وإنما دعا إلى ذلك - مع توفر الشواغل، واعتوار العوامل -، توجُّه الطلب ممن تنبغي إجابته، وأنه لم يكن لأصحابنا مؤلف جامع للمقصود، وإنما يقتصر المؤلف منهم على طائفة ممن اختار ذكرهم ويترك كثيراً ممن سبقه من أئمة الهدى المتفق على إمامتهم إحالة على من سواه، مع عدم التحقيق للمهم من أنسابهم، ومؤلفاتهم ونحوها، والإطناب في غيره.
وأما من الأيام الأخير فليس ثمة ما يعتمد عليه سوى مختصرات في ذكر بعض القائمين وترك الآخرين مع اشتمالها على الخبط الكثير، كما يعلم ذلك المطلع الخبير.
وقد أردنا الاستكمال لما أشرنا بإعانة الله وتسديده على أبلغ ما يمكن من الاختصار، وقد يكون بعض البسط عند ذكر الأئمة السابقين لاقتضاء المقام ذلك، وكذا بعض المتأخرين، الذين لم تكن قد دُوِّنت سيرهم في المؤلفات الكبار، ونتعرض لفوائد نافعة إن شار الله من فنون العلم ليست من مقاصد السير، ونلمح إلى عيون أصحاب الأئمة عليهم السلام المعتمد عليهم في الرواية والدراية، من نجوم علمائهم وأشياعهم رضي الله عنهم، ونجعل عوض الإطناب في السير والأخبار تلك الفوائد العلمية التي هي أجل نفعاً، وأعظم موقعاً.(1/11)


مصادر الكتاب
وقد تيسر بحمد الله تعالى عند التأليف مكنون الذخائر المصونة، فالمعتمد في الأخذ (الإفادة) للإمام أبي طالب، و(المصابيح) لأبي العباس، و(الأماليات) لأبي طالب، والمرشد بالله، و (الشافي) للمنصور بالله، و (ينابيع النصيحة) للأمير الحسين، و(الأنوار) للإمام الحسن عليهم السلام، و (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج.
و (العيون) للحاكم، و (شرح النهج) لابن أبي الحديد، و (المروج) للمسعودي، و (تاريخ ابن جرير الطبري)، و(التهذيب) لابن حجر، و(الحدائق الوردية) لحُمَيد الشهيد، و(قواعد عقائد آل محمد) للديلمي، و(شرح البسامة) للزحيف، و(الترجمان) لابن مظفر، و(اللآلي المضيئة) للشرفي.
و(التحفة العنبرية) لمحمد بن المتوكل على الله، و(طبقات الزيدية) لإبراهيم بن القاسم، و(الدامغة) للحسن بن صلاح الداعي، و(المقصد الحسن) لابن حابس، و(مطلع البدور) لابن أبي الرجال، وغير ذلك من سير الأئمة ومؤلفاتهم رضي الله عنهم، وسنضيف إلى كل مؤلف ما أخذ منه.
وأما الأنساب فلم يمكن الاعتماد إلا على المشجرات الصحيحة لما في المؤلفات من عدم التصحيح للغلط من الناسخين.
وقد أبلغت الجهد في ذلك، وأخذت على كل ناقل لكتابنا هذا نفع الله به أن يبذل وسعه في التصحيح لتتم الإفادة المقصودة إن شاء الله تعالى.(1/12)


هذا، ومقاماتهم وصفاتهم في الأمهات، قد خدمها العلماء منهم ومن أوليائهم الأثبات، وكفاهم ما أثنى عليهم الله تعالى في الذكر المنزل، وعلى لسان جدهم المرسل، فهم أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، خيرة الله من ذؤابة إبراهيم الخليل، وحملة حجته من سلالة إسماعيل، وورثة خاتم النبيين وسيد الوصيين، قال عز وجل: ?إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ? [آل عمران:33،34]، وقال تعالى: ?إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ? [البقرة:124]، وقال عز من قائل: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ? [الحديد:26]، وقال جل ذكره: ?أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا? [النساء:54].(1/13)


ثم بين جل وعلا موضع حجته، ومنبع حكمته من هذه الشجرة المطهرة من ذرية الرسول والوصي صلى الله وسلم عليهما وعلى آلهما، لُباب هذه الذرية المصطفاة، وخيار الخيار من الصفوة المجتباة، فقال عز من قائل: ?ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا? [فاطر:32]، وقال سبحانه وتعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? [الأحزاب:33]، وقال عز من قائل: ?قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى? [الشورى:23]، وقال تبارك وتعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ? [النساء:59]، وقال تعالى: ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ? [النحل:43]، وقال جل وعلا: ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ? [الرعد:7].
ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران أمره الله أن يسلك معهم طريقة الأنبياء من قبله، فقال عز وجل: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ? [آل عمران:61]، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم أصحاب الكساء، وهم: أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وابنته سيدة النساء وخامسة أهل الكساء، وولداهم السيدان الحسنان، فأظهر الله بالمباهلة معجزة الرسول، وأوضح للخلق عظم منزلة أهل بيت النبوة.(1/14)


ومن جلائل نعم الله على عباده أنه لم يجعل الرسالة في بيت إلا جعل ذرية ذلك النبي قوام حجته، وأعلام بريته، ?سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا? [الأحزاب:62]، قال تبارك وتعالى في آل إبراهيم: ?رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ? [هود:73]، وقال جل جلاله: ?وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ? [الأحزاب:6]، وقال سبحانه وتعالى: ?وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ? [الطور:21]، وقال تعالى: ?اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ? [الأنعام:124]، وكم أتى الله في كتابه المعظم، وعلى لسان رسوله المكرم، في اختياره لأهل بيت النبوة من قرابة خاتم الأنبياء، وسيد الأوصياء، مهابط الحكمة، ومساقط الرحمة، جعلنا الله ممن استضاء بهدي أنوارهم، وارتوى من معين سلسالهم، ونسأل الله أن يكون ذلك من الأعمال المقربة إلى رضاه وتقواه، وأن ينفع به، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه.
حصنتها بالله من متجاهلٍ .... يصف ابتهاج ضيائها بمحاق
وكشفت غرتها لتشفي عالماً .... قلباً بقلب ثغرها البراق

وهذا أوان الإبتداء والله المستعان، وعليه التِكلان.(1/15)

3 / 101
ع
En
A+
A-