قال: وحدثني الفضل بن دكين أبو نعيم، قال: حبس من بني حسن ثلاثة عشر رجلاً، وحبس معه العثماني وابنان له في قصر ابن هبيرة، وكان في شرقي الكوفة مما يلي بغداد، فكان أول من مات منهم إبراهيم بن حسن، ثم عبدالله بن حسن، فدفن قريباً من حيث مات، وإلا يكن بالقبر الذي يزعم الناس أنه قبره فهو قريب منه.
قال: وحدثني محمد بن أبي حرب، قال: كان محمد بن عبدالله بن عمرو محبوساً عند أبي جعفر، قال: حتى كتب إليه أبو عون من خراسان أن أهل خراسان قد تقاعسوا عني، وطال عليهم أمر محمد بن عبدالله، فأمر أبو جعفر عند ذلك محمد بن عبدالله بن عمرو فضربت عنقه، وأرسل برأسه إلى خراسان، وأقسم لهم أنه رأس محد بن عبدالله، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال في الشافي: وقد روى العقيقي الشريف الحسيني مصنف كتاب الأنساب، ما مثاله قال: كتب إليَّ حماد يخبرني عن يحيى عن حماد بن يعلى عن عمر، قال: كنت مع محمد بن عبدالله في منزله فذكرنا النفس الزكية، فخرجنا حتى انتهينا إلى أحجار الزيت، فقال: هاهنا يا أبا حفص تقتل النفس الزكية، قال: ثم قال: والله لوددت أنها قد قتلت، وإن كنت أنا هو، ومرَّ بنا علي بن الحسين، فقال: ما يقيمك يا أبا عبدالله هاهنا.(1/91)
وقال: ذكرنا النفس الزكية، فقال ابن عمك كذا وكذا، فقال علي بن الحسين: إنهما نفساً نفسٌ تقتل بالحرم ونفسٌ هاهنا، ولما قتل بلغ العلم إلى أخيه إبراهيم بن عبدالله عليهم السلام وهو عليه السلام داعية أخيه المهدي لدين الله عليهما الصلاة والسلام في البصرة، وقد استولى عليها وعلى كثير مما والاها يوم العيد غرة شوال سنة خمس وأربعين ومائة، فصلى بالناس صلاة العيد، ثم رقي المنبر وخطب وذكر قتله ونعاه إلى الناس، وبكى وبكى الناس، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أن محمداً إنما خرج غضباً لدينك ونفياً لهذه النكتة السوداء، وإيثاراً لحقك فارحمه واغفر له واجعل الآخرة له خيراً مرداً ومنقلباً من الدنيا، وتمثل:
أبا المنازل يا عُبر الفوارس من .... يفجع بمثل في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أني لو خشيتهمو .... أو أوجس القلب من خوفٍ لهم فزعا
لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهمو .... حتى نموت جميعاً أو نعيش معا
وفي المقاتل بعد ذكر هذه الأبيات والدعاء، ثم جرض بريقه، وتراد الكلام في فيه، وتلجلج ساعة، ثم انفجر باكياً منتحباً، وبكى الناس، قال: فوالله لرأيت عبد الواحد بن زياد اهتز له من قرنه إلى قدمه، ثم بلت دموعه لحيته.
إلى قوله: قال إبراهيم بن عبدالله: ما أتى عليَّ يوم بعد قتل محمد إلا استطلته حباً للحاق به..إلى قوله: كان على ميمنة إبراهيم عيسى بن زيد.
وفيه بسنده: حدثنا جعفر بن محمد من فيه إلى أذني، قال: لما قتل إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بباخمرى حسرنا عن المدينة، ولم يترك فيها منا محتلم حتى قدمنا الكوفة فمكثنا فيها شهراً فتوقعوا فينا القتل ثم خرج إلينا الربيع الحاجب، فقال: أين هؤلاء العلوية؟ أَدْخِلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجا، قال: فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد، فلما صرت بين يديه، قال لي: أنت الذي تعلم الغيب؟ قلت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: أنت الذي يجبى إليك هذا الخراج؟ قلت: إليك يجبى.(1/92)
إلى قوله: أتدرون لم دعوتكم؟ قلت: لا، قال: أردت أن أهدم بيوتكم، وأروع قلوبكم، وأعقر نخلكم، وأترككم بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق.
إلى قوله: إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت من ذلك النسل، قال: فتبسم، وقال: أعد عليَّ، فأعدت، فقال: مثلك فليكن زعيم القوم وقد عفوت عنكم، ووهبت لكم جرم أهل البصرة، حدثني الحديث الذي حدثتني عن أبيك عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: قلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صلة الرحم تعمر الديار وتطيل الأعمار وإن كانوا كفاراً))، فقال: ليس هذا، فقلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((الأرحام معلقة بالعرش تنادي: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني)) قال: ليس هذا، فقلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله عز وجل يقول: ((أنا الرحمن خلقت الرّحِم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته))، قال: ليس هذا الحديث، قلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن ملكاً من الملوك في الأرض كان بقي من عمره ثلاث سنين، فوصل رحمه فجعلها الله ثلاثين سنة)) فقال: هذا الحديث أردت.
ولما أصابه السهم اعتنق فرسه، وأطاف به أصحابه كالسور الحديد، فقتل حوله أربعمائة، فيهم بشير الرحال عالم المعتزلة وعابدهم.
قال في الشافي: ولقد قيل لبُشير الرحال: لم خرجت على أبي جعفر؟ قال: أدخلني ذات يوم بعض البيوت، فنظرت إلى عبدالله بن الحسن مسموراً بالمسامير إلى الحائط، فخررت مغشياً عليَّ إعظاماً لما رأيت، وأعطيت الله عهداً لا يختلف عليه سيفان إلا كنت مع الذي عليه.(1/93)
وكان في ميمنة جنده الإمام عيسى بن الإمام زيد بن علي، وأمر الإمام إبراهيم بن عبدالله بعض قواده أن يحمل الراية، وقال له: لا تبرح، فأخذها ولم يزل يقاتل حتى قتل الإمام، فما انثنى عن الموضع الذي أمره الإمام أن يقف فيه، فقيل له: قد قتل الإمام، فقال: إنه قال: لا تبرح، فقاتل رحمه الله حتى عُقِر فرسه، فقاتل راجلاً حتى قُتِل.
قال الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام: ومثل محمد بن عبدالله وإبراهيم أخيه المجتهدين المصممين في أمر الله الذين لم تأخذهما في الله لومة لائم، الذين مضيا قدماً قدماً صابرين محتسبين، وقد مثل بآبائهما وعمومتهما أقبح المِثَل، وقتلوا أفحش القِتَل، فما ردعهما ذلك عن إقامة أمر خالقهما، والاجتها في رضا خالقهما، فصلوات الله على أرواح تلك المشائخ وبركاته، فلقد صبروا لله واحتسبوا وما وهنوا وما جزعوا، بل كانوا كما قال تعالى، وذكر عمن مضى من آبائهم حين يقول: ?فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ?[آل عمران:146].
قال في شرح النهج في تعداد أخبار أمير المؤمنين: وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله: إنه يقتل عند أحجار الزيت، وكقوله عن أخيه إبراهيم.
إلى قوله: يقتل بعد أن يَظْهَر، ويُقهَر بعد أن يَقهَر، وقوله فيه أيضاً: يأتيه سهم غَرْب تكون فيه منيته، فيا بؤساً للرامي شلت يده ووهن عضده...إلخ، وقد سقنا الأخبار المذكورة في لوامع الأنوار ج1 الطبعة الأولى ص475.
قال في المقاتل: خرج هارون بن سعد من الكوفة في نفر من أصحاب زيد بن علي إلى إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وكان فيمن خرج معه عامر بن كثير السراج، وهو يومئذ شاب جلد شجاع، وحمزة التركي، وسالم الحذاء، وخليفة بن حسان.(1/94)
إلى قوله: وأسرع الناس إليه، ولم يبق أحد من أهل العلم إلا تبعه، وكان منهم عباد بن العوام، وهشيم بن بشير، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويزيد بن هارون، ومسلم بن سعيد، والأصبغ بن زيد - وفيه قال أبو إسحاق الفزاري -: جئت إلى أبي حنيفة، فقلت له: ما اتقيت الله حيث أفتيت أخي بالخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن حتى قتل، فقال: قَتْلُ أخيك حيث قُتِل يعدل قَتْلَه لو قُتِل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خيرٌ له من الحياة، قلت له: ما منعك أنت من ذاك، قال: ودائع الناس كانت عندي.
وفيه بسنده، قال: ما زلت أسمع أن شعبة كان يقول في نصرة إبراهيم بن عبدالله للناس إذا سألوه: ما يقعدكم؟ هي بدر الصغرى.
قلت: وفي الشافي، وكان عالماً فاضلاً خطيباً مصقعاً شاعراً مفلقاً شجاعاً بحيث لا يبالي دخل على الموت أو خرج إليه، واجتمع معه من الزيدية والمعتزلة وأصحاب الحديث ما لم يجتمع مع أحد من أهل بيته عليهم السلام، ولسنا نستقصي العلماء الذين بايعوه، وإنما نذكر منهم الأكثر ممن بلغ إلينا علمه، فمنهم: إبراهيم بن نميلة، الملقب بالكامل علماً وعملاً وشجاعةً، والمضَّا بن القاسم الثعلبي، ومعاوية بن حرب بن قطن العالم الزاهد، وعبَّاد بن منصور الشامي، وبشير الرحال، ومطر الوراق، وحكم المعتزلي، وانطوى ديوانه على مائة ألف مقاتل.
وذكر أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني رحمه الله تعالى في كتابه الذي ذكر فيه من خرج من الطالبيين..إلى قوله: خرج الناس كلهم مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قال: وخرج أصحاب الحديث معه جميعاً: شعبة بن الحجاج، وهشيم بن بشير، وعباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وقتل ولد هشيم.(1/95)