وروى حسن بن علي بن يحيى بن أبي يعلى عن عمر بن موسى، قال: قلت لزيد بن علي: أكان علي إماماً؟
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبياً مرسلاً، لم يكن أحد من الخلق بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا كان لعلي ما ينكر الغالية، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي من بعده إماماً للمسلمين في حلالهم وحرامهم، وفي السنة عن نبي الله وتأويل كتاب الله فما جاء به علي من حلال أو حرام أو كتاب أو سنة كان رده عليه كفراً، فلم يزل ذلك حتى أظهر السيف وأظهر دعوته واستوجب الطاعة ثم قبضه الله شهيداً.
ثم كان الحسن والحسين فوالله ما ادعيا منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القول فيهما ما قال في علي عليه السلام، وأيضاً أنه قال: سيدا شباب الجنة، فهما كما سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانا إمامين عدلين فلم يزالا كذلك حتى قبضهما الله تعالى شهيدين، ثم كنا ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعدهما ولد الحسن والحسين، ما فينا إمام مفترضة طاعته، ووالله ما ادعى علي بن الحسين أبي ولا أحد منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا منزلة علي، ولا كان من رسول الله فينا ما قال في الحسن والحسين غير أنا ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهؤلاء يقولون حسدت أخي وابن أخي، أحسد أبي حقاً هو له، لبئس الولد أنا من ولد، إني إذاً لكافر إن جحدته حقاً هو له من الله، فوالله ما ادعاها علي بن الحسين، ولا ادعاها أخي محمد بن علي منذ صحبته حتى فارقني.
ثم قال: إن الإمام منا أهل البيت المفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين من شهر سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه وجرى على أحكامه وعرف بذلك، فذلك الإمام الذي لا تسعنا وإياكم جهالته.(1/61)


فأما عبد جالس في بيته، مرخٍ عليه ستره، مغلق عليه بابه تجري عليه أحكام الظالمين لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ؛ فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعته؟
وفي فضل زيد ما روى محمد بن سالم، قال: قال لي جعفر بن محمد: يا محمد، هل شهدت عمي زيداً؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت فينا مثله: قلت: لا، قال: ولا أظنك والله ترى فينا مثله إلا أن تقوم الساعة، كان والله سيدنا ما ترك فينا لدين ولا دنيا مثله.
وروى عن محمد بن علي أنه قال - وأشار إلى زيد -: هذا سيد بني هاشم، إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا استنصركم فانصروه.(1/62)


وخفقت رايات الجهاد
ولما دعا الخلق إلى كتاب الله وسنة جده، أخبرهم بما عهد إليه آباؤه بأنه سيقتل ويصلب، وأمرهم بالتثبت في الدين، وأن لا يقاتلوا على الشك.
وقال صلوات الله عليه حين خفقت عليه الرايات: (الحمد لله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أني لقيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف، ولم أنههم عن منكر، والله ما أبالي إذا قمت بكتاب الله وسنة نبيه أنه تأجج لي نار، ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم، جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بنوه، يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجة الله عليكم).
وقال: (نحن الأوصياء والنجباء والعلماء، ونحن خزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة رسول الله، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر - أي أهل المراقبة للصلوات في هذه الأوقات، بهذا المعنى فسر كلامه الناصر للحق عليه السلام -).
وقال - والمصحف منشور بين يديه -: (سلوني، فوالله ما تسألوني عن حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وأمثال وقصص، إلا أنبأتكم به، والله ما وقفت هذا الموقف إلا وأنا أعلم أهل بيتي بما تحتاج إليه هذه الأمة).
استشهد عليه السلام: في زمن هشام بن عبد الملك الأموي، ليلة الجمعة لخمس بقين من محرم سنة اثنتين وعشرين ومائة، وله من العمر ست وأربعون سنة.(1/63)


شيء من كراماته عليه السلام
وله كرامات جمة، حال قتله وصلبه وتحريقه، منها: ظهور رائحة المسك منه بعد صلبه، حتى قال رجل لآخر: أهكذا توجد رائحة المصلوبين؟ فسمعا هاتفاً يقول: هكذا توجد رائحة أبناء النبيين، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.
ومنها: أن الله تعالى سخر ما يمنع من كشفه عند صلبه، فنسجت عليه العنكبوت، فلما أزالوه استرخى من جسده من السرة إلى الركبة ما ستر جميع ذلك.
ومنها: أنها لما كثرت الآيات حال بقائه أحرقوه، وذروه في البحر، فاجتمع في الموضع كهيئة الهلال.
قال الديلمي - صاحب القواعد -: قد رأيناه، ويراه الصديق والعدو، بلا منازع. انتهى. ?يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ?...الآية، صلوات الله عليه وعلى الباذلين أنفسهم في رضاء الله حقاً.(1/64)


أولاده عليه السلام
الإمام يحيى - وجده أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية -، وعيسى، ومحمد، والحسين، وأعقب هؤلاء الثلاثة من ولده عليهم السلام.
ومن أراد الاستكمال للأخبار في الإمام، والإطلاع على خطبه ومقاماته ومواقفه فعليه بكتب الإمام الهادي إلى الحق، والإمام المؤيد بالله، وأبي طالب، والإمام أحمد بن سليمان، وأبي العباس، والمنصور بالله، والأمير الحسين، وغيرهم من علماء الأمة.(1/65)

13 / 101
ع
En
A+
A-