام القاسم اشترط شرطاً لم يرفع له الإمام عبدالله بالا لأنه عنده غير وارد، وهو مما تختلف فيه الأنظار، وهو أنه ذكر له ما قد جرى بينه وبين الإمام الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد عليهم السلام، وكان شيخ الإمام القاسم بن محمد عليه السلام يعتقد إمامته، ويعظمه غاية في التعظيم، وقد أسر وهو معه، وهذه الأشياء مما يجري بين كثير من الفضلاء، لا سيما ذوي القربى كالإمامين.(1/349)


وقد وصل الإمام عبدالله إلى الإمام الحسن إلى الأهنوم بأهله وأولاده، فقابله الإمام الحسن بالإكرام والإعظام، ثم أشار إليه بالانتقال إلى بلاد الشرف، فانتقل عن إذنه ولم يتعقب ذلك إلا أسر الإمام الحسن عليه السلام، وهذا آخر ما جرى بينهما، وهما على غاية التصافي والوداد، فإن كان سبق شيء فقد محاه هذا الوفاق - وقد أفاد ما ذكرنا السيد العلامة يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم في غاية الأماني 2/ 766-، ولم يقم الإمام عبدالله إلا بعد أسر الإمام الحسن، وقد فتح الحرب على الأتراك وأوقع بهم وقاسى منهم الشدائد والمخاوف، وقد أشار إلى ذلك الإمام القاسم حيث قال: إنه لم يأمن إلا بقيامه، وبعد أن قام الإمام القاسم توجه إليه الإمام عبدالله عليهما السلام لقصد الإصلاح واجتماع الكلمة، فتلقاه الإمام القاسم بالإجلال والإكرام وأعطاه الخيل واتفقا على أن يقوم الإمام عبدالله بالجهاد والإصلاح في بلاد الشام، ومتى استقرت الأحوال نظر العلماء في الأولى، فسعى وسائط السوء بالفساد وإضرام نار الفتنة، وقصدوا الإمام عبدالله وأهل بيته بالحرب فاضطروهم إلى مصالحة الأتراك، لأجل الدفاع عن أنفسهم وغرروا على الإمام القاسم بأنه قد نقض ما بينه وبينه، فالإمام عبدالله معذور في المصالحة.(1/350)


وقد صالح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المشركين، وقد صالحهم الإمام القاسم عليه السلام، وتوفي حال الصلح، ولا ثقة بما نقله السعاة، وكل واحد منهما عليهما السلام معذور حيث اغتر بما نقل إليه عن الآخر، فالمؤمن غِرٌ كريم، وقد هم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بغزو قوم لما غرر عليه الوليد بن عقبة، حتى أنزل الله: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا? [الحجرات:6]، وقد قال تعالى: ?وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ? [الأحزاب:5]، وقد جرت أمور لا يحسن ذكرها، ولا ينبغي نشرها، فقد انتهت الحال بحمد الله تعالى إلى المصافاة بين الإمامين وأولادهما والمسامحة والمعافاة كما هي السجايا النبوية والشمائل العلوية، نقل ذلك العلامة الشرفي شارح الأساس في اللآلي المضيئة، وصاحب السيرة الجرموزي، وولد الإمام الأمير محمد بن عبدالله في التحفة العنبرية، وقد أثنى فيها على الإمام القاسم وأولاده غاية الثناء، ووصل إلى الإمام محمد بن القاسم عليهم السلام، وكانت المسامحة في جميع ما جرى فما نشر في السيرة لا ثمرة له إلا إشمات الأعداء لأهل البيت النبوي والله تعالى المستعان.
توفي الإمام المتوكل على الله يوم الخميس لعشرين من ذي الحجة سنة سبع عشرة وألف، وله اثنتان وثمانون سنة وشهران وأيام، مشهده في هجرة فلله.
وللإمام عبدالله الذرية المطهرة وهم: علي، وصلاح، ويحيى، وإبراهيم.(1/351)


الأمير محمد بن عبدالله أبو علامة
والأمير العلامة الخطير الملقب أبا علامة محمد بن الإمام عبدالله وهو مؤلف التحفة العنبرية في المجددين من سلالة خير البرية، ذكر فيها أنه كان في بعض الشدائد العظام، التي تذهل عنها الأحلام، وذلك في حال موجان الفتن، وهو ساكن بصنعاء اليمن، فرأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام فأمر أن يؤلف ويتوسل في الأئمة المجددين، فألف هذا الكتاب، وله المشجر الجامع الحافل المسمى روضة الألباب وتحفة الأحباب، وهو من أجل المؤلفات في هذا الباب ومن اطلع على هذين المؤلفين عرف قوة باعه، وعسة اطلاعة، وتطلعه في مجال العلوم، وتضلعه من رحيق سلسبيلها المختوم، توفي ثامن ذي الحجة سنة أربع وأربعين وألف، عن اثنتين وسبعين.
قبره بمشهد لبني المؤيد شامي مقبرة صعدة رضوان الله عليه.
ومشجره هو المعتمد في اليمن وغيره، وهو بقلم أخي المؤلف صلاح بن الإمام، وخطه كسلاسل الذهب ولا نظير له فيما أعلم، قال المؤلف فيه ما لفظه: وأنا أبرأ إلى الله ممن ألحق فيه أحداً بغير حقيقة قطعية مشهورة إلى أهل البيت عليهم السلام.(1/352)


وقد أوصلت هذه النسخة إلى الطائف عند العزم لطبع المؤلفات الكبار كالشافي والاعتصام وكان نقله وإلحاق ما أمكن من الفروع بعد طلبها من جهات اليمن وغيره وكان الاشتراك بكتابته مع ابن الخال سيدي العلامة الأوحد القاسم بن أحمد بن الإمام المهدي، والسيد العلامة الأمجد علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين، وتم نقله وتصحيحه بقلم السيد الهمام أحمد بن يحيى بن الحسين شرف الدين، ثم بعد مدة طبعه الأخ العلامة جمال الدين علي عبد الكريم الفضيل حماه الله وألحق فيه ملحقات وتراجم كثيرة لمن في الأصل ولأناس ليسوا موجودين ولا أصل لهم في الأصل معين وترك الترجمة لكثير ممن هم في الأصل كالإمام الهادي عز الدين بن الحسن عليهم السلام، وعلى كل حال فقد أجاد وأفاد وأتى بالمراد وزاد نسأل الله لنا وله التوفيق والسداد.
وقد أهدى إلي نسخة قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم يسرني أن أهدي هذه النسخة لشيخي العزيز العلامة الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي الحسني حفظه الله وأمد في عمره، وأصلح له وبه كل الأحوال والأعمال والأولاد والطلبة الكرام برحمته وكرمه والسلام 6/ 8/ 1416هـ، المؤلف تلميذه علي عبد الكريم بن محمد الفضيل شرف الدين، انتهى.(1/353)

70 / 101
ع
En
A+
A-