وقال أبو إسحاق الفزاري: جئت إلى أبي حنيفة فقلت له: ما اتقيت اللّه حيث أفتيت أخي في الخروج مع إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن حتى قتل! فقال لي: قَتْلُ أخيك حيث قُتِل يعادل قَتْلَه لو قتل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة!! قلت: فما منعك أنت من ذاك؟ قال: ودائع كانت للناس عندي.
وكان الأعمش يدعو إليه ويقول: ما يُقْعِدُكم عنه، أما إني لو كنت بصيراً لخرجت.
وظهر عليه السلام غُرَّة شهر رمضان، وورد عليه نعي أخيه النفس الزكية يوم الفطر، وقتل عليه السلام في ذي الحجة.
فكانت مدة ظهوره على خلافة أخيه عليهما السلام شهراً واحداً، ومدة قيامه بالأمر شهرين وأياماً.(1/66)


نبذ من سيرته عليه السلام
- أخذ عاملاً لأبي جعفر فقال له بعض أصحابه سَلِّمه مني، قال له: وما تصنع به؟ قال: أعذبه ليخرج المال الذي عنده. فقال: لاحاجة لي في مال لا يستخرج إلا بالعذاب!!
- وكان يقول متى أراد أن ينزل عن المنبر: ?اتَّقُوْا يَوْماً تُرْجَعُوْنَ فِيْهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُوْنَ? [البقرة: 281].
- وقال يوماً وهو على المنبر بعد ما خطب: " اللهم إن ذكرت اليوم أبناء بآبائهم وآباء بأبنائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى اللّه عليه وعلى آله يا حافظ الآباء في الأبناء والأيتام للآباء، إحفظ ذرية نبيئك ". فارْتَجَّ المصلى بالبكاء.
- وكان محمد بن عطية مولى باهلة وَلِيَ بعض أعمال فارس لأبي جعفر؛ فظفر به أصحابه عليه السلام وحملوه إليه، فقال: هل عندك مال؟ قال: لا. قال: اللّه. قال: اللّه. فقال: خلوا سبيله. فخرج ابن عطية وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر. يعني أنَّه كان ينبغي له أن لا يقتصر منه على اليمين وأن يستخرج منه المال ، وإن المحق الذي يراعي أمر الدين فيما يفعله لا يقاوم المبطل الذي لا يبالي بما يقدم عليه.
- وأتاه قوم من أصحاب الصباغ فقالوا: يا ابن رسول اللّه إنا قوم من غير العرب، وليس لأحد علينا عَقْدٌ ولا ولاء، وقد أتيناك بمال فاستعن به. فقال: من كان عنده مال فليعن أخاه فأما أنْ آخذه فلا!!
- وكان يقول: هل هي إلا سيرة علي أو النار.
- وأرسل إلى عبد الحميد بن لاحق بأنه بلغني أن عندك مالاً لهؤلاء الظلمة، فقال: ما لهم عندي مال، قال: اللّه. قال: اللّه. فخلى سبيله وقال: إن ظهر أن لهم عندك مالا عددتك كذَّاباً.(1/67)


- وحكى شيبة كاتب مسعود المورباني أن جماعة من الزيدية دخلوا عليه فنالوا منه، وقالوا: هات ما معك من مال الظلمة. [قال شيبة:] وأدخلوني إلى إبراهيم فرأيت الكراهة في وجهه، فاستحلفني فحلفت فخلى سبيلي، فكنت أسال عنه بعد ذلك وأدعو له حتى نهاني مسعود.
- وخطب يوما على المنبر فقال: " أيها النَّاس إني وجدت جميع ما يطلب العباد من جسيم الخير عند اللّه في ثلاثة: في المنطق، والنظر، والسكوت، فكُلُّ منطق ليس فيه ذِكْرٌ فهو لغو، وكل سكوت ليس فيه فِكْرٌ فهو سهو، وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو غفلة، فطوبى لمن كان منطقه ذكراً، ونظره اعتباراً، وسكوته تفكراً، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسلم المسلمون منه ". فعجب النَّاس من كلامه.
- وأَسَرَ أصحابه رجلا يعرف بمحمد بن يزيد من موالي أبي جعفر، وكان تحته فرس يحاذي رأسُه رأسَه، قال محمد بن يزيد: فحبسني إبراهيم ثم أرسل إلى: بعني فرسك، قال: فقلت: هو لك يابن رسول اللّه، فقال لأصحابه: كم يساوي؟. فقالوا: ألفي درهم. فبعث إلي بألفين وخمسمائة درهم، فلما أراد المسير إلى الحرب أطلقني.
- قال محمد بن أبي طلحة العذري: بعث إبراهيم إلى أبي أيام ظهوره وهو مستتر عنه بأن عندك مالا لأبي جعفر، فأخرجه إلينا. فأرسل إليه أبي: أجل إن عندي مالا لأبي جعفر فإن أخذته مني غَرَّمَنِيه أبو جعفر. فأضْرَبَ عنه.
- ووجد في بيت مال البصرة ألف ألف درهم، ففرق ذلك في عسكره، فأصاب كل واحد منهم خمسين خمسين، وكانوا يأخذون ذلك ويقولون: خمسون والجنة .(1/68)


عماله عليه السلام
وَلَّى قضاء البصرة عباد بن منصور، وبيت المال سلمان بن أبي واصل، وَوَلَّى هارون بن سعد واسط وأعمالها، وَوَلَّى المغيرة بن الفرع الأهوار، فخرج إليها وطرد أصحاب أبي جعفر عنها وتمكن منها، فأنفذ أبو جعفر بخازم بن خزيمة مع أربعة آلاف رجل إليه فحاربه المغيرة وهزمه.(1/69)


مقتله عليه السلام وموضع قبره
خرج عليه السلام من البصرة لقتال أبي جعفر وعلى ميمنته: عيسى بن زيد، وعلى ميسرته: برد بن لبيد اليشكري، وأنفذ أبو جعفر: عيسى بن موسى في عسكر عظيم، والتقوا بـ(باخمرا) بين البصرة والكوفة، فانهزم عيسى وأصحابه، وإبراهيم عليه السلام واقف على فرس له ينظر إلى المنهزمين، حتى جاءه سهم غائر فأصاب جبينه، فاعتنق فرسه واحتوشه الزيدية، وأنزلوه عن فرسه وأخذه بشير الرحال، وأسنده إلى صدره، حتى قضى عليه السلام، وبشير يردد: ?وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوْراً? [الأحزاب: 38]، وذلك يوم الاثنين في أول ذي الحجة من سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل لخمس بقين من ذي القعدة، وأُخِذ رأسه وحُمِل إلى أبي جعفر، ودفن بدنه بباخمرا صلوات اللّه ورضوانه عليه.(1/70)

14 / 30
ع
En
A+
A-