الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع)
هو: أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمه: أم الحسن بنت الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ولد بالمدينة سنة خمس وأربعين[ومائتين]، وكان بين مولده وبين موت جده القاسم عليه السلام سنة واحدة، وحمُل حين ولد إليه، فوضعه في حجره المبارك، وعَوَّذه وبَرَّك عليه ودعا له، ثم قال لابنه: بم سميته؟ قال: يحيى. وقد كان للحسين أخ لأبيه وأمه يسمى: يحيى، توفي قبل ذلك، فبكى القاسم عليه السلام حين ذكره، وقال: هو واللّه يحيى صاحب اليمن. وإنما قال ذلك لأخبار رويت بذكره وظهوره باليمن، وقد ذكرها العباسي المصنف لسيرته عليه السلام.(1/96)


صفته عليه السلام وذكرعلمه وفضله ونبذ من سيرته
كان عليه السلام موصوفا من أيام صباه بفضل القوة والشدة والبأس والشجاعة، والاشتغال بالعلم والتَّوَفُّر عليه.
فأما الزهد والورع فمما لا يحتاج إلى وصفه به، لظهور الحال فيه عند الخاص والعام، والموافق والمخالف، ولأن الزهد أمر شامل لبيت القاسم بن إبراهيم عليه السلام عام في أولاده وأسباطه إلى يومنا هذا، لاسيما من لم يتَغَرَّب منهم ولم يختلط بأمرآء هذه البلدان.
- ومما حكي من قوته وشدته: أنَّه كان يأخذ الدينار بيده فيؤثر في سكته بإصبعه ويمحوها.
- ومن الحكاية المشهورة عنه أنَّه كان له على رجل حق قبل أن يلي الأمر، فماطله وامتنع من توفيته، فحَرِدَ عليه يوما، فأهوى إلى عمود حديد فلواه في عنقه، ثم سواه وأخرج عنقه منه.
- وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه، عن محمد بن علي بن سليمان الرسي، عن ابنٍ لمحمد بن القاسم عليه السلام، أن يحيى عليه السلام كان غلاما حَزَوَّراً بالمدينة، وكان طبيب نصراني يختلف إلى أبيه الحسين بن القاسم على حمار له يعالجه من مرض أصابه، فنزل عن الحمار يوما وتركه على الباب، فأخذ يحيى عليه السلام الحمار وأصعده السطح، فلما خرج الطبيب لم يجد الحمار، فقيل له: صعد به يحيى السطح، فسأله أن ينزله، فمن المثل السائر: إنما ينزل الحمار من صعد به. فأنزله وقد دميت بنانه، فبلغ ذلك أباه فزجره وخاف عليه أن ترمقه العيون.
- وحكي أنَّه كان عليه السلام: أسدياً، أنجل العينين، واسع الساعدين غليظهما، بعيد ما بين المنكبين والصدر، خفيف الساقين والعجز كالأسد.(1/97)


- وحكى أبو العباس الحسني رحمه اللّه، عن بعض من ورد تلك الناحية من العرب أن يحيى عليه السلام كان يدخل السوق بالمدينة وهو حَدَث في أوان البلوغ، وقد امتاروا من موضع، فيقول: ما طعامكم هذا؟ فيقال: الحنطة. فيدخل يده في الوعاء فيأخذ منها في كفه ويطحنه بيده، ثم يخرجه فيقول هذا دقيق. يُرِيَ شدته وقوته.
فأما تقدمه في العلم، فاشتهاره يغني عن تقصِّيه، ومن أحب أن يعرف تفصيله فلينظر في كتبه وأجوبته عن المسائل التي سئل عنها، ووردت عليه من البلدان، نحو (كتاب الأحكام)، و(المنتخب)، وكتاب (الفنون)، وكتاب (المسائل)، و(مسائل محمد بن سعيد)، و(كتاب التوحيد)، و(كتاب القياس).
وحدثني أبو العباس الحسني رحمه اللّه عن الفضل بن العباس أنَّه سمع محمد بن يحيى المرتضى رضي اللّه عنه أو غيره يقول: إن يحيى بن الحسين عليه السلام بلغ من العلم مبلغ يُخْتَارُ عنده ويُصَنِّف وله سبع عشرة سنه.
وحدثني رحمه اللّه عن أبي جعفر محمد بن العباس الحريري الفقيه، أنَّه سمع علي بن العباس الحسني رحمه الله تعالى يقول: إنَّه سمع أبا بكر بن يعقوب عالم أهل الرأيوحافظهم يقول ـ حين ورد عليه باليمن ـ: قد ضل فكري في هذا الرجل ـ يعني يحيى بن الحسين عليه السلام ـ فإني كنت لا أعترف لأحد بمثل حفظي لأصول أصحابنا، وأنا الآن إلى جنبه جَذَع، بينا أجاريه في الفقه وأحكي عن أصحابنا قولاً، إذ يقول: ليس هذا يا أبا بكر قولكم، فأَرَادُّه، فيخرج إلي المسألة من كتبنا على ما حكى وادعى، فقد صرت إذا ادعى شيئا عنَّا أو عن غيرنا لا أطلب معه أثراً.(1/98)


وحدثني رحمه اللّه قال: دخلت الري سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وكنت ارتحلت إلى شيخ العلوية وعالمها أبي زيد عيسى بن محمد العلوي رحمه اللّه ـ من ولد زيد بن علي عليه السلام ـ وإلى غيره من ابن أبي حاتم وآخرين، وحضرت مجلس النظر لأبي بكر الخطاب فقيه الكوفيين وحافظهم، فجريت مع من حضر في مسائل النظر، فقال: ما قرابة ما بينكم وبين أصحاب اليمن من أولاد يحيى بن الحسين وأولئك الأشراف؟ فقلت له: كان يحيى بن الحسين من أولاد إبراهيم بن الحسن بن الحسن. ونحن من ولد داود بن الحسن بن الحسن، وداود وإبراهيم أخوان، فنحن وهم بنوا الأعمام، ولكن أم يحيى بن الحسين كانت عمة جدي. قال: علمت أن هذا عن أصل، وكان يعجبه كلامي.
ثم أنشأ يحدث، قال: كنا عند علي بن موسى القمي فَذُكِرَ له خروج علوي باليمن يدعي الإمامة، فقال: حسني أم حسيني، فقيل: بل حسني، ويقال: إن له دون أربعين سنة، فقال: هو ذاك الفتى، هو ذاك الفتى. مرتين، فقلنا من هو؟ قال: كنا في مجلس أبي خازم القاضي يوم الجمعة، فدخل شاب له رَوَاء ومنظر فأخذته العيون ومَكَّنُوه؛ فجلس في غمار النَّاس، فما جرت مسألة إلا خاض فيها وذكر ما يختاره منها ويحتج ويناظر، فجعلوا يعتذرون إليه من التقصير، ثم أسرع النهوض فقيل لأبي خازم: هذا رجل من أهل الشرف من ولد الحسن بن علي عليه السلام، فقال: النَّاس قد علمنا أن ما خالط قلوبنا من هيبته لمنزلة له. فاجتهدنا أن نعرف مكانه وسألنا عنه فلم نقدر عليه.
فلما كانت الجمعة الثانية اجتمع النَّاس وكثروا شوقاً إلى كلامه ورجاء أن يعاودهم، فلم يحضر، فتعرفنا حاله فإذا ذلك تخوف داخله من السلطان، فكان أبو خازم يقول: إن يكن من هؤلاء أحد يكون منه أمر فهذا. ثم عاود علي بن موسى فقال: ألم أقل: إن العلوي هو ذاك الفتى، قد استعلمت فإذا هو ذاك بعينه .(1/99)


وحدثني رحمه اللّه، عن علي بن سليمان أنَّه قال: حضرنا إملاء الناصر الحسن بن علي عليه السلام في مصلى آمل فجرى ذكر يحيى بن الحسين عليه السلام، فقال: بعض أهل الرأي ـ وأكثر ظني أنَّه أبو عبد اللّه محمد بن عمرو الفقيه ـ : كان واللّه فقيهاً. قال: فضحك الناصر، وقال: كان ذاك من أئمة الهدى!!
وحدثني رحمه اللّه قال: سمعت أبا محمد الزركاني رحمه اللّه يقول: إنهم كانوا مع الناصر رضي اللّه عنه بالجيل قبل خروجه، فنُعِيَ إليه يحيى بن الحسين عليه السلام؛ فبكى بنحِيْبٍ ونشِيْجٍ، ثم قال: اليوم انهَدَّ ركن الإسلام. فقلت: ترى أنهما تلاقيا لّمَّا قَدِمَ يحيى بن الحسين طبرستان. قال: لا.
وحدثني رحمه اللّه قال: حدثني جدي رحمه اللّه: أن يحيى بن الحسين عليه السلام قدم آمل قبل ظهوره والناصر رضي اللّه عنه مع محمد بن زيد بجرجان ومعه أبوه وبعض عمومته والموالي، فنزلوا حجرة بخان العلاء ـ قال: وأشار إليها ونحن نجتاز بالخان ـ يوما. قال: ولم أسمع بأنه بلغ من تعظيم بشر لإنسان ما كان من تعظيم أبيه وعمومته له، ولم يكونوا يخاطبونه إلا بالإمام. قال: وامتلاء الخان بالناس حتى كاد السطح يسقط وعلا صيته، وكتب إليه الحسن بن هشام مَنْ سارَّية وكان على وزارة محمد بن زيد بأن ما يجري يوحش ابن عمك. فقال: ما جئنا ننازعكم أمركم، ولكن ذكر لنا أن لنا في هذه البلدة شيعة وأهلا فقلنا عسى اللّه أن يفيدهم منا. وخرجوا مسرعين وثيابهم عند القَصَّار وخفافهم عند الأسكاف ما استرجعوها.
قال: وحملنا إليهم من منزلنا لحما نيئاً ودجاجا وشيئا مما يصطبغ به من حصرم وغيره، فتناولوا إلا اللُحمان فإنها ردت إلينا كهيئتها، فسألنا الموالي عن سبب ردها، فقالوا: إنَّه يقول: بلغني أن الغالب على أهل هذا البلد التشبيه والجبر، فلم آمن أن يكون من ذبائحهم، فقد سمعت أن أهلنا بهذا البلد لا يتوقون ذبائحهم.(1/100)

20 / 30
ع
En
A+
A-