وقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أشد تصديقنا لحديثك وأقبلنا لنصحك..إلى أن قال: وبالغيب آمنا..إلخ.
وقد روي عن علي بن محمد الباقر أنه سئل عما يقول الناس في إيمان أبي طالب، فقال: لو وزن إيمان أبي طالب وإيمان هذا الخلق لرجح إيمانه، ثم قال: ألم تعلموا أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان يأمر أن يحج عن عبدالله وأبيه وأبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب)) رواه المحب الطبري، انتهى من تفريج الكروب، ورواه ابن عساكر عن ابن عمر، وأخرجه عنه تمام الرازي.
ومما رواه الإمام الحسن بن بدر الدين عن ابن عمر، قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم..إلى قوله: والذي بعثك بالحق نبياً لأنا بإسلام أبي طالب أشد فرحاً بإسلام أبي، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت.
وروى أيضاً عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر بموت أبي طالب بكى، وقال: اذهب فاغسله وكفنه..إلى قوله: غفر الله له ورحمه، انتهى.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عارض جنازة أبي طالب، فقال: وصلتك رحم وجزيت خيراً يا عم، أخرجه ابن عدي.
ولما مات أبو طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغسله وكفنه، ثم كشف عن وجهه، فمسح بيده اليمنى على جبهته اليمنى ثلاثاً، ثم مسح بيده اليسرى على جبهته اليسرى ثلاثاً، ثم قال: كفلتني يتيماً، وربيتني صغيراً، ونصرتني كبيراً، فجزاك الله عني خيراً، رواه أبو العباس الحسني عن الباقر عليه السلام.
ولما قارب أبو طالب الموت، قال العباس له صلى الله عليه وآله وسلم: والله يا ابن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته بها أن يقولها، رواه ابن هشام، والحلبي في سيرته، وصاحب الاكتفاء، وحكى في فتح الباري عن ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس مثله.(1/217)
قال: وقد ذكر السهيلي أنه رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم، وروى الإمام أبو طالب بسنده إلى زين العابدين، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يبعث عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده)).
وقد روى المسيب أن أبا طالب قال: أنا على ملة عبد المطلب، وعبد المطلب كان على دين إبراهيم مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وما أحسن قول ابن أبي الحديد:
ولولا أبو طالب وابنه .... لما مثل الدين شخصاً فقاماً
فهذا بمكة آوى وحامى .... وهذا بيثرب جس الحماما
تكفل عبد منافٍ بأمرٍ .... فكان علي لذاك تماما
فأما ما ترويه العامة مما يفيد عدم إيمانه، فانحرافهم عن الطالبيين وميلهم إلى موافقة غرض الدولتين مما يحملهم على الوضع وقبول ما وضع، وتزييف ما خالف هواهم، فعليكم بالثقل الأصغر تنجوا يوم الفزع الأكبر، والله المستعان، انتهى أغلبه من التخريج.
ومما يدل دلالة صريحة بما ذكرناه من هذا البيت الطاهر الشريف ما رواه أهل السير والتاريخ من قصة عبدالله بن عبد المطلب مع الكاهنة التي تعرضت له، وذلك ما رواه أبو العباس الحسني قال: أخبرنا عمر بن مسلمة الخزاعي، قال: حدثنا علي بن حرب: حدثنا محمد بن عمارة القرشي عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: لما خرج عبد المطلب بن هاشم بابنه عبدالله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة قد قرأت الكتب كلها متهودة يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبدالله، فقالت له: يا فتى، هل لك أن تقع علي الآن وأعطيك مائة من الإبل، فقال:
أما الحرام فالممات دونه .... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه .... يحمي الكريم عرضه ودينه
..إلى آخر القصة، وقد ذكرها الإمام أبو طالب في أماليه.
وقبره: بمشهد أبيه عليهم السلام.(1/218)
وتعلق الجار والمجرور الذي قبل ما النافية بما بعدها في قولنا: بسيفيهما ما إن تعد الوقائع، قد ورد، ومنه: قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: ونحن عن فضلك ما استغنينا. فليس فيه ضعف تأليف.(1/219)
الإمام يحيى بن أحمد الناصر
الزلف:
35- ويتلُوهُما المنصورُ يحيى وصِنْوُهُ .... هو القاسِمُ المختارُ والخطبُ رائِعُ
التحف: في هذا البيت إمامان:
الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق عليهم السلام.
دعا إلى الله بعد وفاة أبيه.
توفي في محرم سنة ست وستين وثلاثمائة.
قبره في مشهد جده الإمام الهادي.
وكذلك كثير من الأئمة والشهداء في تلك الروضة المقدسة، منهم: الأمير تاج الدين بن بدر الدين، ومنهم: المفتي الكبير محمد بن عز الدين كما يأتي.
أولاده: يوسف، وعبدالله، وحسن، ومحمد.(1/220)
الإمام المختار بن الناصر
والإمام المختار لدين الله أبو محمد القاسم بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق، أسره الضحاك بن قيس الهمداني غدراً في صفر سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وقتل عليه السلام في الأسر غرة شوال تلك السنة، وكان يدخل عليه الفساق بالخمر فينجسونه، ويقولون له: اشرب أو شم يا مولانا هذه الروائح، وكان يدخل عليه بعض شيعته كل جمعة وهو يبكي، فيقلع طين المسجد الذي نجسوه ويبدله، ويغسل ثيابه، وكان هذا دأبهم حتى قتلوه.
وهذا الإمام جد آل يحيى بن يحيى، ونقله من ريده إلى مشهد جَدِّه الإمام الهادي إلى الحق، ابن أخيه الإمام يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر، بعد مضي خمس وعشرين سنة، فوجده لم يتغير.
أولاده: محمد، ويحيى، وأحمد، وإسماعيل عقبه بحلب، وعلي، وإبراهيم، وعبدالله، وعيسى عقبه بخراسان، وداود، والحسين.(1/221)