أولاده: الأمير الناصر محمد قام محتسباً، وكان له من رباطة الجأش وثبات القلب عند منازلة الأقران، ومجاولة الفرسان ما هو خليق بمثله، وكان فصيحاً بليغاً مفلقاً، وأخذ في الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله حتى توفاه الله سنة ثلاث وعشرين وستمائة، بعد أن توسل إلى الله إن كان قد قبل عمله أن يقبض روحه، عمره اثنان وثلاثون عاماً.
وله القصيدة الرائعة في تعداد بني إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما:
سما لك شوق من حبيبك منصب .... وهمٌّ إذا جن الدجى متأوب
ومن عجب أن لا يهيج لك الأسى .... ديار تعفيها شمال وهيدب
وإني لتعديني إلى العزم همة .... وقلب على جمر الغضب يتقلب
أنا ابن الذي سن القرى والذي به .... لعدنان فرع لا يعاب ومنصب
عجبت لمغرور يكلف قومه .... مفاخر عدنان إلى أين يذهب
أبونا الذي لم تعرف الخيل غيره .... ولم يك شيخ قبله الخيل يركب
وأورثنا حسن البيان ولم يكن .... من الناس من قبل ابن هاجر يعرب
ذوو المجد أبناء الذبيح محلهم .... محل الثريا حين تسمو فتشهب
وهم ملأوا حزن البلاد وسهلها .... وضاق بهم شرق وشام ومغرب
وهم نزلوا في آل إسحاق منزلاً .... وقحطان لولاهم أقل وأخيب
مفاخر نالتها نزار ولم يكن .... ليبلغ أدناها الكلاع ويحصب
ومنها:
كنانة صفو الصفو والخيرة التي .... تخير منها للنبوة منقب
ومنهم رسول الله طابت أرومة .... أقر لها من أحمد الأم والأب
قريش همو قوم الرسول توارثوا .... خلافته نعم المواريث تكسب
فأكرم بقوم ينزل الوحي فيهموا .... كريم إلى أبياتهم يتصوب
لهم من بني إسحاق إرث نبوة .... بمكةٍ والبيت العتيق المحجب
إذا افتخروا عدّوا علياً وجعفراً .... وحمزة منهمْ ليث غاب مجرب
وآمنة الغراء أم محمد .... وفاطمة الزهراء منهم وزينب
ومنها:
وسبطا النبي الطاهران اللذا هما .... هلالان في ظلماء تخبوا وتذهب
ومنهم علي بن الحسين ومنهمو .... بنوه وقول الحق أولى وأوجب
ويحيى بن زيد والحسين وعمه .... هم القوم أزكى حيث كانوا وأطيب
وزيد وعبدالله منهم وقاسم .... أخو الرس والهادي الإمام المقرب
وحمزة ذو الحدين منهم ومنهمو .... أبونا الذي يسموا إليه التنسب
لنا حسب عود منيع تلاعه .... تضاءل فيه منصب رضوا وكوكب(1/268)
ومنها:
ومنا ابن مسعود أخو العلم والتقى .... ومنا أبو ذر الغفاري جندب
وهاشم المرقال منا بن عتبة .... وعكاشة فيمن أعد وأحسب
فتلك نزار الأكرمون أرومة .... وإني لأسلافي لأرضى وأغضب
ونحن رددنا ملك حمير بعدما .... تواكله روم وخزر وصقلب
وسرنا بذي الأدغال في الغرب سيرة .... لنا كلكل فيها مناخ ومنكب
ونحن نصرنا ذا المنار بجمعنا .... وكان لنا في مرأب الصدع مرأب
دعانا فلم ننكل وقد تل عرشه .... وأيقن لولا نحن أن سوف يغلب
ومنها:
محاسن من أبناء عدنان حلقت .... بها من بنات الدهر عنقاء مغرب
وأبقت لهم منها محاسن لم تكن .... لغيرهم والقول بالحق أوجب
وآثارهم مشهورة شهدت بها .... مناسكهم عند الحجون ويثرب
مفاخرنا لوها ولم يك نالها .... رعين ولم يبلغ مداهن حوشب
لقد قلت قولاً لم يكن بكريمة .... علي وجوه في ملام تقطب
مهذبة غراء بكر ولم تزل .... تطالع مما قلت بكر وثيب
وما ضرها إن كان في الترب ثاوياً .... زهير وآوى جرول والمسيب
وهذا آخر بيت وهي تنيف على مائة وثمانين بيتاً، أوردها في كنز الأنساب، ومجمع الآداب لمحمد بن إبراهيم الحقيل رئيس محكمة الخرج سابقاً، قال: نتحف القراء بقصيدة فريدة من نوعها في نسب بني إسماعيل، قالها محمد بن الإمام عبدالله المنصور بن حمزة من أئمة اليمن..إلخ.
ومال إلى جنابه كثير من العلماء، منهم: الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي، صاحب الحدائق الوردية، ومحاسن الأزهار، والعمدة والوسيط، وغيرها، وجرت له كرامة عظمى، وهي: أن رأسه أذن بعد قطعه في الجيش، قال الإمام شرف الدين عليه السلام:
وبعد القطع قد شهدت عداه .... بأن الرأس أذن في الجنود(1/269)
توفي سنة اثنتين وخمسين وستمائة، قبره في قرية رحبة من بلاد السود، جبل عيال يزيد.
والحسين، وحمزة، وإدريس، والفضل درجوا جميعاً، والأمير المتوكل أحمد، وعلي، وإبراهيم، وسليمان، والحسن، وموسى، ويحيى، والقاسم، وجعفر، وعيسى، وداود.
من مؤلفاته: كتاب الشافي أربعة أجزاء أحاط فيه بأنواع العلوم وهو أعرف من أن يوصف، ومنها: الرسالة الناصحة، وشرحها، وكتاب المهذب، وحديثة الحكمة شرح الأربعين السيلقية، أودع فيها من علوم العربية ومعاني الألفاظ الشريفة ما بهر الألباب، وله كتاب صفوة الاختيار في أصول الفقه، وكتاب العقد الثمين في (تبيين أحكام الأئمة الهادين)، وكتاب التفسير، وكتاب الجوهرة الشفافة إلى العلماء كافة، والرسالة الكافية لأهل العقول الوافية، والرسالة الهادية، والدرة اليتيمة، والأجوبة الكافية، وكتاب عِقد الفواطم، وغيرها من المؤلفات الجليلة.
وله في الفصاحة الرائعة والبلاغة البارعة المقام الأرفع، والمكان الأعز الأمنع، وديوانه: مطلع الأنوار، ومشرَق الشموس والأقمار، وأعظم مواقعه في نشر معالم الدين على منهاج الأئمة الهادين، كقوله الذي رواه عنه الإمام عز الدين بن الحسن عليه السلام في المعراج وهو:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى .... وجدك لم أحفل متى قام عوَّدي
فمنهن خلط الخيل بالخيل ضحوة .... على عَجَل والبيض بالبيض ترتدي
ومنهن نشر الدين في كل بلدة .... إذا لم يقم بالدين كل مبلد
ومنهن تطهير البلاد عن الخنا .... ورحض أديم الأرض من كل مفسد
بذلك أوصاني أبي وبمثله .... أُوَصِّي بني أوحداً بعد أوحد(1/270)
والبيت الأول لطرفة بن العبد عد بعده خصاله الثلاث اللاتي لولاهن لما بالى بالحياة تركتها اختصاراً، وهن في معلقته ومحصولها: شرب الخمر، والكر على الخيل، والعكوف مع الحسناء، فعارضه الإمام بخصاله هذه، وكل ينفق مما عنده كما قال الوصي عليه السلام: قيمة كل امرء ما يحسنه، وكل إناء بالذي فيه ينضح، وحسبك أن الإمام عليه السلام لما وصلت قصيدته البائية بغداد أغلق الخليفة العباسي بابها ثلاثة أيام لانخلاع قلبه من الفزع، وعندهم ألوف من العساكر العظام، حسبوا أن الإمام في أثرها.
هذا، والجد الجامع لبني حمزة هو الأمير الشهيد حمزة بن الإمام النفس الزكية أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن، ويتفقون هم وأولاد الهادي في الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، قال في البسامة:
وفي ابن حمزة عبدالله حازمنا .... وخير داع دعا منا ومفتخر
جاءت بمعضلة نكداء رائعة .... وصاولت مَنْ غدا بالمكرمات حرى
وقادت العجم من أقصى ممالكها .... إليه تركض خيل البغي والبطر
فحاصرت كوكبانا وهو ساكنه .... وصنوه فارس الهيجاء في البكر
حتى قضى نحبه والسيف منصلت .... في كفه ومضى في معشر صبر
وكان للمال في كفيه أجنحة .... فإن يقع منه شيء فيهما يطر
وشيبتا الحمد..إلخ البيت المار.
وما رعى المشرقي الندب حرمته .... بعد العفيف عفيف الثوب والأزر(1/271)
الأميران شمس الدين وبدر الدين
وبايعه الإمامان الكريمان شيخا آل الرسول شيبتا الحمد: شمس الدين يحيى بن أحمد، وبدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق عليهم السلام، وقد كان حاول الإمام المنصور بالله أن ينهض أحدهما، وحثهما غاية الحث، من ذلك ما قال للأمير شمس الدين في قصيدة - وفيها الإقواء المعروف، وهو شائع في لسان فصحاء العرب، وحسبك بالإمام -، وهي:
يا ابن علي بن أبي طالب .... قم فانصر الحق على الباطل
فأنت لا أنطقها كاذباً .... عالم أهل البيت والعامل
ومنها:
وادع فعندي أنها دعوة .... كاملة في رجل كامل
ومن قصيدته فيهما:
لعا لشمس الهدى والبدر إنهما .... خير البرية منحص ومنهدم
شيخان من آل طه كلما نطقا .... تساقط الدر والأمثال والحكم
بحرا نوالٍ وعلمٍ كلما وهبا .... مواهباً خجلت من وقعها الديم
ليثا نزال وسيفا كل ملحمة .... مرهوبة وجباه الخيل تصطدم
يا يحيى يا ابن إمام الناس كلهم .... أنت الذي نوره تُجْلَى به الظلم
فأنت صفوة أهل البيت كلهم .... وصنوك الفاضل العلامة العلم
أنتم سنام بني الزهراء فاطمة .... والرأس إذ في بنيها الرأس والقدم
يبنون في المجد ما أسَّت أوائلهمْ .... ولا يصدهُم خوف ولا عدم
..إلى آخرها.(1/272)