مقتله ومبلغ عمره وموضع قبره
وجه إليه أبو جعفر [الدوانيقي]: عيسى بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس ؛ فخندق [محمد بن عبد اللّه] على المدينة عليه السلام، وحاربه إلى أن قتل في شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل سنة ست، وقيل: إنَّه قتل عن اثنتين وخمسين سنة، وهذا مخالف لما ذكرناه من تاريخ مولده ويجب أن يكون أحدهما غير صحيح والله أعلم بالحقيقة.
طعنه حميد بن قحطبة في صدره، ثم ضرب على ذقنه فسقط، وحَزَّ رأسه حميد بن قحطبة.
ولما استشهد وأنفذ رأسه إلى أبي جعفر استوهبت جثته أخته زينب من عيسى واستأذنته في دفنه فأذن لها في ذلك، فدفن بالمدينة بالبقيع وقبره مشهور مزور.(1/61)
الإمام إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن
هو: أبو الحسن، إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قال بعض أصحاب الأنساب: كل من اسمه إبراهيم من متقدمي آل أبي طالب فإنه يكنى أبا الحسن، فأما من يكنيه عليه السلام بأبي إسحاق فليس يقول ذلك عن عِلْم، وإنما يقوله قياساً، وقَوَّى أيضا ذكره بهذه الكنية قولُ سَدِيْف فيه حين ظهر:
إيهٍ أبا إسحاق مليتها .... في نعم تترى وعز طويل
واذكر هداك اللّه دخل الأولى .... بيتموهم في وثيق الكبول
وإنما قال ذلك سديف عن غير علم، وقصد به القياس في الأسماء والكنى، ولأن ذلك اتسق له في وزن الشعر.
وأمه: أم أخيه المهدي محمد بن عبد اللّه، وهي هند بنت أبي عبيدة.(1/62)
صفته عليه السلام
روي أنَّه عليه السلام كان: سائل الخدين، خفيف العارضين، أقنى الأنف، حَسَن الوجه، قد أثر السجود في جبهته وأنفه، وكان تلو أخيه محمد النفس الزكية في العلم والدِّين والشجاعة، وكان خطيباً فصيحاً جَيِّد النقد للشعر، حسن البديهة، ذكر المفضل أن سبعين قصيدة من أول اختياراته اختياره، وأنه كان متوارياً في منزله قبل ظهوره، فطلب منه من الدفاتر ما يأنس بالنظر فيه، فأخرج إليه شيئا من الشعر؛ فاختار منه ذلك، وله في مرثية أخيه النفس الزكية:
سأبكيك بالبيض الرِّقاق وبالقنا .... فإنَّ بها ما يدرك الطالب الوتر
ولست كمن يبكي أخاه بعَبْرةٍ .... يعصرها من جفن مقلته عصر
ولكنني أشفي فؤادي بغارة .... ألَهِّب في قطري كتائبها جمر(1/63)
بيعته عليه السلام ومدة ظهوره
قد كان عليه السلام خرج إلى البصرة قبل ظهور أخيه النفس الزكية بالمدينة داعياً إليه، وتوارى بها مدة، وكان أخوه عَهِد إليه ونص بالإمامة بعده عليه، فأقام هناك مدة يدعو إليه، فلما ظهرت دعوته بالمدينة أظهر هو الدعاء إليه، وذلك ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخذ البيعة لأخيه واستولى على البصرة، وقام بالأمر هناك على خلافته، إلى أن ورد عليه نعيه أول يوم من شوال سنة خمس وأربعين ومائة وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد، فصلى بالناس ثم رقى المنبر وخطب وذكر قَتْلَه ونعاه إلى النَّاس، وتمثل بهذه الأبيات:
أبا المنازل يا خير الفوارس من .... يُفْجَع بمثلك في الدنيا فقد نجِعَ
اللّه يعلم أني لو خشيتهم .... أو أوجس القلب من خوف لهم فزعاً
لم يقتلوك ولم أسلم أخَيَّ لهم .... حتى نموت جميعا أو نعيش معاً
ثم بكى، ثم قال: " اللهم إن كنت تعلم أن محمداً إنما خرج غضباً لك، ونفياً لهذه النكتة السوداء، وإيثاراً لحقك فارحمه واغفر له واجعل له الآخرة خيراً مرداً ومنقلباً من الدنيا ". ثم جَرَضَ بريقه لعظم ما ورد عليه، وتردد الكلام في فيه، وتلجلج ساعة ثم أجهش باكياً منتحباً وبكى النَّاس.
فلما نزل بايعه بالإمامة علماء البصرة وفقهاؤها وزهادها، وبايعه المعتزلة، ولم يتأخر عن بيعته من فضلاء البصرة أحد، إلا أن المعتزلة اختصوا به مع الزيدية، ولزموا مجلسه وتولوا أعماله، واستولى على واسط والأهوار وكورها وعلى أعمال فارس.(1/64)
وكان أبو حنيفة يدعو إليه سراً ويكاتبه، وكتب إليه: " إذا أظَفَّرَك اللّه بعيسى بن موسى وأصحابه فلا تسر فيهم بسيرة أبيك في أهل الجمل، فإنه لم يقتل المنهزم، ولم يغنم الأموال، ولم يتبع مدبراً، ولم يذفف على جريح، لأنَّ القوم لم يكن لهم فئة، ولكن سِرْ فيهم بسيرته يوم صفين فإنه ذفف على الجريح، وقسم الغنيمة؛ لأنَّ أهل الشام كان لهم فئة ". فظفر أبو جعفر بكتابه فستره، وبعث إليه فأشخصه وسقاه شربة فمات منها، ودفن ببغداد.
وبعث أبو جعفر [المنصور] إلى البصرة: المعروف بأبي سيف مولى الجعفري ليتحسس له ويعَرِّفه أحوال إبراهيم عليه السلام، فلما رجع إليه قال له أبو جعفر: كيف رأيت بشيراً الرَّحَّال ومطراً الورَّاق فقال: رأيتهما يدخلان إلى إبراهيم وعليهما السلاح. فقال: ما كنت أرى أن الصوم أبقى منهما ما يُحْمَل به السلاح.
وبايعه: هارون بن سعد وكان فقيهاً معروفاً بالصلاح والدين، قد روى عن الشعبي ولقي إبراهيم النخعي.
وخطب إبراهيم بن عبد اللّه عليه السلام النَّاس ونعى على أبي جعفر أفعاله وقتلَه آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله، وظُلْمَ النَّاس، وأخذه الأموال ووضعها في غير مواضعها، فأبلغ في القول حتى أبكى النَّاس، ورَقَّت لكلامه قلوبهم، فاتَّبَعه: عباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وهشيم بن بشير، وشعبة بن الحجاج، وبايعوه.(1/65)