وممن أخذ عن الإمام والقاضي: الشيخ الحافظ سليمان بن ناصر السحامي، صاحب: شمس الشريعة، والنظام، والروضة.
وممن أخذ عن القاضي شمس الدين جعفر: السيد الإمام حمزة بن سليمان والد الإمام المنصور بالله عليه السلام، والأمير القاسم بن غانم السليماني، والعالمان الأفضلان عبدالله ومحمد ابنا حمزة بن أبي النجم، وغيرهم كثير.
وممن أخذ عنه القاضي شمس الدين كُتبَ العارق الشيخُ الحافظ قطب الدين أحمد بن أبي الحسن الكني، المتوفى في عشر الستين وخمسمائة، وهو يروي عن أبي الفوارس توران شاة، عن علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد الكلاري صاحب الشرح المنتزع من شرح التحرير لأبي طالب، عن الشيخ علي خليل، عن القاضي يوسف بن الحسن الجيلي خطيب المؤيد بالله، عن أبي العباس، والمؤيد بالله، وأبي طالب عليهم السلام، وهذه إحدى الطرق إلى كتبهم وأسانيدهم.
ويروي الكني أيضاً عن زيد بن الحسن البيهقي بسنده، وشارك القاضي شمس الدين جعفراً في الرواية عن الكني الشريف الإمام أبو عبدالله الحسن بن عبيدالله بن محمد بن يحيى المعروف بالمهول من ولد الهادي إلى الحق عليه السلام، الذي يروي عنه الأمير بدر الدين محمد بن أحمد وغيره رضي الله عنهم، وقد ذكرنا طرقنا المتصلة بهم في أواخر التحف، وفي لوامع الأنوار، وفي الجامعة المهمة.
قال في البسامة:
وأحمد بن سليمانٍ فما رَضِيَت .... (يعلا) به وهو مرضي لدى البشر
دعا وكان إماماً سيداً علماً .... براً تقياً ومن كل العيوب بري
وصبَّحت خيلُه صنعاء مُعْلمة .... لما غدى النُكر فيها غير مستتر
وحاصرت حاتماً فيها عساكره .... فانقاد للحق بعد الضعف والخور
واجتاحه عند شيعان بملحمة .... ألف مضوا بين مأسور ومجتزر
وجعفر ثم إسحاقٌ له نصرا .... في عصبة وزرٍ ناهيك من وزر
وكم أجاب على غاو ومبتدع .... كمثل نشوان واليامي ذي النُّكُر(1/263)


أما قوله: واليامي ذي النكر، فقال الشرفي: عنى به قاضيَ الإسماعيلية، وعالمهم في زمانه، ومنجمهم وشاعرهم، محمد بن أحمد صاحب كتاب الصريح صنو حاتم بن أحمد.
وذكر في سيرة الإمام أحمد أن حاتماً لما كاتب الإمام يريد الدخول في طاعته لم يقبله الإمام لأمور قد عرفها منه، فرد حاتم بن أحمد كلاماً جافياً، وتمثل فيه بقول المتنبي:
كدعواك كل يدعي صحة العقل .... ومن ذا الذي يدري بما فيه من الجهل
فرد علي الإمام عليه السلام:
إذا كنت لا تدري بما فيك من جهل .... فذاك إذاً جهل مضاف إلى جهل
ولم انتحل ما ليس فيَّ وإنما .... مقالي حق قد يصدقه فعلي
ومن جهل الرحمن والرسل لم يكن .... بمعترف يوماً بحق بني الرسل
إلى قول الإمام:
بسم الله الرحمن الرحيم، حمدت من أنطق الفيلسوف بذكره وحمده، وإن كان مبطناً من ذلك بخلافه وضده ؛ لأنه سلك في مبتدأ كلامه طريقة محمودة، لو أتمها فذم الجفاء والمشاتمة، ثم عاد إليها.
..إلى قوله:
جرى ما جرى حتى إذا قيل سابقٌ .... تَلاَحَقَهُ عِرْقُ الحِرَان فبلدا
..إلى قوله: ولا لوم عليه فإنه مضى يوم دخلنا عليه صنعاء بعض لب فؤاده، ومضى بعضه يوم الشرزة، فبقي بلا لب إلا ما يتكلفه.
..إلى قوله: وما مثله هو وهم إلا مثل بعوضة لا يدري الإنسان إلا طنينها مع أذنه، فإذا طلبها لم يجدها، وقد بلغت مكروهه ومكروه غيره بمحمد الله تعالى:
إذا شئت أرغمت العدو ولم أبت .... أقلب فكري في وجوه المكائد
وقد هجانا أخوه الذي مات طريداً لنا فناب عنا بعض شيعتنا، فقال:
لو سار ألف مدجج ليحل في .... غمدان غير إمامنا لم يقدر
تلك الشجاعة لا شجاعة معشر .... مثل العجائر في ضلال المنظر
..إلى قوله: وإن أحسن المدح ما أقربه الضد لضده..إلى قوله: فقد شهد لنا بالإمامة، والوفاء والزعامة، وقال فينا:
رأيت إماماً لم ير الناس مثله .... أبر وأوفى للطريد المشرد
عفا ووفا حتى كأني عنده .... أخ أو حميم لست عنه بمبعد(1/264)


وقال أخوه أسعد في شعره:
مَلَكتَ فاسجِح منعماً يا ابن فاطم .... وشيِّد مباني هاشم ذي المكارم
وإن كنت قد بلغت عني مقالة .... فقد تبت يا مولاي توبة نادم
..إلى قوله عليه السلام: فلذتي في الدنيا قتاله وقتال أمثاله من أعداء الله تعالى، وقد نغَّصتُ عليه وعلى غيره من أهل الدنيا دنياهم في كل ناحية، ولي اليوم نيف وعشرون سنة، كلما فرغت من حرب قوم من الظالمين، قمت بحرب آخرين من أعداء رب العالمين، وإني لا أبرح كذلك حتى أموت.
..إلى قوله: فليعلم أن الداء الذي لا دواء له هو الموت، وأنا له كذلك إن شاء الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((نحن السم فمن شاء فليستم، ونحن الشم فمن شاء فليشتم))، وأنا له جاء ولضده دواء، فليعلم ذلك والسلام، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
قلت: وقد ظهر أنهم تابوا لما في رسالة بخط الأمير الحسين بن محمد ذكر أنها من رسائل الإمام أحمد بن سليمان أجاب بها على فليته، وقد اعترض عليه في الإستعانة بهمدان، فرد عليه بكلام قال فيه: فأما السلطان الأجل علي بن حاتم - فإنه مبائن للباطنية بالقول والفعل محارب لهم على ذلك هو وأبوه وجده، أما هو فحربه لهم مشهور ظاهر، وأما أبوه حاتم فكان يمقت الباطنية، ويتبرأ منهم..إلخ، وله شعر يقول فيه:
بريت من الذّئَيبِ ومن علي .... ومن ماذون همدانٍ بريتُ
مواذين عموا وغووا هداهم .... فإن شايعتهم فلقد عميت
ظموا ورويت من ماءٍ معين .... ولو أني صحبتهمُ ظميتُ
شقوا بخلافهم للدين حقاً .... وخالفت الغواة فما شقيت
ولو أني أشاء شهرت منهم .... فضائح لا تواريها البيوت
أأخشى الناس في ديني وأعصي .... كأني بعد ذلك لا أموت
وقومي مَذْكَرٌ وشبا حسامي .... لسان مثله لولا الصموت
فإن ترني وإياهم جميعاً .... فقل كيف التقى ضب وحوت
ولو وردوا الفرات لنجسوه .... ولم يك طاهراً حتى يموتوا(1/265)


الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة
الزلف:
47- ودعوةُ عبدالله عمَّ سَنَاؤُهَا .... هو القائمُ المنصورُ للعلمِ كارِعُ
التحف:
هو الإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل السلام.
دعا سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وجدد الله به الدين الحنيف، وفل بمواضيه أعضاد أهل الزيغ والتحريف.
من كراماته:
وأجرى الله له من الكرامات ما يبهر الألباب، وتخر مذعنة له الرقاب، منها: النور الذي أضاء حال دخول الإمام مدينة شبام، حتى ظنه بعضهم ضوء القمر، ثم ظهر له أنه آخر شهر. ومنها: أنه لما دخل ذمار تساقطت النشاب في أيديهم، وانكسرت في الهواء. ومنها: الراية الخضراء التي رأوها بين راياته، ومنها: ما رواه الفقيه حميد الشهيد رحمه الله، قال: أخبرنا السلطان الفاضل الحسن بن إسماعيل، قال: سمعت وأنا في داري في ظفار كلاماً في أول الليل بعد وفاة المنصور عليه السلام قبل أن نعلم بموته، وكرره قائله حتى حفظته، فسمعته يقول: أبا محمد أنت القمر الزاهر، وأنت الربيع الماطر، وأنت الأسد الخادر، وأنت البحر الزاخر، وأنت من القمر نوره وضياؤه، ومن الشمس حسنه وبهاؤه، ومن الأسد بأسه ومضاؤه. ثم أتى الخبر بعد ذلك بموته في كوكبان.
قال في الحدائق: ومنها: القصة المشهورة، وهي أن ورد سار لما تقدم إلى ناحية حوث في بعض أيامه، فأخرب دار الإمام عليه السلام، ثم عاد إلى صنعاء، فما تم الأسبوع حتى أنزل الله تبارك وتعالى سيلاً لم يعهد أهل هذه الأعصار مثله، وكان قد بنا في صنعاء قصراً شامخاً، وتأنق فيه وتعمق، فهدمه ذلك السيل، واستلب كثيراً من أمواله ونفائسه، ونجا بعد أن أشفى على الهلاك، إلى غير ذلك من الكرامات الجمة، وذكر مثل ذلك في مآثر الأبرار، وفي اللآلي المضيئة.(1/266)


ولم يزل خافضاً بحسامه وجوه المعتدين، رافعاً ببيانه فرائض رب العالمين، حتى قبضه الله إليه في المحرم سنة أربع عشرة وستمائة، عمره اثنتان وخمسون سنة وثمانية أشهر، واثنتان وعشرون ليلة. مشهده بظفار.
صفته عليه السلام: كان طويل القامة، تام الخلق، دري اللون، حديد البصر حدة مفرطة، أبلج، كث اللحية، كأنه قضيب فضة، قد غلب الشيب على عارضيه.
وقد أعلم به محمد بن أمير المؤمنين عليهم السلام في أبيات له، قال فيها:
ووديعة عندي لآل محمد .... أُودِعْتُها وجُعِلْتُ من أمنائها
ثم أشار إلى الوقت الذي قام فيه الإمام فقال:
وهناك يبدو عز آل محمد .... وقيامها بالنصر في أعدائها
ونقل من قصيدة قديمة ذكر صاحبها صفات الغز الذين جاهدهم الإمام عليه السلام، منها:
أهل فسق ولواطٍ ظاهر .... أهل تعذيب وضب بالخُشُب
يتركون الفرض والسنة لا .... يعرفون الله ليسوا بعرب
ينقلون المال من أرض سبأ .... نحو مصرٍ ودمشق وحلب
فإذا ما الناس ضاقوا منهمُ .... في بسيط الأرض طراً والحدب
ظهر القائم من أرض سبأ .... يمني السكن شامي النسب
اسمه باسم أبي الطهر النبي .... ذاك عبدالله كشاف الكرب
يملأ الأرضين عدلاً مثلما .... ملأت جوراً وهذا قد غلب
وفي الأسانيد اليحيوية للقاضي العلامة تقي الدين عبدالله بن محمد بن عبدالله بن أبي النجم، المتوفى سنة تسع وأربعين وستمائة: وبإسناده عن زيد بن علي أنه قال: نحن الموتورون، ونحن طلبة الدم، والنفس الزكية من ولد الحسن، والمنصور من ولد الحسن..إلى آخر الأثر، وهو في أحكام الإمام الهادي إلى الحق.
ووجدت في رسالة القاضي العلامة فخر الدين عبدالله بن زيد العنسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً فاطمة عليها السلام: ((فإن من ولدك الهادي، والمهدي، والمرتضى، والمنصور))، انتهى.
ومدة إمامته تسعة عشر عاماً، وتسعة أشهر وعشرون يوماً.(1/267)

53 / 101
ع
En
A+
A-