شعر عبدالله بن جعفر بن المسور أن الأمور لا تسير كما يجب فاقترح على محمد أن يذهب إلى مكة لعله يجد مخرجاً وفسحة ليعيد تنظيم أموره ولا يمكن العباسيين من نفسه.
رفض محمد هذا الاقتراح وتذكر ما فعل يزيد بأهل المدينة وخشي أن تكرر نفس الحادثة، فكيف يتركها نهباً للجيش العباسي، وكيف يترك أهلها في وقت الضيق، وفي اليوم الثاني اشترك محمد في القتال، وكان في مقدمة الصفوف، وهو مشهور بالشجاعة ويشبهونه بحمزة بن عبد المطلب ويصفه من رآه بأنه كان يفري الناس فرياً، وقد قتل بيده يومها سبعين رجلاً، حمل راية محمد عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، وكان شعاره: أحد أحد.
قلت: هذكا، ويحمل على الحكاية، قال: وهو شعار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين، وأشار في الهامش إلى أن الطبري ذكره (ج7 ص586).
قلت: وقال الطبري: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت قال: انصرف محمد يومئذ قبل الظهر حتى جاء دار مروان فاغتسل وتحنط، ثم خرج، قال عبد العزيز بن أبي ثابت: حدثني عبدالله بن جعفر، قال: دنوت منه، فقلت له: بأبي أنت إنه والله مالك بما رأيت طاقة وما معك أحد يصدق القتال، فاخرج الساعة حتى تلحق بالحسن بن معاوية بمكة فإن معه جلة أصحابك، فقال: يا أبا جعفر والله لو خرجت لقتل أهل المدينة.
قلت: وفي كتاب حركة النفس الزكية ومعه ابن خضير واسمه إبراهيم بن مصعب بن الزبير، وهذا الأخير يناشد محمداً أن يترك المدينة ويذهب إلى البصرة، وهناك أخوه إبراهيم ويستطيع جمع الناس حوله مرة ثانية، ولكن محمداً يرفض هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً كما رفض الاقتراح الأول لذهابه إلى مكة، وكأن محمداً كان يعرف مصيرهُ، ولكنه يريد أن تكتمل المأساة كما اكتملت في كربلاء..إلى قوله: ويقول لابن خضير: (لا تبتلون بي مرتين).(1/86)


قال: ويلتفت إلى ابن خضير، ويطلب منه أن يذهب حيث شاء، وهو في حل من مساعدته في هذه الشدة، ولكن النفوس الشريفة لا تستطيع أن تتخلى عن أصدقائها في اللحظات الحرجة، ولو كان ذلك يكلفها الموت، فيقول له ابن خضير: وأين المذهب عنك.
وهذا ما حصل مع الحسين بن علي حين طلب من الذين حوله أن يتركوه وحده يواجه جيش العراقي، ولكنهم رفضوا، استأذن ابن خضير ودخل المدينة، واتجه مباشرة إلى السجن فأخرج أمير المدينة السابق رياح بن عثمان وأخاه عباس وذبحهما، وأحرق الديوان الذي فيه ذكر أسماء أصحاب محمد، ثم رجع وقاتل مع محمد حتى قُتِل، وكان الخراسانيون إذا رأوه ابتعدوا عنه وتفرقوا.
ومن الذين صمدوا وصبروا مع محمد قوم من مدينة جهينة يقال لهم: بنو شجاع كسروا أغماد أسيافهم، وقاتلوا حتى قتل أكثرهم.
إلى قوله: أراد محمد مبارزة حُميد بن قطحبة من قواد الجيش العباسي، فرفض هذا الأخير، وكأن محمداً أراد نهاية المعركة إما بقتل أكبر قوَّاد الجيش المعادي، أو مقتله هو.
قلت: وقد ساق أكثر هذه الأخبار في الشافي والحدائق الوردية وغيرهما، وإنما آثرنا النقل من كتب العامة الموثوق بها عند الفريقين لتأكيد الحجة عليهم.
وروى في الشافي من طريق الطبري بسنده، قال: لما حج أبو جعفر سنة أربعين حج تلك السنة محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن، وهما متغيبان فاجتمعوا بمكة، وأرادا اغتيال أبي جعفر، فقال لهم الأشتر عبدالله بن محمد بن عبدالله: أنا أكفيكموه، فقال محمد: لا والله لا أقتله غيلة حتى أدعوه، فنقض عليهم أمرهم ذلك، وكانوا قد أجمعوا عليه فافرق بين أقوال الأئمة والجبابرة إن كنت من أهل الدين والبصيرة..إلى آخر كلامه عليه السلام.
قال: وكان شدة هرب محمد بن أبي جعفر أن أبا جعفر كان قد عقد له بمكة مع المعتزلة، فهذا أبو جعفر قد نكث البيعة مضافاً إلى ما ركب من المعاصي، وقد كان لا يدع لله حرمة فيما يشد سلطانه.(1/87)


إلى قوله: ولقد صار الفقيه بمذهبه الواهي في حيرة إن تولى آخر العترة سلخوا وجه مذهبه وعرَّوا عوده من لَحيه، وإن تولى جعفر بن محمد، وعبدالله بن الحسن وأهل بيته فقد أجمعوا على عداوة بني العباس وتخطيتهم، وإن قال: إنما أريد الحسن والحسين عليهما السلام، وعلي بن الحسين والحسن بن الحسن نقض عليه ذلك حفظ الولاء لمعاوية ويزيد فهو في مذهبه هذا كصاحب الثياب الخلقة كلما خاطها من جانب تهتك من جانب آخر، فنعوذ بالله من اعتقاد يؤدي إلى الحيرة في الدنيا والآخرة.(1/88)


الإمام إبراهيم بن عبدالله
الزلف:
19- ويَتْلُوهُ إبراهيمُ ثُمَّ الحسينُ قدْ .... دعا بعدَهُ يحيى وللسمِّ جارعُ
التحف: في هذا البيت ثلاثة أئمة:
الإمام أبو الحسن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط عليهم السلام، وهو شقيق الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية.
مولده عليه السلام: سنة خمس وتسعين.
صفته عليه السلام: قال الإمام أبو طالب عليه السلام: إنه كان سائل الخدين، خفيف العارضين، أقنى الأنف، حسن الوجه، قد أثر السجود في جبهته وأنفه.
دعا بعد قتل أخيه سنة (145) وبايعته المعتزلة مع الزيدية، وفضلاء الأئمة.(1/89)


استشهاده عليه السلام
في أيام أبي الدوانيق في ذي الحجة من هذه السنة، وعمره خمسون سنة.
قلت: قال الطبري: لما خُرِجَ ببني حسن قال إبراهيم بن عبدالله بن حسن:
ما ذكرُكَ الدِّمنة القفارَ وأهل الـ .... ـدار إما نَأوْك أو قَرُبوا
إلا سَفَاهاً وقد تَفزَّعكَ الشـ .... ـيبُ بِلونٍ كأنه العُطُب
ومرَّ خمسون من سِنِيكَ كما .... عدَّ لك الحاسبون إذ حَسَبوا

إلى قوله:
نفسي فدت شيبةً هناك وظنـ .... ـبُوباً به من قيوده ندبُ
والسادة الغر من بنيه فما .... روقب فيه إلاً له ولا نسب
يا حِلَقَ القيد ما تضمن من .... حلمٍ وبِرٍّ يشُوبُه حسبُ
وأمهات من العواتك أخـ .... ـلصتك بيض عقائل عُرُبُ
كيف اعتذاري إلى الإله ولم .... يُشْهَرن فيك المأثورة القُضُبُ
ولم أقد غارة مُلَمْلَمَة .... فيها بنات الصريح تنتحب
والسابقات الجياد والأسل الـ .... ذبل فيها أسنة ذُرُبُ
حتى نوفي بني نُتَيْلَةَ بالقسـ .... ـط بكيل الصاع الذي احتلبوا
بالقتل قتلاً وبالأسير الذي .... في القيد أسرى مصفودة سلب
أصحب آل الرسول أحمد في النـ .... ـاس كذي عرة به جَرَبُ
بؤساً لهم ما جنت أكفهم .... وأي حبل من أمة قضبوا
وأي حبل خانوا المليك به .... شدّ بميثاق عقدة الكَرَبُ

وفي الطبري: لما قدم بعبدالله بن حسن وأهله مقيدين فأشرف بهم على النجف قال لأهله أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذه الطاغية؟ قال: فلقيه ابنا حي الحسن وعلي مشتملين على سيفين، فقالا له: قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريد، قال: قد قضيتما ما عليكما، ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً.
إلى قوله: فحبس بني حسن بالهاشمية..إلى قوله: أتى بهم أبو جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن حسن، فقال: أنت الديباج الأصغر؟ قال: نعم، قال: أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك، ثم أمر باسطوانة مبنية ففرقت ثم أُدخل فيها فبنى عليه وهو حي.(1/90)

18 / 101
ع
En
A+
A-