أولاده عليه السلام
محمد المرتضى، وأحمد الناصر، وفاطمة، وزينب، وأمهم فاطمة بنت الحسن بن القاسم بن إبراهيم، والحسن، أمه صنعانية.(1/101)
بيعته ومدة ظهوره ونبذ من سيرته في ولايته
كان سبب ظهوره أن أبا العتاهية الهمداني كان من ملوك اليمن؛ فراسله عليه السلام وهو بالمدينة بأن يحضر اليمن ليبايعه ويتسلم الأمر منه.
فخرج عليه السلام إلى هناك، فبايعه أبو العتاهية وعشائره وجماعة أهل تلك الناحية، وقام بين يديه مختلعاً متجرداً تقرباً إلى اللّه تعالى وإنابة إليه، وذلك سنة ثمانين ومائتين، أيام الملقب بالمعتضد، وله حين ظهر خمس وثلاثون سنة.
واستقام له الأمر، وخوطب بأمير المؤمنين، ونُعِتَ بالهادي إلى الحق وحصل بـ(صعدة) حرسها اللّه وكانت بين (خولان) فتنة وخلاف ومحاربات، فأصلح بينهم، ثم دبَّر أمر البلاد وأنفذ العمال إلى المخاليف.
ثم فتح (نجران) وأقام بها مدة وساس الأمور بها وبث العدل فيها، ثم عاد إلى (صعدة) حرسها اللّه.(1/102)
ثم غلبت القرامطة على (صنعاء)، ورئيسهم رجل نَجَّار من أهل الكوفة يعرف بعلي بن الفضل وادعى النبوة، وسمع من عسكره التأذين بـ (أشهد أن علي بن الفضل رسول اللّه)!! واجتمع إلى هذا الرجل عدد كثير من أهل اليمن وغيرهم، وهَمَّ بأن يقصد الكعبة ويخربها. فبلغ ذلك إلى يحيى بن الحسين عليه السلام، فجمع أصحابه وقال لهم: قد لزمنا الفرض في قتال هذا الرجل، فَجَبُن أصحابه عن قتالهم واعتذروا بقلة عددهم وكثرة عدد أولئك، وكان أصحابه في ذلك الوقت المقاتلة منهم ألف رجل، فقال لهم الهادي إلى الحق عليه السلام: تفزعون وأنتم ألفا رجل، فقالوا: إنما نحن ألف، فقال: أنتم ألف، وأنا أقوم مقام ألف، وأكفي كفايتهم. فقال له أبو العشائر ـ من أصحابه وكان يقاتل راجلا ما في الرجالة مثله ـ : مافي الرجالة أشجع مني، ولا في الفرسان أشجع منك. فانْتَخِب من الجميع ثلا ثمائة رجل وسلِّحهم بأسلحة الباقين حتى نبيتهم فإنا لا نفي بهم إلا هكذا. فاستصوب عليه السلام رأيه فأوقعوا بهم ليلا وهم ينادون بشعاره عليه السلام ?وَلَيَنْصُرَنَّ اللّه مَنْ يَنْصُرَهُ إِنَّ اللّه لَقَوْيُّ عَزِيْزٌ? [الحج: 40]، فمنحوه أكتافهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم منهم شيئا كثيرا. حدثني بذلك أبو العباس الحسني رحمه اللّه عن أبي عبد اللّه اليمني ـ فارس يحيى بن الحسين عليه السلام ـ .
وحدثني عنه أنَّه قال: شهدت معه عليه السلام ثلاثا وسبعين وقعة مع القرامطة وكان يحارب بنفسه. قال: وإذا قاتل قاتل على فرس له يقال له: أبو الحماحم، ما كان يطيقه غيره من الدواب، لا لسمن كان به، بل كان وسطاً من الرجال لكنه كان شديداً قوياً، وكان يعرف بالشديد.
قال: ورأيته عليه السلام شَالَ برمحه رجلا كان طعنه به عن فرسه ورفعه فانثنى قضيب الرمح وانكسر.(1/103)
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه قال: سمعت غير واحد من أصحابه يحدث عنه أنَّه قبض على يد رجل بارزه وبيده السيف فَهَشَّم أصابعه على المقبض.
وحدثني أبو العباس رحمه اللّه قال: حدثني أبو العباس الفضل بن العباس رحمه اللّه، أنَّه قال: حدثني سليم مولى فلان وسماه لي وكان يلي خدمة الهادي عليه السلام في داره. قال: كنت أتبعه ـ حين يأخذ النَّاس فراشهم ـ في أكثر لياليه بالمصباح إلى بيت صغير في الدار كان يأوي إليه، فإذا دخله صرفني فأنصرف، فهجس ليلة بقلبي أن أحتبس، وأتيت على باب المسجد أنظر ما يصنع. قال: فسهر عليه السلام الليل أجمع ركوعاً وسجوداً، وكنت أسمع وقع دموعه صلى اللّه عليه ونشيجاً في حلقه، فلما كان الصبح قمت فسمع حسي، فقال: من هذا. فقلت: أنا. فقال: سليم ما عجل بك في غير حينك ؟! قلت : ما برحت البارحة جعلت فداك. قال: فرأيته إشتد ذلك عليه وحَرَّج عليَّ أن لا أحدث به في حياته أحدا. قال: فما حَدَّثَنَا به سليم إلا بعد وفاة الهادي إلى الحق عليه السلام أيام المرتضى.
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه عن أبي عبد اللّه اليمني رحمه اللّه قال: كنت أسمع الهادي عليه السلام كثيراً يقول: أين الراغب، أين من يطلب العلم، إنما يجينا مجاهد راغب في فضله متحرٍ ما عند اللّه لأهله، ولعمري إنَّه لأكبر فروض اللّه على عبده، وأحق ما كان من تقدمه يده، ولكن لو كان مع ذلك رغبة في العلم وبحث عنه لصادفوا من يحيى بن الحسين علماً جماً.
وقال أحمد بن يحيى: إنَّه سمع الهادي عليه السلام يقول: قد عَفُنَ العلم في صدري، كما يعفن الخبز في الجرة إذا طرح بعضه على بعض في جرة ثم لم يقلب.(1/104)
وكان عليه السلام إبتدأ بتأليف كتاب (الأحكام) بالمدينة، ولما انتهى إلى باب البيوع اتفق خروجه إلى اليمن، واشتغاله بالحروب فكان يملي بعد البيوع على كاتب له كلما تفرغ من الحرب، وكان قد هم بأن يفرع ويكثر من التفريع، فحالت المنية بينه وبين ذلك عليه السلام.
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه عن أبي الحسن الفارسي قال: سمعت علي بن العباس الحسني رحمه اللّه يقول: دخلت على يحيى بن الحسين عليه السلام بعيد سحر والشموع بين يديه وقد تدرع وتسلح لقتال القرامطة، وقد هجموا بجموعهم وقضهم وقضيضهم فوجدته مفكراً مطرقاً. فقلت: يظفرك اللّه بهم أيها الإمام ويكفيكهم فطال ما كفى. فقال: لست أفكر فيهم، فإني أود أن لي يوما كيوم زيد بن علي عليه السلام، ولكن بلغني عن فلان ـ وذكر بعض الطالبية ـ كذا وكذا من المنكر فغمني. فقال بعض من حضر: ويفعل أيضا كذا وكذا، فقال: سوءة لذلك الشيخ.
وحدثني أبو العباس رحمه اللّه عن أبي عبد اللّه اليمني رحمه اللّه أنَّه فقده يومين لِحُمَّى كانت به، قال: فبينا أنا واضع رأسي إذْ قُرِع البابُ، فقمت إذ لم يكن في المنزل غيري، فإذا أنا بالهادي عليه السلام وبيده تُوْر مغطى فيه بعض ما يصلح للمحموم. قال: كذلك كانت عادته يمرِّض أصحابه ويداوي جراحاتهم بيده، وكان أسر الأشياء إليه الضيافة، ويتعهد من يطعم عنده بنفسه.
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه، عن أبي القاسم عبد اللّه بن أحمد الطيب، عن أبي العباس الفضل بن العباس الأنصاري، وكان من خيار المهاجرين إلى يحيى بن الحسين عليه السلام. قال: كان يحيى بن الحسين يقول كثيراً: إنما أخذ لنفسي مثل ما أعطي أحدكم.(1/105)