فإن المصطفى أعفى قريشاً .... وأطلقهم وقد كرهوا مقامه
هم عن داره أقصوه ظلماً .... وراموا يوم فارقهم حمامه
فلم يهلك قرابته ولكن .... أراهم من طلاقته ابتسامه
وأخت النضر وافته بشعر .... فرق لها وأنطقها كلامه
وفي الشيما حديث مستفيض .... عفا والموت أقرب من ثمامه
فإن السيد المهدي منكم .... بمنزلة تحق له الفخامه
ألم يك جدك المهدي خالاً .... له وكفى بذلك في الرحامه
سألتك أن تبرد منه ساقاً .... نحيفاً قيده أوهى عظامه
وأوسعه نوالاً وابتذالاً .... وروِّ بجودك الهامي أوامه
فإني والحديثُ له شجون .... وليس تليق في الدين الحشامه
نصيحة وامق خدن شفيق .... محب ليس يحتاج القسامه
أخاف إذا استمر القيد فيه .... تجيء مقيداً يوم القيامه
فيسألك الإله بأي ذنب .... تقيده وتحبسه ظلامه
فإن من الظلمة منعه من .... تمكُّنه الصلاة المستدامه
ففك القيد عنه كي يصلي .... بأركان يدير لهن قامه
وأغلق دونه باباً حفيظاً .... وكله إلى الحفاظة والرسامه
وهاك قصيدة غراء تحكي .... إذا جئت الغضا ولك السلامه
وقد كتب إليَّ الولد العلامة الأديب محمد بن أحمد الكبسي قصيدة على هذا الوزن، صدرها:
دعا ذكر النداما والمدامه .... وإذكاء الغرام بريم رامه
وحيوا حجة الإسلام حقاً .... ونبراس الفضائل والعلامه
وبدر الآل من أحيا هداهم .... وفذاً في بني الحسنين شامه
والقصيدة بتمامها في ديوان الحكمة ص 109.
ثم أطلق من الحبس سنة إحدى وثمانمائة، توفي بالطاعون الكبير في صفر سنة أربعين وثمانمائة عقيب موت علي بن صلاح بدون شهر، مشهده بظفير حجة عمره خمس وستون سنة.
ومن كراماته عليه السلام: أنه وضع يده الشريفة على صبي قد بلغ الحلم وهو أخرس لا يتكلم، ثم تلا عليه، ثم قال له: قل لا إله إلا الله، فنطق بها الصبي مفصحاً حتى سمعه أهل الجمع.
ومن مؤلفاته: كتاب البحر الزخار، انتزعه من الانتصار للإمام، والبحر الزخار يشتمل هو ومقدماته على جل علوم الاجتهاد.(1/303)


ومنها: كتاب معيار العقول وشرحه منهاج الوصول في الأصول، وكتاب رياضة الأفهام في علم اللطيف، وشرحه دامغ الأوهام، وكتاب الغايات، وله المكلل شرح المفصل، نحوي وصرفي، ومتن الأزهار وشرحه الغيث المدرار أربعة مجلدات في الفقه، وفي السنة: الأنوار الناصة على مسائل الأزهار، والقمر النوار، وفي الفرائض: القاموس، والفائض، وفي أصول الدين: نكت الفرائد، وكتاب القلائد، والملل والنحل، وشرحه المنية والأمل، وفي النحو أيضاً: الكوكب الزاهر، شرح مقدمة طاهر، والشافية شرح الكافية، وتاج علوم الأدب، وإكليل التاج، وفي علم الطريقة: التكملة، وفي السير: الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر، وشرحها يواقيت السير، وغير ذلك.(1/304)


ويوجد في مؤلفاته الكلامية اختيار أقوال للمعتزلة لا توجب التضليل، والذي يظهر أن الإمام وغيره من أهل ذلك العصر تأولوا كلام المعتزلة وحملوه على أحسن المحامل، فلما صح لهم ذلك جعلوا تلك الأقوال لهم، على أنه يخطئهم في مسائل عدة، فأما الإمام فلا يحتاج كلامه إلى تأويل، لأنه مصرح بأن ليس المراد مثلاً بثبوت ذوات العالم في الأزل إلا تعلق العلم بها والحكم عليها، ونحو ذلك، فلم يبق إلا الخطأ في العبارة، لكن يقال: إن لم يكن مقصودهم إلا ذلك فلم لا يقولون هي ثابتة في القدم، فما بال الفرق بين الأزل والقدم، لأن الله سبحانه وتعالى عالم بما كان وما يكون، ومالم يكن لو كان كيف كان يكون، وعلم الله لا يقتضي التخيل والتصور: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ? [الشورى:11]، فإن كان قصدهم بالثبوت هو صحة العلم بها ونحوها - وقد صرحوا بأنها غير ثابتة في القدم - فإذاً مقتضى كلامهم أن الله لا يصح أن يعلمها في القدم، ولا يصح أن يحكم عليها، وهل هذه إلا جهالة لا محالة، فإن قالوا: إنما أردنا أنه لا يعلمها في القدم، أي لا يعملها كائنة أو موجودة على معنى قوله تعالى: ?وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ? [آل عمران:142]، أي مجاهدين، لأنه لم يكن قد وقع منهم جهاد، وإنما هو متوقع، أفاد ذلك (لمَّا)، قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام في المسترشد في بحث صفات الأفعال، وقد كان سبحانه وجل عن كل شأن شأنه، ولما يفعل الجود والرحمة، والعفو والإحسان والنعمة، ثم فعلها، فأتى الإمام بلما حيث كانت هذه الأفعال من الله متوقعات، وأما أنهم سيجاهدون أو لا يجاهدون فهو يعلمه كذلك جل وعلا.
قلنا: فعلى هذا أما في الأزل فقد علمها كائنة موجودة، فإن قالوا: إنما قلنا: بأنها ثابتة في الأزل دون القدم تحاشياً ودفعاً للإيهام.
قلنا: فقد وقعتم فيما هو أشد، وكنتم كما قال:(1/305)


وكنت كالآوي إلى مثعب .... موائلاً من سَبَل الراعد
والذي تقرر أن أصل هذا كله تشكيك الفلاسفة في التعلق، وأنه محال تعلق العلم والقدرة بالمعلوم، فأما هم فمثلوا السور وبنوا على هذا قدم العالم، وأما المعتزلة أعني جمهورهم، فقالوا: بل ذوات العالم ثابتة في الأزل ليصح تعلق العلم بها، وليست بموجودة ولا أعيانها، واصطلحوا على حقائق للذوات والأعيان والثبوت والوجود، وغير ذلك مما هو مشروح في علم الكلام، هذا هو الذي أداهم إلى المناقضات، والقول الطويل العريض في الذوات والصفات.(1/306)


نعم، أما تشكيك الفلاسفة قطع الله دابرهم في التعلق، فالجواب الحاسم هو ما نشاهده من الحوادث اليومية بالعِيان، وندركه بالوجدان، فلم تحتج في التعلق إلى الوجود في القدم، وثبت أنهم - في نظرهم - أضل من النعم، وقد تبين بالأدلة القاطعة إحداث العالمين، وإخراجهم من العدم المحض إلى الوجود المحقق اليقين، وقد اضطرتهم حتى عدلوا إلى إثبات العلل، وتأثير الإيجاب، وقد ردَّ الله جل جلاله عليهم بقوله تعالى: ?مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا? [الكهف:51]، ومما نقض عليهم به في استدلالهم على ثبوت الذوات بالعلم، أنا نعلم بالنفي، كنفي الشريك، والمحال، ونحو ذلك مما لا يثبت، وأجيب بأجوبة ركيكة ليس هذا محلها، وهذه الفروق والاصطلاحات مما لا يعلم في الوضع اللغوي ولا الشرعي، سواء كان الوضع توقيفاً أو غيره، وكذلك خوضهم وتطرقهم بالأوهام في الأمور التي ضربت دونها حجب الغيوب، وتقحمهم في السدد التي حارت عندها الأفهام، وإن كان قد تؤول لهم بأنها عندهم أمور اعتبارية، واصطلاحات سابرية، ليست بأكثر من التعبير، لكن يقال: فما لهم والتضليل والتخطئة لبعضهم بعضاً، بسبب هذه الخيالات وما بالهم والتوسط بين الفلاسفة والأئمة، وهم يزعمون أن علمهم مأخوذ من علم أهل البيت، وأنهم أخذوا قواعد العدل والتوحيد عن وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا شك أنهم كذلك أخذوها عنه، ولكنهم أحدثوا في ذلك ما لم يكن منه، أيظنون أنه خفي على حجج الله من أهل بيت النبوة ما أثبته الفلاسفة الحائرون من الخيالات الخارجة عن حدود العقول، التي قطعوا فيها أعمارهم، فلم يقفوا منها والله على محصول، بل أوردتهم بضعف إدراكهم موارد الإشراك، وقادتهم بحيرتهم إلى مهامه الهلاك، فسبحان من باين خلقه بصفاته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً، ولنعد إلى ما نحن فيه، فهذه مفاوز تخرج إلى أودية التيه.
وللإمام المهدي عليه السلام في باب المنظوم مجال رَحْب، ومقال عَذْب، من ذلك قصيدته المسماة الزهرة الزاهرة ضمنها تعداد الأنبياء صلوات الله عليهم مطلعها:
أمن نكبات الدهر قلبك آمن .... ومن روعات فيه روعك ساكن
وهي نحو مائة بيت.(1/307)

61 / 101
ع
En
A+
A-