مشهده بصعدة من أرض اليمن، وقد كان عليه السلام رأى نوراً ساطعاً في حال حياته، واختط الجامع المقدس على جذوة ذلك النور. ذكر ذلك بتمامه في (الأسانيد اليحيوية) في قصة لا يسع الحال الإتيان بها، وكان ذلك أول أساس لصعدة هذه الموجودة المعمورة ببركته، وكانت صعدة القديمة تحت جبل تلمص كما هو المشهور.
أولاده المعقبون: محمد، وأحمد، والحسن.(1/202)


محمد بن عبيدالله وولده علي
وكان من المتولين للجهاد بين يدي الإمام الهادي وأولاده، الأشرافُ العلويون من أولاد العباس بن أمير المؤمنين، منهم: أبو جعفر محمد بن عبيدالله، قتل شهيداً مع الإمام الهادي عليه السلام بنجران غدراً.
وقضيته تشبه قضية الإمام الحسين بالطف، وقد بلغ الحقد والإنتقام والجراءة الغاية، ويكفي في ذلك قول الشاعر القرمطي، حيث ارتجز وهو يحز رأس أبي جعفر محمد بن عبيدالله العلوي:
ولا أبالي بعد ذا ما حل بي
شفيت نفسي وبلغت مأربي
من سخط الله ومن لعن النبي
وقد كتب ولد محمد بن عبيدالله إلى الهادي عليه السلام قصيدة طويلة، يقول فيها:
ابن الحسين تحالفت حار على .... أن يقتلونا يا بني العباس
يا ابن الحسين تقاسموا أموالنا .... وخيولنا فافرج بصولة قاسي
عجل بنصرك يا ابن أكرم هاشمي .... وافكك عشيرك من يد الخناس
فيها الأراقم والأفاعي كلها .... يسقيننا سمَّ الحتوف بكاس
لا خير في حار ولا أحلافها .... (يام) فإنهم من النسناس
لا يشكرون صنائعاً أوليتهم .... بل يكفرون وكلهم متناسي
وقال أيضاً:
ظهر الفساد بأرضنا وبلادنا .... قامت بذاك قرامط أشرار
كفروا برب الناس يا ابن محمد .... والكفر شيمتهم فهم كفار
وقال في ترثية والده:
منع الحزن مقلتي أن تناما .... وذرى الدمع من جفوني سجاما
يوم ناديت حي الأحلاف للنصر على .... (مذحج) وناديت (ياما)
ودعونا لنصرنا (الوادعيين) .... فلم ينصروا الأمين الهماما
لا يجيبون صارخاً قام يدعو .... يا لهمدان نصروا الإسلاما
فدعونا (ثقيف) كي ينصرونا .... فأجابوا، ولم يكونوا لئاما
نصرونا على العدو وقاموا .... دوننا يدفعون عنا الطغاما
فخرجنا بهم إلى (حار كعب) .... بخيول إلى العدو ترامى(1/203)


فأتانا الخبير يخبر أن قد .... قتل (الهاشمي) وذاق الحماما
قتلت حارث بن كعب شريفاً .... خير من وحد الإله وصاما
قتلوه، فأفحشوا القتل فيه .... حين أضحى لديهم مستضاما
لهف نفسي عليه ما حنَّت النيب .... وما داعت الحمام الحماما
لهف نفسي عليه لهف لهيفٍ .... لهف حيران لا يلذ مناما
لهف نفسي عليه من لي من بعـ .... ـد ومن للنساء أو لليتامى؟
كان حرزاً للمسلمين وكهفاً .... ورجاءً، ومعقلاً، ونظاما
فتولى ذاك النظام فأضحى .... ركن عز الإسلام ميتاً رماما
قتل الله (مذحجاً) شر قتل .... بأبي جعفر واصلوا غراما
فجزى الله والدي غرف الخلـ .... ـد وأعطاه جنة وسلاما
فلقد كان وافي العهد للـ .... ـه وبالحق والهدى قواما
نصر الدين واستقام على الحـ .... ـق وأوفى بالبيعتين الإماما

فلما وصل إلى الحصن أقبلت همدان إليه يعزونه في أبيه، واعتذروا إليه فيما كان من تخلفهم عن نصرته، والحمد لله والصلاة على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً (ص 382- 383 - 384 السيرة).
وولده علي بن محمد مؤلف سيرة الإمام كذلك أصيب بنجران، وتوفي بخيوان، ورثاه الإمام الهادي إلى الحق رضي الله عنهم، بقوله:
قبر بخيوان حوى ماجداً .... منتخب الآباء عباسي
قبر علي بن أبي جعفر .... من هاشم كالجبل الراسي
من يطعن الطعنة خوارة .... كأنها طعنة جساس
ومن ذريته آل المطاع بصنعاء، ودار عمر سنحان، وغيرهما.(1/204)


الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش
الزلف:
32- وَعَاصَرَهُ في الجيلِ أفضلُ قائمٍ .... وأبسلُ من يدعى إذا انحازَ شاجِعُ
التحف:
هو الإمام الناصر للحق أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ويقال له الأطروش.
عن جده صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا علي يكون من أولادك رجل يدعى بزيد المظلوم، يأتي يوم القيامة مع أصحابه على نجب من نور، يعبرون على رؤوس الخلائق كالبرق اللامع، وفي أعقابهم رجل يدعى بناصر الحق حتى يقفوا على باب الجنة...إلى آخر الحديث))، وغير هذا، وأعلم به أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته بالكوفة، وخطبته بالنهروان.
صفته عليه السلام: قال الإمام أبو طالب: كان عليه السلام طويل القامة، يضرب إلى الأدْمَة به طرش من ضربة.
قيامه: سنة أربع وثمانين ومائتين، دعا إلى عبادة الله في الجيل والديلم، ففتح الله على يديه وأسلم ببركته ألف ألف من المشركين وعلمهم معالم الإسلام.
قال عليه السلام: حفظت من كتب الله بضعة عشر كتاباً فما انتفعت منها كانتفاعي بكتابين أحدهما: الفرقان لما فيه من التسلية لأبينا، والثاني: كتاب دانيال لما فيه من أن الشيخ الأصم يخرج في بلد يقال لها ديلمان..إلى آخر كلامه عليه السلام.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي: وكان عليه السلام يرد بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه، ويقول: انا ابن رسول الله، وهذا كتاب الله، فمن أجاب إلى هذا، وإلا فهذا، انتهى.
وقد اتفق الموالف والمخالف أنه من أئمة الهدى القائمين بالقسط، قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه: ولم يرد الناس مثل عدل الأطروش وحسن سيرته وإقامته الحق.
وقال ابن حزم ما لفظه: الحسن الأطروش - الذي أسلم على يديه الديلم - بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.(1/205)


إلى قوله: وكان هذا الأطروش فاضلاً حسن المذهب عدلاً في أحكامه ولي طبرستان..إلى آخر كلامه.
وقتل في بعض مقاماته عشرون ألفاً في معركة واحدة من جنود الضلال.
ومن كراماته عليه السلام:
أنه قصده بعض الأعداء وهو منفرد وليس عنده سلاح فتناول من صخرة عظيمة فألانها له، وموضع يده الشريفة هنالك يتبرك بأثره.
ومنها: أنه توجه إليه بعض الملوك لحربه فاشتغل أصحابه بذلك، فخرج عليهم يوماً، وقال: قد كفيتم أمر الرجل، قد كفيتم أمر الرجل، قد وجهت إليه جيشاً، فقالوا: ومتى أنفذتهم؟ فقال: صليت البارحة ركعتين ثم دعوت الله عليه، فورد الخبر أن الله أهلكه. وكراماته كثيرة شهيرة.
ومن مؤلفاته: كتاب البساط، والمغني، وكتاب المسفر، والصفي، وكتاب الباهر جمعه بعض علماء عصره على مذهبه، وكتاب ألفاظ الناصر رتبه أيضاً أحد العلماء المعاصرين له، كان يحضر مجلسه ويكتب ألفاظه جمع فيه من أنواع العلوم ما يبهر الألباب، وكتاب التفسير اشتمل على ألف بيت من ألف قصيدة، وكتاب الإمامة، وكتاب الأمالي فيها من فضائل أهل البيت الكثير الطيب، وغيرها كثير.
قيل: إن مؤلفات الإمام الناصر تزيد على ثلاثمائة، وقد أغناهم تبليغهم الدين الحنيف على رؤوس المنابر، وضربهم رقاب أهل الضلال بالمشرفيات البواتر.
ومن كلام الإمام الناصر في البساط: حدثنا أخي الحسين بن علي، ومحمد بن منصور المرادي، قالا: حدثنا علي بن الحسن - يعنيان أبي عليه السلام - عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وخزن لسانه، وكف غضبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه، فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنة مفتحة له)).(1/206)

41 / 101
ع
En
A+
A-