الإمام الحسن بن زيد
الزلف:
30- وبالحَسَنِ الداعِيِّ ثمَّ مُحمدٍ .... أخيه ثَوَتْ في الظالمين الزَعازِعُ
التحف: في هذا البيت إمامان:
الإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي صلوات الله عليهم.
دعا في أيام المتوكل العباسي، وكان ظهوره سنة خمسين ومائتين على طبرستان، ونواحي الديلم، فأجرى فيهن أحكام الله وكان بينه وبين الجنود العباسية وقعات كثيرة، انهزم عنه الناس في بعض حروبه، فوقف هو وأهل بيته في وجه عشرين ألف فارس.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فضاربهم بسيفه حتى تراد الجيش إليه. انتهى.
وحكى هذا: الإمام أبو طالب عليه السلام، قلت: وقد عُرِف مِنْ عِلْم المعاني أن القرينة المعنوية في المجاز العقلي قد تكون استحالة قيام المسند بالمسند إليه عادة، كقولهم: هزم الأمير الجند، فيقال: إلا هؤلاء الأئمة أعلام النبوة فاتصاف أفرادهم بذلك ثابت عادة، نعم.
فَثَنَى جنود المشركين وقد .... جمعوا لكيد الدين واحتفلوا
وعمر المشهدين المقدسين: مشهد أمير المؤمنين، والسبط الحسين بن علي عليهم السلام، ومن روائع شعر الإمام الحسن ما كتبه إلى العباسية:
لا ظلم في ديننا ولا أثرة .... بالسيف نعلوا جماجم الكفرة
يا قومنا بيعتان واحدة .... هاتا وها تلك بيعة الشجرة
ردوا علينا تراث والدنا .... خاتمَهُ والقضيب والحِبَرة
وبيت ذي العرش سلموه لنا .... يليه منا عصابة طهره
فطالما دنست مشاعره .... وأظهَرَت فيه فسقها الفجرة

وفاته: سنة سبعين ومائتين، ولا بقية له عليه السلام.(1/187)


الإمام محمد بن زيد عليه السلام
والإمام أبو المطهر محمد بن زيد أخو الإمام الحسن بن زيد عليهم السلام.
قيامه عليه السلام: بعد وفاة أخيه بخراسان، وعَزَّت الذرية الطاهرة في أيامه وأيام أخيه.
وقام بهما سوق العدل والتوحيد، ونفي الجبر والتشبيه، وسائر المذاهب الردية من القدر والإرجاء ، وما أشبه حالهما بقول القائل:
لو كنتَ أدركتَ النبي محمداً .... أثنى عليك آي الكتاب المنزلُ
أحييت دين الله بعد مماته .... ونصرته والخلق أجمع خذل
والناس إمام مارق ومنافق .... أو مسلم مستسلم متذلل

والقصيدة الرائعة الفريدة التي مدح بها ابن المقاتل الضَّرِير الإمام محمد بن زيد مشهورة غرتها بعد التغيير:
دامت البشرى وقلي بشريانِ .... غرة الداعي ويوم المهرجانِ
خُلِقَت كفاه موتاً وحياة .... وحوت أخلاقه كنه الجنانِ
فهو للكل بكل مستقل .... بالعطايا والمنايا والأمانِي
ومنها:
مسرف في الجود من غير اعتذار .... وعظيم البر من غير امتنان
يحدق الأبطال بالألحاظ حتى .... يترك المقدام في شخص الجبان
وهو من أرسى رسول الله فيه .... وعَلِيَّاه العلى والحسنان
أنجزت كفاك وعداً ووعيداً .... وأحاطت لك بالدنيا اليدان
في نحو أربعين بيتاً، وما يذكره أهل البديع من أن الإمام ضربه لقوله في مطلعها: لا تقل...إلى آخره بعيد، فإن كان حقيقة فلعله لما في بعضها من الغلو، كما روي أنه أنشده: الله فرد وابن زيد فرد.
فسجد الإمام تواضعاً لله تعالى، وقال، قل: الله فرد وابن زيد عبد، فهذا هو الذي يجب أن يحمل عليه.
قتل عليه السلام بعد وقعات عظيمة وجراحات كثيرة يوم الجمعة في شهر رمضان الكريم سنة ست وسبعين ومائتين.
ورثاه الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش بقصيدة تزيد على تسعة وثلاثين بيتاً، رواها الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي، منها قوله:(1/188)


أللدِّين والدنيا تظل تَفَجَّع .... أم أنت على الداعي تبكي وتجزع
وكانا به حيين طول حياته .... فقد أصبحوا أمواتا جميعاً وودعوا
فإن أبك لا أبكي عليه تكلفاً .... وإن أصطبر عنه فَلَصَّبر أوجع
ففقدانه أنسى فؤادي عزاءه .... وعلمني من بعده كيف أجزع
لقد أمنت نفسي الرزايا فلا أُرى .... وإن جل خطب بعده أتوجع
فقم فانعه للشرق والغرب معلناً .... فقد وقع الخطب الذي يتوقع
فلا رزء - إلا رزؤه - منه أفظع .... ولا يومَ إلا يومه منه أشنع
أصيب به الإسلام فانهد عرشه .... وأضحت له أركانه تتضعضع
عَفَت سُبل المعروف بعد محمد .... وغادر وَهْناً في العلى ليس يرفع
ومات فمات الحزم والبأس والندى .... ومن كان في الدنيا يضر وينفع
وزال لمثواه عن أمة جده .... وعترته طود من العز أمنع
تحوطهم كف عليهم شفيقة .... وعين له إن يهجعوا ليس تهجع
تفرق من بعد التآلف شملهم .... وكان به شمل النبوة يجمع
تساوى الورى في هلكه بعد ملكه .... فكلهمُ فيه معزى مُفَجَّع
فلم أر إلا ضاحكاً في حياته .... ومذ مات إلا باكياً يتوجع
فلا عذر إذ لم يدفع الموت دونه .... وكنا به ريب الحوادث ندفع
على أنه لو شاء نجاه سيفه .... وطرف كلمح البرق أو هو أسرع
ولكن أبى إلا التأسي بعصبة .... مِن آل رسول الله بألطف صُرَّع
ولما رأى أن الفرار خزاية .... وإن سبيل الموت للحر أوسع
فأرسا جناناً لا يهال إلى الردى .... ولا هو مما يفزع الناس يفزع
فما زال يحمي عرضه وذماره .... ويشرع في حوض المنايا ويكرع(/)


تناهبه زرق الظباء حشاشة .... لها سائق منه إلى الموت أسرع
ولو لم يخنه سيفه بانقطاعه .... لظلت به أعداؤه تتقطع
فخَرَّ ولم يَدْنُس من العار وجهه .... كما لاح برق في دجى الليل يلمع
وما مات حتى مات من خوفه العدى .... وكانت به في نومها تتفزع
ولله ماذا ضم حول ضريحه .... وأعجب منه كيف لا يتصدع؟
وكانت به الدنيا تضيق برحبها .... تظل وتمسي منه تخشى وتطمع
تروح المنايا والعطايا بكفه .... سجالاً على الأدنى ومن هو أشسع
أظل الورى إنعامُه وانتقامُه .... يُعَز مُواليه وعاصيه يُقمع
ومنها:
فإن أفرح الأعداء مصرع موته .... فقد طال ما عاشوا وهم منه فُجَّع
فقلت لهم لا تشمتوا بمصابه .... فما منكم إلا له الموت مُشْرع
فخير المنايا ميتة السيف في الوغا .... كما خيرُ عيش ما عدى السيف يمنع
ومنها:
فبالسيف محيانا ومنه مماتنا .... كذا السيف بالأخيار ما زال يولع
لقد عاش في الدنيا جميلاً ممنعاً .... ومات كريماً عن حمى الدين يمنع
فيا راكباً بلغ سلاماً ورحمة .... بجرجان قبراً ظل للبِر يجمع
بعقوته حل ابن زيد محمد .... فحل بلاء بالبرية مفظع
وأضحت بقاع الأرض فيه تنافست .... وودت جميعاً أنها هي مضجع
فصلى عليه الله ما ذر شارق .... وناح حمام في ذرى الأيك يسجع
فأقسمت لا ينفك قلبي مفجِّعاً .... عليه وعيني ما دجى الليل تدمع

فما ظنك بإمام هذا قول الإمام الناصر فيه.
أولاده عليه السلام: وللإمام محمد ولدان: زيد، والحسن، وأعقابهما ببغداد وطبرستان والري.(1/190)


وصحب الإمام محمد بن زيد: أبو القاسم البلخي عبدالله بن أحمد المعتزلي المتوفي سنة سبع عشرة وثلاث مائة، وكان يقول: إنه يرى نفسه إذا كتب للإمام كأنه يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكتب للإمام (أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني) الذي يحى خلافه في النَّسخ.(1/191)

38 / 101
ع
En
A+
A-