علي بن محمد بن أبي القاسم
ووالد الإمام صلاح السيد الإمام علي بن محمد كان من فضلاء أهل البيت، وإليه انتهى العلماء في زمانه، وله مؤلفات عدة منها: تفسير كبير زهاء ثمانية مجلدات، قال السيد الهادي بن إبراهيم الوزير عليهم السلام في كاشفة الغمة: لم يؤلف مثله لا قبله ولا بعده جمع كل غريبة واحتوى على كل مشكلة، ومنها: تجريد الكشاف ثلاثة مجلدات.
توفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وعمره ثمان وثمانون سنة.
وهو الذي جرى بينه وبين تلميذه السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير الجدال المشهور الحامل على تأليفه العواصم والقواصم المختصر منها الروض الباسم، وقد سبقت الإشارة إلى رجوع السيد الحافظ محمد بن إبراهيم، صح ذلك من رواية الإمام الشهير محمد بن عبدالله الوزير، وصاحب مطلع البدور، والحمد لله تعالى.
وقد عارض الإمامين الناصر بن محمد بن الناصر بن أحمد بن الإمام المطهر بن يحيى وتكنى بالمنصور وهو في أوان البلوغ، وأمه الشريفة مريم بنت علي بن صلاح، تمكن وأقبلت له الأيام وأسر الإمامين وغيرهما من ملوك زمانه، وتوفي الإمام صلاح في أسره، وأما الإمام المطهر فخرج من السجن بعد أن توسل بالقصيدة المشهورة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ماذا أقول وما آتي وما أذر .... في مدح من ضمنت مدحاً له السور
في مائة واثنين وثلاثين بيتاً، ثم انقلبت الدنيا على الناصر وأسره الإمام المطهر ومات في سجنه بكوكبان، فطلبت والدته الإمام أن يأذن لها بنقله إلى صنعاء، فأذن لها وولده المؤيد محمد بن الناصر قام بعده وقد أشار إلى ذلك صارم الدين في البسامة بقوله:
وقلد الأمر مَلْكاً من بني حسن .... ماض عزائمه من خيرة الخير
مؤيداً أيد الدين الحنيف به .... لواؤه خافق بالنصر والظفر
سل عنه أخبر به أنظر إليه تجد .... ملأ المسامع والأفواه والبصر
وليس يعلم ما يأتي الزمان به .... سوى عليم قديم الذات مقتدر(1/319)


قال في مآثر الأبرار: المراد به مولانا الخليفة الأفضل طراز العترة المكلل السيد الصدر الحلاحل العالم العامل، صاحب المناقب والفواضل والفضائل الذي سار خبر رفقه برعيته وعدله فيم مسير المثل السائر المؤيد بالعزيز القاهر محمد بن الناصر.
إلى قوله: ولد في عشر الخمسين وثمانمائة وتوفي في شعبان سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وإلى هنا انتهت البسامة ونعمت البسامة، لولا أنها لم تستكمل الأئمة المتقدمين.
وقد اعتذر صارم الدين عليه السلام عن ذلك، ولله صاحبها حيث يقول:
فهاك ما قلت في داع ومقتصدٍ .... ساع إلى طاعة الرحمن منشمر
قد باينوا كل ذي لهو وذي لعب .... بالفسق مشتهر للخمر معتصر
يدبر الأمر من مصر إلى عدن .... إلى العراقين بين الدن والوتر
إذا تهجد بالأسحار سادتنا .... بمنزل فيه الهاب لمنزجر
غناهم المطرب الشادي بنغمته .... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
طالوا علينا بدنياهم وخالقنا .... عطاؤه لم يكن فيها بمحتظر
فقل لمن شرعة الإسلام شرعته .... أي الفريقين قل لي أنت عنه بري
أجر النبي على إرشاد أمته .... حب القرابة فاغنم أفضل الأُجَرِ
الأبيات بتمامها رضوان الله على ناظمها، وقد تممها السيد العلامة داود بن الهادي بن أحمد بن المهدي بن الإمام عز الدين بن الحسن عليهم السلام بذكر سبعة أئمة قال فيها:
لله درك من علامة عَلمٍ .... أزرى نظامك بالياقوت والدرر
إلى قوله:
دعا الإمام الذي شاعت فضائله .... بين الخلائق من بدو ومن حضر
خليفة من بني الزهراء فاطمة .... بحر العلوم سديد الرأي والنظر
نعته في أرض صنعاء ملائكة .... حين الوفاة بمدح فيه مشتهر
كفى بذلك فخراً في الأنام له .... بمثله ما روى الراوون في السير
هو الذي شرع الداعي بحيهلا .... إلى الطعام مع الآصال والبكر
وسنذكر عند كل إمام ما قال فيه.(1/320)


الإمام عز الدين بن الحسن
الزلف:
59- ووالدنَا من أنبأتْ بوفاتهِ .... ملائكةٌ سُكَّت بذاكَ المسامعُ
التحف:
اسم الإشارة في المصراع الأخير قائم مقام الضمير الذي مرجعه ما تقدمه معنى، وهذا من مخالفة الظاهر، ولا يخفا وجهه.
هذا وقد تضمن البيت ذكر:
الإمام المؤتمن، مجدد دين الله في أرض اليمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد عليهم السلام.
نهض بما استودعه الله من السر المخزون، والعلم المكنون، تاسع يوم من شوال سنة ثمانين وثمانمائة، وولادته في مثل هذا التاريخ، وقد اتفق مثله لجده الإمام علي بن المؤيد.
وهو المجدد في التسع المائة، ومكن الله بسطته حتى نفذت أحكام الإمامة في مكة المشرفة وما والاها من بعد أرض اليمن، وتسارعت إلى إجابة دعوته، وإقامة حجته العلماء، وأيده الله بنصره.
قبضه الله يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رجب سنة تسعمائة، عن خمس وخمسين، وكان يسمع وقت وفاته رحم الله الإمام المؤتمن، المحيي لما مات من الفرائض والسنن، أبا الحسن عز الدين بن الحسن، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص.
ورثاه الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين بن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى بترثية أرسل بها من صنعاء إلى الإمام الناصر الحسن بن عز الدين صدرها، وقد ذكر النداء الذي سمعوه:
هل الوجد إلا دون ما أنت واجده .... وما الخلق إلا دون من أنت فاقده
مصاب على الإسلام مر مذاقه .... وأنحت على الدين الحنيف شدائده
ومنها:
وباكٍ بدمعٍ كالحياء فسحبه .... خفوق وترجيف الفؤاد رواعده
إلى أن قال:
فيا لك من خطب عظيم وحادث .... جسيم يسوء العالمين موارده
نعاه إلينا قبل يوم وقوعه .... بسبع إله الخلق والسمع شاهده
تداعينه عمن سواه ومن يك .... به الله أنبأ فهو جم محامده
أبا حسن قد كنت للخلق هادياً .... إلى الحق مهدياً عظيماً فوائده
فمن ذا الذي نرجوه بعدك للورى .... إماماً فننحوا نحوه ونراوده
ومن لأسود الحق يجمع شملها .... إذا ما ترامت للضلال أساوده(1/321)


ومنها:
ومن لعلوم كنت فيها مبرِزاً .... تُجرِد ما قد أعجز الناس غامده
ومنها:
ومن لكتاب الله يحيي به الدجى .... وكيف بمحراب خلا أنت عابده
ومنها:
فقد فاق بطن الأرض والله ظهرها .... به إذ ثواه واحد العصر ماجده
..إلى آخرها، وهي طويلة طائلة، وبعدها عزاء الإمام الحسن منه، والله المسئول أن يأسو هذه الرزية، ويجبر هذه القضية، لمولانا المقام الأفخم المرجو للعناية بالقيام بالأمر الأعظم، وربما قد حقق السيدان - أراد بهما الإمام محمد بن علي السراجي، والمرتضى بن قاسم - لمولانا بما اتفق من الكرامة لمولانا أمير المؤمنين.
وأكرم الله هذا الإمام بكرامات، منها: ما هو مشاهد الآن في مشهده المبارك بهجرة فلله، وهي الرائحة التي ظهرت من تابوته، مثل ما في مشهد الإمام يحيى بن الحسين عليهم السلام.
وكان له عليه السلام مناد ينادي بالناس إلى الطعام في أوقاته كل يوم على الدوام.
أولاده: الحسن، والحسين، وأحمد، والمهدي، وعبدالله، وصلاح، ولا عقب لعبدالله، وصلاح.
وكان من أنصار الإمام عز الدين أخوه السيد الباسل المجاهد صلاح الدين صلاح بن الحسن، وهو جد السيد العالم المبرز محمد بن عز الدين المفتي، صاحب الحاشية على الكافية، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، وهو المفتي الكبير، قبره في الصرحة التي ما بين قبة الإمام الهادي وقبة الشريفة، والمفتي الصغير حفيده السيد العلامة الضارب في فنون العلم بقداحه وسهامه، محمد بن عز الدين بن محمد بن عز الدين المتوفى عام خمسين وألف، وهو صاحب الشرح على تكملة الأحكام، والبدر الساري في الكلام.(1/322)


وقد استشكل بعض الأصحاب عبارته في مسألة الرؤية، وليس فيها ما يوجب التشبيه، وهي منزلة على قواعد التنزيه، وإنما أراد الرؤية وحملها على الانتظار، وقد صرح بهذا المعنى، والواجب التثبت وإجالة النظر في موارد الكلام، على أنه إنما حكى كلام الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم:
فكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفته من الفهم السقيم
نسأل الله التوفيق في القول والعمل.
ومن عمال الإمام صنوه الأكبر شمس الدين أحمد بن الحسن، قال الزحيف رحمه الله: وهو الخطيب في مدته أيضاً، في السفر والحضر، ولم يقرع المنابر مثله في الخطابة والبراعة.
قال: وصنوه العلامة صارم الدين داود بن الحسن الحاكم في الهجرة المقدسة وغيرها، انتهى.
ومن مؤلفات الإمام عز الدين: كتاب المعراج شرح منهاج القرشي، وشرح على البحر الزخار بلغ فيه إلى كتاب الحج، قبضه الله قبل تمامه، وله مختصر في علم النحو، ومنظومة فيه، كتاب الغاية التامة بتحقيق مسائل الإمامة، وله في الفتاوى مجلد بالغ رتبه على أبواب الفقه بعض أولاده، وله كتاب في الرسائل والجوابات، وله كنز الرشاد، وله ديوان شعر.
وتوفي في أيامه والده السيد الأجل شيخ أهل البيت الحسن بن الإمام عليه السلام، وقد بلغ من العمر سبعاً وثمانين سنة، ولم يتوف إلا وقد رأى من أولاده سبعة وثلاثين سيداً، قال الإمام عز الدين بن الحسن في ترثيته له عليهما السلام في سياق فضائله:(1/323)

64 / 101
ع
En
A+
A-