قال محمد بن منصور المرادي: قلت لأحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليه السلام: حدثني رجل عن أبي الرعد عن أبي البركة عن هرثمة عن هارون الملقب بالرشيد أنه أعطى سليمان بن جرير مائة ألف درهم على أن يقتل له إدريس بن عبدالله، فحدثني أبو عبدالله أحمد بن عيسى بن زيد، قال: كنت عند عمي الحسين بن زيد بمنى في مضربه إذ جاءه جماعة من البربر من أهل المغرب من عند إدريس فجلسوا ناحية، وجاء رجل منهم إلى الحسين فسلم عليه، وأكب عليه فناجاه طويلاً، ثم إن الرجل خرج، وقال لنا عمي: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال هذا رجل من أهل المغرب من عند إدريس قال لي: جاء رجل من عندكم يقال له سليمان بن جرير، فكان مع إدريس فخالفه في شيء، ودخل إدليس إلى الحمام، فلما خرج أرسل إليه سليمان بسمكة فحين أكل منها أنكر نفسه، وقال: بطني أدركوا سليمان في منزله، فطلب سليمان في منزله فلم يوجد، فسألنا عنه، فقالوا: قد خرج، فأعلمناه، فقال: أدركوه فردوه، قال: فأدركناه، فامتنع علينا، فقاتلناه وقاتلنا، فضربناه على وجهه ضربة بالسيف، وضربناه على يده فقطعنا اصبعه، وفاتنا هرباً ثم قال لنا الحسين بن زيد: أرأيتم هذا الأثر، قال أحمد بن عيسى: رأيته مضروباً على وجهه شبيهاً بما وصف البربري، وأومأ أحمد بن عيسى من حد موضع السجود إلى الحاجب، ورأيناه وفي يده ضربة قد قطعت إصبعه الإبهام.
قال أحمد بن عيسى: وهو قتل إدريس لا شك فيه، وسليمان هذا كان من رؤساء الشيعة ومتكلميهم فمن يوثق بعده من الناس.(1/161)


وروي عن بعض الناس أن إدريس أقام بالمغرب عشر سنين يقيم الأحكام ثم دس هارون شربة سم في سويق على يدي رجل من أهل العراق، فأقام عنده واستأنس به إدريس واطمأن إليه وكان قد ضمن هارون خمسمائة ألف درهم لهذا الرجل فسقاه فمات إدريس من ذلك بعد ثلاثة أيام، وأوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس، فأقام بعد أبيه يعمل بالكتاب والسنة، ويقتدي بأبيه، وهو من أحد الشجعان، وبقي بعد أبيه إحدى وعشرين سنة تملك أرض المغرب وبربر وأندلس ونواحيها، وفتح فتوحاً كثيرة من بلاد الشرك وحاربته المسودة، فلم يقدروا عليه إلى أن مات رحمه الله، ثم أوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس بن إدريس بن عبدالله، فقام مقام أبيه يعدل بين الناس على سيرة آبائه وأجداده وهو أحد علماء آل محمد، وهم إلى هذه الغاية يتوارثون أرض المغرب وبربر، ويعملون بالحق.
وأول من ملك مكة المشرفة من أولاد الإمام موسى بن عبدالله الشريف جعفر بن محمد بن الحسن بن محمد الثائر بن موسى الثاني بن الإمام عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ثم تداولت على الحرم الشريف أيدي الأشراف من أبناء السبطين.
ومن ذريته السيد الإمام أحمد بن محمد بن علي الإدريسي المغزلي، قال تلميذه الحسن بن أحمد عالشن الضمدي في الديباج الخسرواني وعقود الدرر: هو إمام العارفين، وقدوة الزاهدين، ورشد المتقين، وخاتمة العلماء المحققين.
إلى قوله: قصر فكره نحو ثلاثين سنة على استخراج لطائف كتاب الله تعالى، وبعد إقامته في مكة توجه إلى صعيد الريف، وانثالت إليه أهل تلك الجهة.
إلى قوله: وكان أيام مكثه بالحرم المكي يجري بينه وبين علماء المراجعة فيغلبهم بالحجة، ولا يستطيع أحد منهم أن يقاومه في المرادعة.(1/162)


إلى قوله: وكان يكافح أولئك بتزييف هذه المذاهب..إلى قوله: ويعلن لهم بأن قصر الحق على هذه المذاهب المتبوعة من البدع، وأن الجزم بتعذر الحكم من دليله لا مسند له، وأنه من تحجر الواسع ؛ لأن فضل الله تعالى غير مقصور على شخص من دون شخص، والفهم الذي هو شرط التكليف قد منحه الله تعالى كل عاقل، ولو كان مختصاً بأحدٍ دون أحد لما قامت الحجة على العباد بالكتاب والسنة، وهذا لا يرتضيه مسلم، وهذا الصنيع من كفران النعمة.
قال: وإذا دخل الصلاة ظل يضطرب فيها من الخشية والبكاء، مع كمال حفظ التقصي من المخالفة للمشروع، وكان صادق اللهجة.
قال: ووفد إليه كل عالم حتى ترجح له المسير نحو الشام، وأقام بمدينة صبيا، وكانت في أيامه قحط رجال الفضلاء من كل جهة حتى قال يحيى: ذلك شيخنا البدر الإمام محسن بن عبد الكريم، مخاطباً له:
شرفت صبيا بكم فغدت .... مورداً للعم والنزل
ليت شعري ما الذي فعلت .... فعلت قدراً على زحل
ووصوله إليها في سنة 1245هـ، قال: وكانت وفاة صاحب الترجمة بمدينة صبيا من المخلاف السليماني في ليلة السبت إحدى وعشرين رجب سنة 1253هـ رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين آمين.
ومنهم: حفيده السيد الإمام محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي الحسني الإدريسي المغربي، مولده في ذي القعدة سنة 1293هـ، وكان ظهور أمره في محرم سنة 1327هـ، ومما أظهره إقامة الحدود وقطع الحكم بالطاغوت، وإزالة ما يفعله أهل صبيا وجهاتها من الختان المخالف للسنة، واختلاط النساء بالرجال، ولم يزل أمره يزداد في قلوب العامة سراً وجهراً، وفي سنة 1330هـ تقرر الصلح بين الإمام يحيى والأتراك، ولم يجب السيد محمد الإدريسي إلى الصلح بعد مراجعته في ذلك، فكانت الحرب بين الأدارسة والإمام يحيى مدة طويلة، وانتهت بوفاة السيد محد الإدريسي سنة 1341هـ في مدينة صبيا. وكان طويل القامة رئيساً عارفاً بأخبار الناس والبلاد، خولاً قلباً ذا دهاءٍ وسياسة.(1/163)


الإمام محمد بن إبراهيم
الزلف:
24- وصفوة إبراهيمَ جلَّى محمدٌ ....ومِنْ بعدِهِ الرَّسِّيُّ نِعْمَ المبايعُ
التحف: في هذا البيت إمامان:
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن الوصي علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم وسلامه.
قام في الكوفة، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى، سنة تسع وتسعين ومائة، وبعث أخاه الإمام القاسم بن إبراهيم إلى مصر للدعاء إلى الله، وزيد بن موسى الكاظم بن جعفر إلى البصرة، فحرق دور بني العباس.
وبايعه الإمام محمد بن محمد بن زيد بن علي، والإمام محمد بن جعفر الصادق، والسيد الإمام عالم أهل البيت وعابدهم علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين السبط عليهم السلام، ويحيى بن آدم، وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، وأبو نُعيم الفضل بن دُكَين، وعبدالله بن علقمة، وغيرهم، وأنفذ أخاه الإمام القاسم للدعاء، وهو - أي القاسم عليه السلام - في ست وعشرين سنة.
روى علماء أهل البيت عن الإمام زيد بن علي أنه قال: يبايع لرجل منا عند قصر الَرَّتين سنة تسع وتسعين ومائة في عشر من جمادى الأولى يباهي الله به الملائكة.
عن الباقر محمد بن علي سيد العابدين أنه قال: يخطب على أعوادكم يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة من جمادى الأولى رجل منا أهل البيت يباهي الله به الملائكة.
روى هذين الخبرين الإمام المنصور بالله في الشافي، والشهيد حميد في الحدائق، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين من طريق أحمد بن سعيد الهمداني، عن محمد بن منصور المرادي بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي وأخيه الباقر عليهم السلام.(1/164)


وقتل في أيام الإمام محمد بن إبراهيم، وأيام الإمام محمد بن محمد بن زيد من جنود العباسية مائتا ألف وخمسون ألفاً، وكان المتولي لوزارة آل محمد والقيام بنصرتهم والجهاد معهم أبا السريا السري بن منصور الشيباني، قتل رحمه الله في أيام الإمام محمد بن محمد بن زيد.
أولاده عليه السلام: إسماعيل، وجعفر، وعبدالله، وأحمد، وهم في مصر وغيرها.
توفي عليه السلام شهيداً لليلة خلت من رجب في السنة المذكورة - 199هـ -. عمره: ست وعشرون سنة.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وكان أشج من رُكِّب فيه الروح. انتهى.(1/165)

33 / 101
ع
En
A+
A-