فحدثني محمد بن القاسم بن إبراهيم - وكان إبراهيم بن إسماعيل طبا طبا ممن خرج مع الحسين -، قال: كان محمد بن سليمان بن علي ممن بعث مع موسى بن عيسى، وكانت أمه حسينية وهي زينب ابنة جعفر بن الحسن بن الحسن، قال: فلما تصافوا بفخ خرج محمد من عسكر المسودة، فلقي الحسين وسلم عليه، وقال: والله يا خال ما أشخصني إلى هذا البلد إلا الشفقة عليك والظن بك ورجاء أن يحقن الله دمك، فقال له الحسين: ما أعرفني بما تحاول من خديعتي من ديني ودنياي، غليك عني، فقال له: يا خال، لا تفعل اقبل نصيحتي ولا تعرض نفسك للهلكة وإن معي كتاباً قد أخذته لك من ابن عمك الخليفة موسى الهادي ابن محمد المهدي بأمانك وجعل إليَّ أن أعرض عليك كل ما أحببت فصر إلى أي بلد شئت وسم ما شئت من الأموال والقطائع والضياع، قال: فأقبل الحسين عليه السلام، فقال: يا عبد خيزران وخالصة: أتظن أني إنما خرجت في طلب الدنيا التي تعظمونها، أو للرغبة فيما تعرضون علي من أموال المسلمين، ليس ذلك كما تظن إنما خرجت غضباً لله ونصرةً لدينه، وطلباً للشهادة، وأن يجعل الله مقامي هذا حجة على الأمة، واقتديت في ذلك بأسلافي الماضيين المجاهدين، لا حاجة لي في شيء مما عرضت علي، وأنا نافذ فيما خرجت له وماضي على بصيرتي حتى ألحق بربي.
قال: فلما رأت المسودة ثبات أصحاب الحسين وصبرهم جعلوا له كميناً من ورائهم، ثم.... لهم حتى خرجوا من الموضع الذي كانوا قد الجأوا فيه ظهورهم إلى الجبل الذي سده الحسين بنفسه وأصحابه، وقطع مجاز الخيل فيه بالفخ، وهو على تلك الحال إلى اليوم، فلما خرج عليهم الكمين قاتل الحسين وأصحابه قتالاً شديداً حتى كثر القتل في الفريقين جميعاً، ثم حملت العساكر جميعها فصبروا لهم حتى أبيدوا بأجمعهم، وقتل الحسين صلوات الله عليه ولعن قاتله، وثبت في المعركة وصرع أهله حوله بعد منازلة ومدافعة وصبر عظيم على وقع الحديد.(1/106)
ولقد أخبرني حمدان بن منظور، قال: حدثني القاسم بن إبراهيم الإمام العالم صلوات الله عليه عمن ذكره من أصحابه، قال: رأيت الحسين والناس في المعركة اعتزل فدفن شيئاً فاتبع ذلك الدفين فإذا هو بعض وجهه، ضرب في وجهه ضربة برت عامته، فاعتزل حتى دفنه ثم تلثم على وجهه وعاود الحرب صلوات الله عليه.
وحدثني أيضاً عن محمد بن منصور عن القاسم عن أبيه، قال: قيل للحسين بعدما أثخن الإثخان: فقد أعذرت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله ليبغض العبد يستأسر إلا من جراحة مثخنة)) قال: وقال لهم الحسين: يا بني عمي انحازوا وامضوا إلى أي النواحي فعسى أن تدركوا بثأرنا يوماً من الدهر، وقال: فإني غير مفارقهم حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فأبوا وصبروا حتى قتلوا قدامه واحداً واحداً، وأصابت يحيى بن عبدالله سبعون نشابة بين درعه، وكثر حتى صار كالقنفذ، وجرح أخوه إدريس بن عبدالله حتى انصبغ قميصه، وجرح الحسين بن محمد بن عبدالله وفقئت عينه بنشابة.
وروى الإمام المنصور بالله أن الذين حضروا قتله اسودت وجوههم قاطبة، قال عبد المجيد بن عبدون في بسامته:
دم بفخ لآل المصطفى هدر
وأسبلت عبرة الروح الأمين على
ولما اعترض عليه بأن جبريل عليه السلام لم يؤثر أنه بكى إلا على الحسين السبط عليه السلام، قال ابن الوزير في بسامته: وأسبلت عبرات المؤمنين على..إلخ.(1/107)
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي: وقد ذكرنا من وجوه من خرج معه عليه السلام من أهل بيته، وخرج معه من فضلاء الناس: سعيد بن خثيم، وعلي بن هاشم المعروف بالبريد، ويحيى بن يعلى، وعامر السراج، ونصر الخفاف، وكان من الصالحين، وكان من حديثه، قال: أصابتني ضربة فبرت اللحم والعظم، فبت ليلتي أعوي منها، وأنا أخاف أن يجيئوني فيأخذوني إذا سمعوا الصوت فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء فأخذ عظماً فوضعه على عضدي فأصبحت وما أجد من الوجع قليلاً ولا كثيراً.
قال أبو سهل الرازي في كتابه أخبار فخ بسنده: محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى عن أبيه، قال: لما كان من أمر الحسين صلوات الله عليه بفخ ما كان أحضر موسى الهادي موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، والقاسم بن محمد بن عبدالله، فقال للقاسم: والله لأقتلنك يا ابن الفاعلة قتلة ما قتلها أحد قبلي أحداً قبلك، قال القاسم: الفاعلة هي الصناجة التي اشتريت بأموال المسلمين إياي تهدد بالقتل الذي لم يسبقك إليه ظالم، فلأصبرن لك صبراً ما صبره أحد قبيل طلباً لمرضاة الله وجميل ثوابه، قالوا: فأمر موسى - لعنه الله - بالمناشير فأحضرت ثم أقام على كل عضو منه نشاراً، فنشروا وجهه صفيحة واحدة، ثم نشروا عضواً عضواً حتى أتوا على جميع بدنه، قالوا جميعاً: فما تأوه صلوات الله عليه ولا تحرك حتى جردوا عظامه عن لحمه وفرقوا بين جميع أعضائه.
فقال له الملعون موسى: كيف رأيت يا ابن الفاعلة؟ قال له القاسم عليه السلام: يا مسكين لو رأيت ما أرى من الذي أكرمني الله به في دار المقامة، وما أعدَّ لك من العذاب في دار الهوان لرأيت حسرة دائمة وتبينت النقمة العاجلة، وخرجت نفس القاسم مع آخر كلامه.
قال: ولما حضرت محمد بن سليمان الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة، فلم يفصح بها لسانه إلا أنه يقول:
ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن .... شهدت حسيناً يوم فخ ولا الحسن(1/108)
فلم يزل يردد هذا البيت حتى مات.
ومما رثي به قتلى فخ قول عيسى بن عبدالله يرثي الحسين صاحب فخ عليه السلام:
فلأبكين على الحسين .... بعبرة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي .... أردوه ليس بذي كفن
تركوا بفخٍ غدوة .... في غير منزلة الوطن
كانوا كراماً فانقضوا .... لا طائشين ولا جبن
غسلوا المذلة عنهمو .... غسل الثياب من الدرن
هدي العباد بحبهم .... فلهم على الناس المنن
قال: حدثني علي بن إبراهيم الحلوي عن نفسه، قال: رأيت في النوم رجلاً يسألني أن أنشده هذه الأبيات، فأنشدته، فقال: زد فيها:
قومٌ كرامٌ سادةٌ .... من همْ ومنْ همْ ثمَّ منْ(1/109)
الإمام يحيى بن عبدالله
وثالثهم: الإمام أبو الحسينن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط، أخو الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، والإمام إبراهيم عليهم السلام.
صفته: قال الإمام أبو طالب عليه السلام: كان عليه السلام آدم اللون، حسن الوجه، إلى القصر.(1/110)