وقال السيد صارم الدين في البسامة:
وشيبتا الحمد شيخانا له نصرا .... وفرقاً همماً في الضم للبشر
توفي الأمير شمس الدين سنة ست وستمائة عن تسع وسبعين سنة، وتوفي الأمير بدر الدين سنة أربع عشرة وستمائة، وعمره خمس وثمانون، مشهدهما بهجرة قطابر يماني مسجد نيد الصباح، الأمير بدر الدين الشامي، يليه الأمير شمس الدين، يليه الأمير علي بن الحسين عليهم السلام. قال الإمام المنصور بالله حين توفي الأمير شمس الدين عليهما السلام:
عهدنا مغيب الشمس بالغرب دائماً .... فغابت ضحى شاميةً في قطابر
وفيه الإستخدام البديعي ؛ لأنه أطلق الشمس أولاً وأراد الحقيقة، وأعاد الضمير إليها في قوله: فغابت باعتبار المسمى.
هذا، والإمام المنصور بالله مجدد الست المائة، ولقد جدد فيها الإيمان، وأقام الله به واضح البرهان، وما هو إلا من الآيات النيرات، والحجج البينات الباهرات.(1/273)
الإمام الداعي يحيى بن المحسن
الزلف:
48- ويَحيى الإمامُ بنُ المُحسنِ ثُمَّ مَنْ .... بِذِيبينَ مقتولاً فما فازَ خادِعُ
49- فَيَا أحمدُ المهديُّ من آلِ هاشمٍ .... خَصِيمُكَ عن رضوانَ مولاهُ شاسعُ
التحف: في هذا إمامان:
الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن بن محفوظ بن محمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن الناصر بن الإمام الهادي إلى الحق عليهم السلام.
دعا بعد وفاة الإمام المنصور بالله عليه السلام في شهر صفر سنة أربع عشرة وستمائة، وكان بمحل من البلاغة والعلم، قال الإمام المنصور بالله: مع الداعي علم أربعة أئمة.
وقال في رسالة: مع الداعي علوم لا يحتاج إليها الإمام. وقال: ما نعلم في دار الإسلام أعلم من فلان يعني الإمام يحيى.
ومن مؤلفاته: كتاب المُقنع في أصول الفقه، وهو من أمهات كتب أهل البيت. قال السيد الإمام الحسين بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - المتوفى سنة ألف وخمسين عن إحدى وخمسين - في (هداية العقول شرح غاية السؤول): وكانت كتب أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رضي الله عنهم إما مطولة كـ(المجزي) و(الحاوي) و(المقنع)، وغيرها من الكتب التي منها مبدأ المباحث وإليها المرجع، قد جمعت فأوعت، وعمت فأغنت، فهي كأسمائها مجزية للناظر بعين البصيرة، ومقنعة لمحققها، لاطلاعه فيها على الفوائد الكثيرة، حاوية لما لا يكاد يوجد في غيرها من الكتب الشهيرة، من الأدلة والشبه، والأسئلة والأجوبة، انتهى.
وكلامه هذا في بيان الحامل له على تأليف الغاية وشرحها، وذكر أنها قد تقاصرت الهمم عن بلوغ هذه الكتب، فالمجزي للإمام أبي طالب، والحاوي للإمام يحيى بن حمزة، والمقنع هذا الذي ذكرناه.
توفي في شهر رجب سنة ست وثلاثين وستمائة. مشهده بساقين من بلاد خولن.(1/274)
أولاده: يحيى، ومحسن، وعلي، وأحمد، وإليه ينتسب السادة الكرام الأعلام آل الشامي، وآل الأخفش، انتقل جدهم الحسن بن محمد، وأخوه الهادي من هجرة مَدَرَان من هجر آل يحيى بن يحيى سادات الجبال بنواحي هجرة قطابر شامي صعدة في القرن العاشر إلى مسور خولان العالية، وهم بصنعاء ونواحي اليمن من أشهر البيوتات اليحيوية، وقبر الحسن بن محمد في هجرة البياض مسور خولان العالية مشهور مزور.
وسيأتي نسبهم في ذكر الإمام علي بن الحسين الشامي في أواخر الكتاب.
وإلى محمد بن المحسن أخي الإمام يحيى ينتسب السادة آل حطبة.(1/275)
الإمام المهدي أحمد بن الحسين
والإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبدالله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام.
كان كثيير الشبه بجده صلى الله عليه وآله وسلم خَلْقَاً وخُلُقاً.
دعا إلى الله سنة ست وأربعين وستمائة، ونكث بيعته البغاة الأشقياء، ودوخ الأقطار، وأظهر أعلام جده المختار صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل الحرمان الشريفان تحت أحكامه الإمامية، وأطاعه كافة بني الحسن والحسين، بالحجاز والمدينة، وبلغت دعوته جيلان وديلمان، ونواحي العراق، ولم يبق في اليمن عالم من علماء أهل البيت وشيعتهم إلا دخل في ولايته، وامتثل لإمامته، منهم: الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، وعالم العترة المطهرة علي بن الحسين صاحب اللمع، والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، وأخوه الأمير الحسين عليهم السلام.
وحكى السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي أن الإمام وصل مأرب ولديه من الخلق ما لا ينضبط، ومن الفرسان زهاء ألف فارس وأربعمائة.
بعض ما قيل فيه وشيء من كراماته
قال في مآثر الأبرار: إنه حج الفقيه سعيد فسمع رجلاً في الحرم يتلو القرآن، فقال لصاحب اليمن: إنه يقوم في هذه السنة عندكم إمام من أرض همدان، فإن تكنى في أول كتابه بالمهدي فهو المهدي الذي وعد الله الناس به، انتهى باختصار.
وحكي أنه وجد في كتاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المهدي: يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابني هذا، وأشار إلى الحسين.
وفي شمس الأخبار أنه: أقنى الأنف، أجلى الجبهة، يملك سبع سنين أو تسعاً، وهذه من صفاته عليه السلام، وهذا يدل على أنه مبشر به، وليس بالمهدي الموعود به كما لا يخفى.
ومن كراماته: أنه مسح على رَجُل من صعدة اسمه التنين له قدر خمسين سنة يمشي على يديه ورجليه فعاد سوياً، قال في ذلك أحمد بن المنصور بالله أبياتاً منها:
أشاء على الإسلام نورك وانطفا .... بوجهك ليل الهم وانصدع الفجر
وقد علمت آل النبي محمد .... بأنك أنت الفلك إما طغى البحر(1/276)
ومنها:
ولا عجبٌ أن زادك الله حجة .... سماوية ما بعدها للورى عذر
رآك لها أهلاً فزدت تواضعاً .... فزادك تكبيراً به من له الكبر
وقال الشاعر البليغ قاسم بن علي بن هتيمل التهامي في القصيدة الرائعة:
إذا جئت الغضا ولك السلامة .... فطارح بالتحية ريم رامه
إلى قوله:
إلى المهدي أحمد أرقلت بي .... براق العدو تحبسها نعامه
إلى من لو وَزَنْتَ الخلقَ طراً .... بظفر منه ما وزنوا قلامه
شبيه سميه خُلقاً وخَلقاً .... وهدياً في الطريقة واستقامه
تواضع عن لباس التاج زهداً .... فصار التاج من خدم العمامه
ومنها:
أبعد قضية التنين يعصي .... من الثقلين مأموم إمامه
إلى قوله:
وما عُرفَ المسيح بغير هذا .... أمعجزة النبوة في الإمامة
وقد نسج على منوالها السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير في قصيدةٍ يستعطف بها علي بن صلاح على الإمام المهدي صدرها:
وهاك قصيدة غراء تحكي .... إذا جئت الغضا ولك السلامة
ودعا على صخرة كان بها نفع عظيم لبعض البغاة، فسمع لها هدة كالزلزلة فصارت كالرماد، قال بعض العلماء:
أومى إلى هَضْب الكَميم بطرفه .... فتبددت أحجاره تبديداً
قلت: وهذه الآيات التي يظهرها الله للأئمة من تمام معجزات جدهم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنهم داعون إلى دينه، وباذلون أنفسهم في تبيينه، ولا يجحدها إلا محروم مخذول.(1/277)