قال في الطبقات: محمد النفس الزكية..إلى قوله: محمد بن عبدالله الكامل، قال ابن عنبه: إنما لقب المهدي لحديث: إن المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، وتطلعت إليه نفوس بني هاشم وعظموه، وكان جم الفضائل كثير المناقب.
حكى أبو الفرج أن المنصور أخذ بركابه ذات يوم حتى ركب، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم هذا مهدينا أهل البيت، وكان المنصور قد بايعه ولأخيه إبراهيم مع جماعة من بني هاشم.
قلت: وفي مقاتل الطالبيين بسند صحيح أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء..إلى قوله: وقال أبو جعفر - أي المنصور - بأي شيء تخدعون أنفسكم، فوالله لقد علمتم ما الناس إلى أحدٍ أصور - أي أميل - أعناقاً، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يريد محمد بن عبدالله -، قالوا: قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم فبايعوا جميعاً محمداً، ومسحوا على يديه.
وبسنده قال: بايع أبو جعفر محمداً مرتين إحداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له بالركاب، ثم قال: أما إنه إن أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف.
إلى قوله: وكان مالك بن أنس قد أفتى بالخروج مع محمد وبايعه، فلذلك تغيَّر المنصور عليه، فيقال: إنه خلع أكتافه، انتهى.
وقد خرّج له أبو داود، والترمذي، والنسائي ووثقه، وأما البخاري فقال: لا يتابع على حديثه، قال: فإذا كان هذا في حق إمام من أئمة أهل البيت متفق على جلالته وديانته فما ظنك بمن هو دونه.
قال عيسى بن زيد: لو أن الله أخبرنا في كتابه أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي لقلنا ذلك محمد بن عبدالله.(1/71)


قلت: وفي الحدائق الوردية ما روينا بالإسناد الموثوق به عن عمير بن الفضل الخثعمي، قال: رأيت أبا جعفر الذي لقب من بعد بالمنصور يوما، وذلك في زمن بني أمية، وقد خرج محمد بن عبدالله من دار أبيه، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بركابه حتى ركب ثم سوى عليه ثيابه على السرج، ومضى محمد، فقلت له - وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداً -: من هذا الذي عظمته هذا الإعظام..إلى قوله: قال: هذا محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت.
وانظر إلى أبي جعفر الملقب بالمنصور وصنيعه إلى محمد بن عبدالله عليهما السلام، وإقراره بفضله، وما انتهى إليه حاله بعد ذلك من سفك دمه في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حرم فيه عض شجرة، فكيف بغصن من أغصانه.
وروينا عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن أنه سئل عن أخيه محمد عليهما السلام أهو المهدي الذي يذكر؟ فقال: المهدي عدة من الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعده أن يجعل من أهله مهدياً لم يسمه بعينه، ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد الله أن يجعله المهدي الذي يذكر ففضل الله يمن به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره.(1/72)


وروينا عن أبي خالد الواسطي، قال: لقيت محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام قبل ظهوره، فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟ فقال: وما يسرك منه يا أبا خالد؟ فقلت: يا سيدي وكيف لا أسر بأمر يخزي الله به أعداءه، وينصر به أولياءه، فقال: يا أبا خالد أنا خارج وأنا والله مقتول، والله ما يسرني أن الدنيا بأسرها لي عوضاً عن جهادهم، يا أبا خالد إن امرأً مؤمناً لا يصبح حزيناً ويمسي حزيناً بما يعاين من أعمالهم إنه لمغبون مفتون، قال: قلت: يا سيدي والله إن المؤمن لكذلك، ولكن كيف بنا ونحن مقهورون لا نستطيع لهم تغييراً؟ فقال: يا أبا خالد إذا كنتم كذلك فلا تكونوا لهم جمعاً، وانفذوا من أرضهم. انتهى.
قال السيد أبو طالب عليه السلام: وروي عن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، قال: شهد مع محمد بن عبدالله من ولد الحسين أربعة: أنا، وأخي عيسى، وموسى، وعبدالله ابنا جعفر.
وروى أن أول قتيل من المسودة اشترك في قتله بين يديه عليه السلام موسى وعبدالله ابنا جعفر بن محمد، وكانا حاضرين معه في جميع جهاده حتى قتل، وأعطياه بيعتهما مختارين متقربين إلى الله تبارك وتعالى، واستأذنه أبو عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام لسنه وضعفه بالرجوع إلى منزله بعد أن خرج معه، فأذن له وكانت رايته مع الأفطس الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وخرج معه المنذر بن محمد بن المنذر بن عبدالله بن الزبير، وابن أبي ذيب، وابن عجلان، وخرج معه مصعب بن عبدالله بن الزبير، وابنه عبدالله بن مصعب، وأبو بكر بن سَبْرة الفقيه الذي يروي عنه الواقدي، وكان عمرو بن عبيد، ونفر من أعيان المتكلمين من معتزلة البصرة اختبروه، ووقفوا على غزارة علمه، ودعائه إلى القول بالعدل فبايعوه، ومن الناس من أنكر أن يكون عمرو بايعه، والصحيح هو الأول، ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.(1/73)


وقال في الشافي: كان ظهوره بالمدينة..إلى قوله: وظهور دعوته بخراسان ومبايعته جمهور أهلها له عليه السلام لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 145هـ خمس وأربعين ومائة، وروي: غرة رجب.
فخرج عليه السلام متوشحاً سيفه، وهو يقول لأصحابه: لا تقتلوا لا تقتلوا، ودخل المسجد قبل الفجر، فخطب الناس، ولما حضرت الصلاة نزل فصلى وبايعه الناس طوعاً إلا شرذمة وهرب رياح بن عثمان المُريّ عامل أبي جعفر على المدينة، وصعد دار مروان فأمر بهدم الدرجة فصعد إليه من أخذه من هناك، وجاءوا به إليه عليه السلام، فسأله عن أخيه موسى، فقال: قد أنفذته إلى أبي جعفر المنصور، فبعث جماعة من الفرسان خلفه فلحقوه فردوه إليه، وخرج منها إلى مكة وبويع هنالك وعاد إلى المدينة.
إلى قوله: وقد كان عمرو بن عبيد وأعيان المتكلمين بايعوه، وبايعه علماء البصرة بعد أن وقفوا على غزارة علمه، وسعة فهمه، واجتمع عليه الزيدية والمعتزلة والعلماء من أهل الفقه والمعرفة، وعلموا دعاءه إلى العدل والتوحيد، وإقامة عمود الإسلام، وقد كان أبو جعفر من جملة من بايعه، وبايعه جعفر بن محمد عليه السلام، وخرج معه ثم أكب على رأسه فقبله، واستأذنه في الرجوع إلى منزله لسنه وضعفه، وخرج معه ولداه عبدالله ومحمد ابنا جعفر، وكان أول قتيل من المسودة الفجرة قتلاه واشتركا في قتله، وكان معه عيسى والحسين ابنا زيد.
إلى قوله: وفزع الناس إلى مالك بن أنس الأصبحي يستفتونه في بيعة محمد بن عبدالله والقيام معه فأفتاهم بوجوب ذلك عليهم..إلى قوله: وكان أبو جعفر لا ينكر حق محمد بن عبدالله ولا يطمع في الأمر هو ولا أحد من أهل بيته إلا أن يكون لهم شركة القرابة في الخدمة والمشايعة.
إلى قوله: وولى عليه السلام قضاء المدينة عبد العزيز بن المطلب المخزومي وكان على جيوان العطاء عبدالله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وعلى شرطته عبد الحميد بن جعفر.(1/74)


إلى قوله: وكان الناس يتحدثون بأمره، وكان بين كتفيه خاتم يشبه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال فيه بعض شعراء الشيعة: وإن الذي تروي الرواة....إلخ.
البيتين السابقين، وقال فيه بعض شعراء خراسان:
إذا المهدي قام لنا وفينا .... أتانا الخير وانقطع البلاء
وقام به عمود الدين حقاً .... وولى الجور وانكشف الغطاء
بنفسي يثرب من دار هادٍ .... عليها من شواهده بهاء

إلى قوله: وقَتَل يوم قُتِل سبعة عشر رجلاً من عفاريت الإنس، وحاد عنه حُمَيْد بن قحطبة غير مرة، وقد دعاه إلى البراز ولما انهزم عسكره عليه السلام بحيلة المرأة الهاشمية العباسية التي كانت في المدينة.
إلى قوله: وكانت اليد له أمرت خادماً بقناع أسود رفعه في منارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمرت خداماً لها آخرين صاحوا في العسكر: الهزيمة الهزيمة إن المسودة قد جاءوا من خلفكم ودخلوا المدينة، فالتفت الناس فأبصروا الراية السوداء على المنارة فلم يشكوا في ذلك، فانهزم الناس.
إلى قوله: فقال: اللهم...إلخ الكلام السابق،..إلى قوله: قال: ابرز إلي يا حميد، قال: لا أبرز إليك وبيني وبينك ممن ترى أحد فمتى أنجحتهم رأيت رأيي.(1/75)

15 / 101
ع
En
A+
A-