الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام
الزلف:
31- وأَظْهَرَ أعلامَ النبوةِ ذائداً .... عن الدينِ يحيى بنُ الحسينِ يقارِعُ
التحف:
هو الإمام الهادي إلى الحق المبين، أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ولد بالمدينة المطهرة سنة خمس وأربعين ومائتين، وحمل إلى جده القاسم عليهما السلام فوضعه في حجره المبارك وعوذه، وقال لأبيه: بم سميته؟ قال: يحيى - وقد كان للحسين أخ يسمى يحيى توفي قبل ذلك - فبكى القاسم حين ذكره، وقال: هو والله يحيى صاحب اليمن. وإنما قال ذلك لأخبار رويت بذكره.
وبقي القاسم عليه السلام بعد ذلك سنة واحدة، وإلى ذلك أشار الإمام الداعي يحيى بن المحسن بقوله:
وأعلن القاسم بالبشاره .... بقائم فيه له أماره
من الهدى والعلم والطهاره .... قد بث فيه المصطفى أخباره
بفضله وأوجب انتظاره
...إلى آخره.
صفته عليه السلام: قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: كان أسدياً أنجل العينين، غليظ الساعدين بعيد ما بين المنكبين والصدر، خفيف الساقين والعجز، كالأسد.
قيامه عليه السلام: سنة ثمانين ومائتين، أقام الله به الدين في أرض اليمن، وأحيا به رسوم الفرائض والسنن، فجدد أحكام خاتم النبيين، وآثار سيد الوصيين، وله مع القرامطة الخارجين عن الإسلام نيف وسبعون وقعة، كانت له اليد فيها كلها، ومع بني الحارث، نيف وسبعون وقعة. وخطب له بمكة المشرفة سبع سنين، كما ذكر ذلك في عمدة الطالب، وغيره.
قال الإمام أبو طالب عليه السلام: وكان - الإمام الناصر الأطروش - يحث الناس على نصرة الهادي يحيى بن الحسين، ويقول: من يمكنه أن ينصره وقرب منه فنصرته واجبة عليه، ومن تمكن من نصرتي وقرب مني فلينصرني.
شيء من الآثار الواردة فيه:(1/192)
وفيه آثار عن جده النبي وأبيه الوصي، منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (ما من فتنة إلا وأنا أعرف سائقها وناعقها، ثم ذكر فتنة بين الثمانين والمائتين (قال): فيخرج رجل من عترتي اسمه اسم نبي، يميز بين الحق والباطل، ويؤلف الله قلوب المؤمنين على يديه).
وأشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى اليمن، وقال: ((سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي يحيي الله به الدين)).
ويسر الله له علم الجفرالذي أوحى الله إلى نبيه فيه علم ما يكون إلى يوم القيامة، وكان معه ذو الفقار سيف أمير المؤمنين، وإلى ذلك أشار صاحب البسامة بقوله:
من خص بالجفر من أبناء فاطمةٍ .... وذي الفقار ومن أروى ظما الفِقَر
شيء مما قيل فيه:
ومن الشهادات التاريخية الحقة ما شهد به للإمام الهادي إلى الحق وللأئمة من أهل البيت الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري، حيث فسر بهم الخبر النبوي المروي في البخاري وغيره، وهو: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان))، فأفاد أنه صدق الحديث ببقاء الأمر في قريش باليمن من المائة الثالثة في طائفة من بني الحسن، قال: ولا يتولى الإمامة فيهم إلا من يكون عالماً متحرياً للعدل.
إلى قوله: والذي في صعدة وغيرها من اليمن، لا شك في كونه قرشياً ؛ لأنه من ذرية الحسن بن علي.(1/193)
وقال العلامة إمام المحدثين في عصره، مؤلف بهجة المحافل يحيى بن أبي بكر العامري في الرياض المستطابة ما لفظه ك ثم في زمن المعتمد والمعتضد والمقتدر إلى المستعصم آخر ملوك العباسيين، تحرز أهل البيت إلى بلدان لا يقدر عليهم فيها مثل: جيلان وديلمان وما يواليها من بلاد العجم، ومثل نجد اليمن كصنعاء وصعدة وجهاتها، واستوثق أمرهم وقاموا بالإمامة بشروطها قاهرين ظاهرين، فقام منهم بنجد اليمن نحو بضع وعشرين إماماً أولهم وأولاهم بالذكر الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى، كان مولده بالمدينة، ومنشاؤه بالحجاز، وتعلمه به وبالعراق، وظهور سلطانه باليمن سنة ثمانين ومائتين، وكان جاء إلى اليمن وقد عم بها مذهب القرامطة والباطنية، فجاهدهم جهاداً شديداً، وجرى له معهم نيف وثمانون وقعة لم ينهزم في شيء منها، وكان له علم واسع، وشجاعة مفرطة.
إلى قوله: ثم قام بعد الهادي ولده المرتضى محمد بن يحيى، ثم ولده الناصر أحمد بن يحيى، وكانا ممن جمع خصال الكمال والفضل كأبيهما، ودفنا إلى جنبه بصعدة، ومن ذريتهما أكثر أشراف اليمن.
ثم ساق في تعداد الأئمة فأورد قطعة تاريخية، وبحثاً نفيساً يدل على غزارة علم واطلاع وإنصاف واعتراف بالحق وبعد عن الإنحراف.
حتى قال: وقد ذكر ابن الجوزي وغيره: أن الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع كل واحد منهم لإمام من أئمة أهل البيت، بايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وبايع مالك لأخيه محمد، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى.
وقال ابن حزم صاحب المحلى - في ذكر أولاد الإمام الناصر - ما لفظه: والحسن المنتخب، والقاسم المختار، ومحمد (المهدي)، بنو أحمد الناصر بن يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا، وليحيى هذا الملقب بالهادي رأي في أحكام الفقه قد رأيته لم يبعد فيه عن الجماعة كل البعد..إلى آخره.(1/194)
وقال نشوان الحميري في كتاب الحور العين ص196ما لفظه: وأول من دعا باليمن إلى مذهب الزيدية ونشر مذهب أئمتهم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولقبه الهادي إلى الحق، فنزل بين خولان، وقال:
والله والله العظيم أليَّةً .... يهتز عرش الله منها الأعظم
إني لودك يا حسين لمضمر .... في الله أبديه وحيناً أكتم
إلى قوله:
وَلَوُدُّ سائر بيت آل محمد .... فودادهم فرض عليَّ ومغنم
قوم أدين بحبهم وبدينهم .... ونصوصهم أفتي الخصوم وأحكم
خروجه إلى اليمن:
ولما انتشرت فضائله، وظهرت أنواره وشمائله، وفد إليه وفد أهل اليمن، فسألوه إنقاذهم من الفتن، فساعدهم وخرج الخرجة الأولى، ثم كر راجعاً لما شاهد من بعض الجند أخذ شيء يسير من أموال الناس، فنزل بأهل اليمن من الشدائد والفتن ما لا قبل لهم به، فعاودوا الطلب وتضرعوا إليه، فأجابهم وخرج ثانياً عام أربعة وثمانين.
ومن كلامه المأثور: (يا أهل اليمن لكم علي ثلاث: أن أحكم فيكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أقدمكم عند العطاء، وأتقدمكم عند اللقاء، ولي عليكم: النصح، والطاعة ما أطعت الله). ولقد أقسم في بعض مقاماته أنه لا يغيب عنهم من رسول الله إلا شخصه (إن أطاعوه).
ولقد حكى عالم من علماء الشافعية - وصل من العراق لزيارته - من علمه وعدله وفضله وسيرته النبوية ما بهر الألباب، وأنه شاهده يتولى بيده الكريمة معالجة الجرحى، ويتولى بنفسه إطعام اليتامى والمساكين، وغير ذلك مما هو مشهور، وعلى صفحات التاريخ مسطور.
إذا كان فضل المرء في الناس ظاهراً .... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصف(1/195)
وما نشر الله في أقطار الدنيا أنواره، وبث في اليمن الميمون بركاته وآثاره - منذ أحد عشر قرناً - إلا لشأن عظيم، ولقد ملأ اليمن أمناً وإيماناً، وعلماً وعدلاً، ومساجد ومعاهد، وأئمة هدى، وما أصدق قول القائل فيه عليه السلام:
فسائل الشهب عنه في مطالعها .... والفجر حين بدا والصبح حين أضا
سل سنة المصطفى عن نجل صاحبها .... من علم الناس مسنوناً ومفترضا
وكراماته المنيرة، وبركاته المعلومة الشهيرة مشرقة الأنوار، دائمة الاستمرار على مرور الأعصار، وما أحقه بقول القائل في جده الحسين السبط صلوات الله عليه:
أرادوا ليخفوا قبره عن وليه .... فطيب تراب القبر دل على القبر
بينه وبين الدعام:
ومن قصيدة له عليه السلام إلى الدعام بن إبراهيم الأرحبي، يحثه على الجهاد في سبيل الله، ويذكر سوابق همدان مع أمير المؤمنين وأخي سيد المرسلين، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين:
انهض فقد أمكنتنا فرصة اليمن .... وصل فضائل كانت أول الزمن
وسابقات وإكراماً ومكرمة .... كانت مع الطاهر الهادي أبي الحسن
ويوم صفين والفرسان معلمة .... تخوض في غمرات الموت في الجُنَنِ
والروح حامٍ ويوم النهروان لكم .... والنقع مرتفع بالبيض والحُصُن
ونصرهم لأمير المؤمنين على .... محض المودة والإحياء للسنن
وقم فزد شرفاً يعلو على شرف .... في حي همدان والأحياء من يمن
ففيك ذاك بحمد الله نعرفه .... إذ أنت ليث الوغا في السلم والفتن
واستغنم الأمر نهضاً يا دعام به .... ما دام روح حياة النفس في البدن
...إلى آخرها.(1/196)