ولما رأيت الخيل تقرع بالقنى .... فوارسها حمر النحور دوامي
ونادى ابن هند في الكلاع ويحصب .... وكندة في لخم وحي جذام
تيممت همدان الذين هُمُ هُمُ .... إذا ناب أمر جُنتي وسهامي
فناديت فيهم دعوة فأجابني .... فوارس من همدان غير لئام
فوارس ليسوا في الحروب بعزل .... غداة الوغى من شاكر وشبام
ومن أرحب الشُم المطاعين بالقنى .... ورهم وأحياء السبيع ويام
ووادعة الأبطال يخشى مصالها .... بكل صقيل في الأكف حسام
ومن كل حيٍ قد أتتني فوارس .... كرام لدى الهيجاء أي كرام
يقودهم حامي الحقيقة ماجد .... سعيد بن قيس والكريم محامي
بكل رُدَيني وعَضب تخاله .... إذا اختلف الأقوام سيل عرام
فخاضوا لظاها واصطلوا حر نارها .... كأنهمُ في الهيج شرب مدام
جزى الله همدان الجنان فإنهم .... سمام العدا في كل يوم سمام
لهم تعرف الرايات عند اختلافها .... وهم بدؤا للناس كلَّ لحام
رجال يحبون النبي ورهطه .... لهم سالف في الدهر غير أيام
همُ نصرونا والسيوف كأنها .... حريق تلظى في هشيم ثُمام
لهمدان أخلاق ودين يزينها .... وبأس إذا لوقوا وحد خصام
وجد وصدق في الحديث ونجدة .... وعلم إذا قالوا وطيب كلام
فلو كنت بواباً على باب جنةٍ .... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره))، فقال سعيد بن قيس، وزياد بن كعب الأرحبي: (أجبنا الله ورسوله وأجبناك، ونصرنا الله ورسوله ثم إياك، وقاتلنا معك من ليس مثلك، فارم بنا حيث شئت)، فقام عامر بن قيس العبدي، وهو فارس القوم، فقال: يا أمير المؤمنين إذا رمت بهمدان أمراً فاجعلنا معهم، فإنا يداك وجناحك، فقال عليه السلام: (وأنتم عبد القيس سيفي وقوسي)، فرجع بها العبدي إلى قومه.(1/31)


قيل: لما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (فلو كنت بواباً..البيت) قال رجل: (لقلت لمن دان ادخلوا بسلام)، فقتلته همدان بحوافر خيولهم، وضربوه بنعالهم، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بدفع ديته من بيت المال، وقال: قتيل (عِمِّيَّا).
ولما بَعَثَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام إلى اليمن وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قرأه خر ساجداً، وقال: ((السلام على همدان)) ثلاثاً، وكانوا أنصار علي عليه السلام.
وفي قبائل اليمن يقول ولده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهم السلام: لما قاموا بنصرة الإسلام معه، في قصيدة طويلة:
تحف به خيل يمانية لها .... على الهول إقدام ليوثٌ طوالب
قُرُوم أجابوا الله حين دعاهمُ .... بأيمانهم بيض حداد قواضب
فما زالت الأخبار تُخْبِر أنهم .... سينصرنا منهم جيوش كتائب
ومنها:
وناديت همداناً وخولان كلهم .... ومذحج والأحلاف والله غالب
تذكرني نياتهم خير عصبة .... من الناس قد عفت عليها الجنائب
من أصحاب بدر والنضير وخيبر .... وأحد لهم في الحق قدماً مناقب
فَتُعْمِل في الفجار كل مهنَّد .... وترضي إلاهاً سبحته الكواكب
ويظهر حكم الله بين عباده .... وتُملأ بالعدل المنير الجوانب
وتذهب عورات وعُرْي وعسرة .... كما يذهب المحل المُشتَّ السحائبُ
ويحيا كتاب الله بعد مماته .... ويحيا بنا شرق وتحيا مغارب

وموضع هذا في سيرته عليه السلام، ولكن الشيء بالشيء يذكر.(1/32)


وفاته عليه السلام
توفي ولي المؤمنين وإمامهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لإحدى وعشرين ليلة من شهر رمضان، بعد أن ضربه أشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله يوم الجمعة ثامن عشر شهر رمضان، لأربعين من الهجرة.
قبره: في المشهد المقدس بالكوفة.
عمره: كعمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثلاث وستون سنة، قال عبد المجيد بن عبدون في بسامته:
وأجزرت سيفَ أشقاها أبا حسن .... وأمكنت من حسين راحتي شمر
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة .... فدت علياً بمن شاءت من البشر

وقال ابن الوزير:
أبرا إلى الله من عمرو وصاحبه .... والأشعري ومروان ومن بسر
ومن موارقَ جاءت بالبوائق من .... بين الخلائق وانقادت لكل جري

إلى قوله:
ومن نواصب ضلت في عقائدها .... وما استقامت لمأثور ولا أثر
عادت علياً وعادت بعده حسناً .... ثم الحسين لضغن في النفوس غرِ(1/33)


أخبار في فضائل العترة عليهم السلام ووجوب التمسك بهم
الزلف:
14- وبَلَّغَ ما أَوْحَى إليه إلهُهُ .... بأنَّ ذَوِي القُربى أمانٌ فتابِعُوا
15- ولايتُهُم فَرْضٌ مِنْ الله لازمٌ .... نجومُ سماءٍ في الأنام طوالعُ
التحف:
مما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهره لأمته على لسان وصيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قوله: ((أيها الناس اعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السّلْم، فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم المرسلين، حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
ولقد كشف الله ما ينالونه من جفاء الأمة، وميل الخلق عنهم إلا من تداركته العصمة، ولقد أراه مصارعهم، وتوثب الجبابرة على منبره من بني أمية الطاغية، حتى عدهم في بعض مواقفه صلى الله عليه وآله وسلم واحداً واحداً.(1/34)


وقال لأمته صلوات الله عليه وآله وسلامه لما رجع من سفر له وهو متغير اللون: ((أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وأرومتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإني انتظرهما، ألا وإني أسألكم يوم القيامة في ذلك عند الحوض، ألا وإنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة: راية سوداء فتقف، فأقول: من أنتم؟ فينسون ذكري، فيقولون: نحن أهل التوحيد من العرب، فأقول: أنا محمد نبي العرب والعجم، فيقولون: نحن من أمتك، فأقول: كيف خلفتموني في عترتي، وكتاب ربي؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعنا، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم، فأولي وجهي عنهم، فيصدرون عطاشاً قد اسودت وجوههم، ثم ترد راية أخرى أشد سواداً من الأولى، فأقول لهم من أنتم؟ فيقولون كالقول الأول: نحن من أهل التوحيد، فإذا ذكرت اسمي، قالوا: نحن من أمتك، فأقول: كيف خلفتموني في الثقلين، كتاب الله وعترتي؟ فيقولون: أما الكتاب فخالفنا، وأما العترة فخذلنا، ومزقناهم كل ممزق، فأقول لهم: إليكم عني، فيصدرون عطاشاً مسودة وجوههم، ثم ترد علي راية أخرى تلمع نوراً، فأقول: من أنتم؟ فيقولون نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى، نحن أمة محمد، ونحن بقية أهل الحق، حملنا كتاب الله ربنا، فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، وأحببنا ذرية محمد، فنصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم، فأقول لهم: أبشروا فأنا نبيكم محمد، ولقد كنتم كما وصفتم، ثم أسقيهم من حوضي، فيصدرون رواء، ألا وإن جبريل أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء، ألا ولعنة الله على قاتله وخاذله أبد الدهر أبد الدهر)) انتهى الخبر النبوي الشريف، أخرجه الحاكم الجشمي رحمه الله تعالى في كتاب السفينة عن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، وله شواهد.(1/35)

7 / 101
ع
En
A+
A-