أولاده رضي اللّه عنه
الحسن أبو محمد، وعلي أبو الحسن، وابنة، أمهم أم العباس بنت علي بن العباس بن محمد بن إبراهيم الحسني.(1/141)


بيعته ونبذ من سيرته بعد البيعة، ومدة ظهوره وموضع قبره
كاتَبَه رضي اللّه عنه ـ وهو مقيم ببغداد على الجملة التي وصفناها ـ أهلُ الخير والصلاح والدِّين من أعيان الديلم بأنهم يبايعونه وينصرونه إن خرج إليهم، وورد عليه نفرٌ منهم يخاطبونه في هذا المعنى، ولزموه وخاطبه أبو الفوارس مانادر بن جستان ملك الديلم بأنه يبايعه ويتبعه ويبذل في نصرته المجهود ويعينه بماله ورجاله، فتعين عليه الفَرْضُ في الخروج، فخرج من بغداد مستتراً لا يقف على خروجه إلا خواصٌ من أهلِ العلم الذين بايعوه ببغداد سراً، وكان مُعِزّ الدولة غائباً عنها إلى الموصل لمحاربة بني حمدان، وقد كان اجتمع للعلوية من أوقافهم مالٌ كثير أراد تفرقته فيهم، وكان موَدَّعاً في (درب عون) ولم يكن يقف عليه أحد، فحين خرج من بغداد كتب رقعة على يد صاحب مرقعة وذكر فيها مبلغ المال والموضع الذي هو مودع فيه، وأن سبيله أن يفرَّق فيهم، وأمر حامل الرقعة بتسليمها إلى بعض الثقات وأن يتصرف قبل أن يوقف على خبره، ففعل ذلك وأخذ ذلك المال العظيم وفرقهُ والناس يبكون أسفاً عليه وعلى أمانته إذ فارقهم مثله.
وعرف معز الدولة خبره فغمه ذلك غماً شديداً وعاتب [ولده] بختيار عتاباً طويلاً؛ لأنه ظن أنَّه خرج لوِحْشَةٍ عرضت له من جهته.(1/142)


وأخذ رضي اللّه عنه على طريق الشهرزور ووقع إلى موضع يعرف بالبير، ومن هناك أخذ دليلا، وسار حتى وصل إلى ماناذر بالروذبار، فلما عرف ماناذر خبره استقبله وخدمه وترتب في الموضع المعروف ببرزمى من أرض الديلم، وذلك في سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، وتتابع إليه المسلمون من سهل الديلم وجبلها، وقوم من الجيل، ونفر من طبرستان، فبايعوه وضم إليه ماناذر جمعاً كثيفا من أصحابه ورئيسهم باكا ليجار بن أخته. وبَثَّ رضي اللّه عنه دعوته في النواحي، ثم نزل عن الجيل قاصداً هوسم وواليها أبو محمد الحسن بن الثائر جعفر بن محمد المعروف بأميركا فصمد أميركا هذا لحربه والتقيا، فاستظهر عليه ابن الثائر، وانحاز رضي اللّه عنه إلى ناحية مانادر، ثم جمع العساكر وعاوَدَ القتال ثانيا ومعه عدد كثير، ولحق به أبو محمد الحسن بن محمد الناصر من الري وهو ابن أخته، فلم يلبث له ابن الثائر في هذه الوقعة، وانهزم وتحصن في قلعة كانت في يده تعرف بقلعة (ليال استان) وراء هوسم على حد أرض الجيل، فتمكن رضي اللّه عنه من هوسم، وأنفذ أمره إلى الديلم، وتلقب بـ (المهدي لدين اللّه) ونقاد له كثير من الجيل.(1/143)


ومن تأثيره العظيم في باب الدين أن الديلم كانوا يعتقدون أن من خالف القاسم [بن إبراهيم] عليه السلام في فتاويه فهو ضَالّ، وكل قول يخالف قوله فهو ضلالة، والجيل يعتقدون مثل هذا في قول الناصر رضي اللّه عنه، ولم يكن سمع هناك قبل دخوله إلى تلك الناحية أن كل واحد من القولين حق، فأظهر رضي اللّه عنه هذا المذهب فيما بينهم، وهو: أن كل واحد منهما صواب، وتكلم فيه وبَيَّنه لهم وناظره منهم قوم كانوا معدودين في جملة الفقهاء، وهم الديلم القاسمية، فقد كان فهيم نفر يحفظون كثيراً من مسائل القاسم ويحيى [بن الحسين] عليهما السلام، وإن لم يكونوا يتحققون بالنظر ولا يفهمون طريقه ولا يفهمون أكثر ما ورد عليهم فيما يتعلق بهذا الجنس، فأما الجيل فما كان فيهم من ينتهي إلى هذا الحد أيضا وإنما كانوا عوام مقلدة، إلا أنَّه كان فيهم تعصب شديد في هذا الباب، وكان بعضهم يفَسِّق بعضا في هذه المسألة، وربما كَفَّروا، وأكثرهم كانوا لا يحفظون في هذا الباب إلا مسألة: البنت مع العصبة، فيجري بين الطائفتين فيها من النزاع والتضليل والتفسيق ما هو معروف، وقد بقي هذا الخلاف بعد في كثير منهم إلا أن من يرجع منهم إلى تحصيل ودارية وفكر في الدين قد رجعوا عنه، والسبب فيه بركاته رضي اللّه عنه، وكان يتعب معهم في تبيين هذه المسألة لهم ويُضْجِرونه بجهلهم وإيراد جهالاتهم عليه معتقدين في أنفسهم أنهم يناظرونه، إلا أن آخر الأمر اعتقد هذه القول أكثر من يرجع إلى ضرب من الدين من الطائفتين، وشاع ذلك بعد أن كان أحد لا يجسر على أن يتكلم به قبله، واستمر ذلك بحشمته وهيبته واعتقاد الجماعة فيه على الجملة أنَّه عالم متفق على علمه مع قدح كثير من جهالهم فيه، ووصفهم له بأنه معتزلي مرة، وبأنه حنفي مرة أخرى، وظهر هذا الصلاح ببركته وبقي إلى يومنا هذا، ومن بقي منهم على الجهل الأول يسمون هؤلاء أصحاب القولين، إلا أن الغلبة قد صارت لهؤلاء لاتفاق أهل التحصيل(1/144)


منهم عليه.
ثم جمع ابن الثائر أبو محمد جيشاً كثيفاً وعدداً كثيراً من الديلم وخرج من القلعة، فحاربه رضي اللّه عنه فانهزم أصحابَه وثبت وحده فقبض عليه أبو محمد واعتقله على تكرمة، ثم أفرج عنه لأنه علم أنَّه لا يتم له إعتقاله ولا يحتمله المسلمون من الجيل والديلم عليه، فاعتذره وبايعه وصار من أتباعه، وخرج إليه أخوه زيد من آمل فَسُرَّ به واعتمده في أمر الجيش وفوض إليه أمره.
ودبر للخروج إلى آمل وجَمَع الجيوش، فلما ظهر هذا الخبر أُشخص من آمل إلى جرجان كبار العلوية كلهم خشية أن ينضموا إليه، وكوتب من جرجان نصر بن محمد الاستنذار بمحاربته، وأنفذ إليه من طبرستان أعيان الجيل مثل: رباح بن مالي، وكفتيار، ودمكة، ومن يجري مجراهم.
وخرج رضي اللّه عنه من (هوسم) واستخلف عليها بن الثائر أبا محمد الذي تقدم ذكره ووثق به وسكن إليه، وفارقه أبو محمد الحسن بن محمد الناصر وعاد إلى الري مستوحشا منه لاستخلافه أبا محمد بن الثائر، وجاء رضي اللّه عنه إلى شالوس مع عسكر عظيم من الجيل والديلم، وامتد نصر بن محمد الاستندار إلى هناك مع هؤلاء المتقدمين إليه من طبرستان فالتقوا بـ(شالوس)، فأوقع بهم رضي اللّه عنه وقتل منهم مقتلة عظيمة وهام الأستندار مع الأعيان من هؤلاء على وجوههم، ثم وقع تخليط في عسكره رضي اللّه عنه بسوء تدبير من كان اعتمده وخيانة بعض أقاربه له لخديعة اتجهت عليه، فلم يتمكن من الامتداد إلى (طبرستان) وعاد إلى (هوسم) فأقام بها على ضجر شديد من سوء أدب كثير من أولئك الديلم والجيل، وكان يتأذَّ بتلونهم ونفاقهم وقلة وفائهم بما كانوا بذلوا له أيام مقامه ببغداد.(1/145)

29 / 30
ع
En
A+
A-