..إلى قوله: ومرادي فيما أحاوركم به استشعار تقوى الله، وابتغاء مرضاة الله، والتقرب إلى الله، والسعي في ذات الله، وبذل المهجة للجهاد في سبيل الله، وحمل الخلق على كتاب الله، وإحياء شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتأمين السبل الخائفة حيث أمر الله تعالى به من أمان عباده، وإخصاب بلاده، وإقامة حكم وإزالة ظلم، ثم إعزاز آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين جحدهم أكثر الأمة حقوقها، واستحلت عقوقها، واستباحت دماءها، فذا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أزيح عن منزلته الشريفة المنيفة، وغضبت فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدكاً، وسم الحسن عليه السلام سراً، وقتل الحسين جهراً، وصلب زيد بن علي عليه السلام بكناسة الكوفة، وقطع رأس يحيى بن زيد في المعركة، وخنق عبدالله بن الحسن بن الحسن في سجن الدوانيقي، وقتل ابناه النفس الزكية محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي، ومات موسى الكاظم بن جعفر الصادق في حبس هارون، وسم علي الرضى على يد المأمون، وسم إدريس بن عبدالله في السوس الأقصى، ومات عيسى بن زيد شريداً طريداً، شارك في قتلهم الأموي والعباسي، واجتمع عليهم العربي والعجمي، ووردوا المنية، وكرهوا الدنية، وصبروا على الرزية سليت نفسوهم عن الدنيا، واشتاقت نفوسهم إلى العقبى، وأيقنوا أن ما عند الله خير وأبقى.(1/243)


..إلى قوله: واعلموا رحمكم الله أن العرب خير الأمم بالإجماع، وقريش خير العرب الإجماع، وهاشم خير قريش بالإجماع، والعلويون خير قريش بالإجماع، والفاطميون خير العلويين بالإجماع، وبلغت الوسيلة، وتناهت الفضيلة، وأي شخص من هذه الرتبة السامية، والمنزلة العالية، والرفعة المتناهية، وكان صحيح البنية لطيف الفطنة، وسليم الفطرة، وجمع إلى طهارة المولد وزكي المحتد، وكريم المنشأ، ثم العلم الراجح، والعمل الصالح، ثم الشجاعة القاهرة، ثم السماحة الطاهرة، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم السيرة العادلة الرضية، والسنة الفاضلة السنية، فهم صاحب دهره وولي الناس في عصره.
عباد الله، إن السياسات أربع:
فسياسة تلزم الخاصة والعامة، ظاهرة وباطنة، ساخرة وكامنة، وهي سياسة الأنبياء الصديقين صلوات الله عليهم أجمعين.
وسياسة أئمة الحق دعاة الخلق عليهم السلام، فإنه يلزم ظاهره بالقول، وباطنه بالعقل، بعقد النية.
والسياسة الثانية: تلزم الخاصة والعامة، ظاهرة لا باطنة، وقولاً لا نية، وهي سياسة الملوك المتغلبين، فإن السلطان الجائر إذا ظهر عليهم شخصه من بغد قالوا: قد جاء لا جاء، فإذا توسطهم قالوا: خلد الله ملكك، وحرس عزك وسلطانك، فإذا فارقهم قالوا: مضى لا رده الله تعالى، وتمنوا أن يكون آخر عهد منهم به.
والسياسة الثالثة: تلزم الخاصة ظاهرة وباطنة دون العامة، وهذه سياسة الحكمة والعلوم والإتنباطية، والآراء النظرية والاجتهادية، فإنها لا حظ للعامة فيها، فإنها تدق عن أفهامهم.
والسياسة الرابعة: سياسة الوعاظ للعامة، وأصحاب الأفاهيم وأصحاب الكراسي، فإن سياستهم تملك العامة ظاهرة وباطنة دون الخاصة ألا ترى أن بكاءهم بعيونهم، وخشوعهم بقلوبهم.
أولاده: محمد، وحمزة.(1/244)


الأمير حمزة بن أبي هاشم
وهو الأمير الشهيد، قام محتسباً، وشهد بفضله الموالف والمخالف، قتل في بعض حروبه لبني الصليحي، وقد كان انهزم عنه جنوده، وثبت عنده تسعون شيخاً من همدان، وكان يقاتل عليه السلام، ويقول:
أطعن طعناً ثائراً غباره .... طعن غلام بعدت أنصاره
وانتزحت عن قومه دياره
وفيه يقول الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام:
أو ليس جدي حمزةٌ نعش الهدى .... بحسامه وبعزمه الوقاد
وقد قام بثأره الأمير المحسن بن الحسن عليهم السلام الآتي قريباً، وفي ذلك يقول الإمام الداعي يحيى بن المُحْسِن عليه السلام معاتباً لبني حمزة:
ألم ننقم بثأركمُ قديماً .... بحمزة حين أهلكه الزواحي
قتلنا عامراً فيه انتقاماً .... ومنصوراً بأطراف الرماح
وللأمير الشهيد كرامات مشهورة، وفاته: سنة تسع وخمسين وأربعمائة. قبره في بيت الجالد من أعمال أرحب.(1/245)


الإمام أبو الفتح الديلمي
والإمام أبو الفتح الديلمي الناصر بن الحسين بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قيامه: في الديلم سنة ثلاثين وأربعمائة، وكان من أعلام الأئمة.
وله: البرهان في تفسير القرآن أربعة أجزاء جمع أنواع العلوم، والرسالة المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة - أراد المطرفية -.
قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام: له التصانيف الواسعة، والعلوم الرائعة، منها: كتاب البرهان في علوم القرآن الذي جمع المحاسن والظرائف، واعترف ببراعة علم مصنفه المخالف والموالف، وله الرد العجيب على الفرقة المرتدة الطبيعية الغوية (المسماة بالمطرفية المسمى بالرسالة المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة..إلى قوله:)
ودعا إلى الله سبحانه في الديلم، ثم خرج إلى أرض اليمن، فاستولى على أكثر بلاد مذحج وهمدان وخولان، وانقادت له العرب، وحارب الجنود الظالمة من المتمردة والقرامطة.
وكان له من الفضل والمعرفة ما لم يكن لأحد من أهل عصره، ولم يزل قائماً بأمر الله سبحانه وتعالى حتى أتاه اليقين، وقد فاز بفضل الأئمة السابقين، توفي عليه السلام شهيداً سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة بردمان بأرض مذحج، انتهى.
استشهد الإمام في الوقعة المشهورة بينه وبين علي بن محمد الصليحي قائد الباطنية، وداعيتهم، واستشهد مع الإمام نيف وسبعون سلام الله ورضوانه عليهم، ويسمى موضع الوقعة هذه نجد الجاح من بلد رداع بعنس مذحج مخلاف خولان.
وقد قتل أيام علي بن محمد الصليحي هذا سنة (459هـ) الأمير الشهيد حمزة بن أبي هاشم المتقدم في ذكر والده كما هي القاعدة، وقد عجل الله سبحانه انتقام الصليحي آخر تلك السنة فقتله سعيد الأحول شر قتلة، قال الشاعر العثماني في ذلك مخاطباً لسعيد بن نجاح - ورأس الصليحي بين يديه -:(1/246)


يا سيف دولة دين آل محمد .... لا سيف دولة خيبر ويهودها
وافيت يوم السبت تقدم فتية .... تلقى الردى بنحورها وخدودها
ومنها:
صبراً فلم يك غير جولة مردودٍ .... حتى انطفت جمرات ذات وقودها
ورأيت أعداء الشريعة شرعاً .... صرعى وفوق الرمح رأس عميدها
أوردتها لهب الردى وصَدَرْت في .... ظلي مظلتها وخفق بنودها
يا غزوة لعلي بن محمد .... ما كان أشأم من صدى غِرِّيدها
بكرت مظلته عليه فلم ترح .... إلا على الملك الأجل سعيدها
ما كان أقبح شخصه في ظلها .... ما كان أحسن رأسه في عودها
سود الأراقم قاتلت أُسْد الشرى .... يا رحمتا لأسودها من سودها
وأراد مُلك الأرض قاطبة فلم .... يظفر بغير الباع من ملحودها
أضحى على خلاقها متعظماً .... جهلاً فألصق خده بصعيدها
وقد أشار بهذا البيت إلى ما جرى من أنه لما برز من قصره في سفره هذا صعد شاعره على موضع مرتفع، فقال:

إن علياً والإله اقتسما .... فاستويا القسمة ثم استهما
فلعلي الأرض والله السماء
ذكر هذا في مطلع البدور، وذكر في تاريخ عمارة أنه توجه بألفي فارس منهم مائة وستون من آل الصليحي، والملوك والسلاطين الذين أزال سلطانهم، وكانوا كما يقول الهمداني خمسين ملكاً وسلطاناً وبين يديه خمسمائة فرس مطهمة بالسروج المحلى بالذهب والفضة، وخمسون هجيناً وغير ذلك من الزينة والآلات مما لا يدخل تحت الحصر.(1/247)

49 / 101
ع
En
A+
A-