صفته عليه السلام
كان عليه السلام آدم اللون، شديد الأدَمَةِ، قد خالطه الشيب في عارضيه، وكانت له شامة في كتفيه، تشبه شامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله، وكان متناهيا في العلم، متقدما في الفقه والحديث، قد سمع من نافع، وابن طاووس، وغيرهما بعد ما سمع من آبائه عليهم السلام، ولزمه واصل بن عطاء وغيره من المتكلمين، وله كتاب (السير) المشهور، وسمعتُ جماعة من فقهاء أصحاب أبي حنيفة وغيرهم يقولون: إن محمد بن الحسن [الشيباني] نقل أكثر مسائل السير عن هذا الكتاب.
وكان شجاعاً فارساً خطيباً بارعاً في الخطبة على تَمْتَمَةٍ كانت تعتريه إذا تكلم، فإذا عرضت له ضرب بيده صدره فينفتح لسانه، وهو أول من ظهر من آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله فُخُوْطِبَ بأمير المؤمنين، وبعده محمد بن جعفر بن محمد عليهم السلام.(1/56)
بيعته عليه السلام وأيام ظهوره
ظهر عليه السلام بالمدينة ـ بعد استتاره الدهر الأطول، وانفاذه الدعاة إلى الآفاق، وظهور دعوته بخراسان، ومبايعة جمهور أهلها له ـ لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة، ـ وروي في غُرَّة رجب ـ وعليه قُلُنْسُوة صفراء وعمامة فوقها متوشحاً سيفاً وهو يقول لأصحابه: لا تقتلوا.. لا تقتلوا. ودخل المسجد قبل الفجر؛ فخطب النَّاس، ولما حضرت الصلاة نزل فصلى وبايعه النَّاس طوعاً إلا شرذمة، وهرب رباح بن عثمان المري عامل أبي جعفر على المدينة وصعد سطح دار مروان وأمر بهدم الدرجة، فصعد إليه من أخذه من هناك وجاء به، فسأله عن أخيه موسى فقال: أنفذته إلى أبي جعفر فبعث بجماعة من الفرسان خلفه فلحقوه واستنقذوه وردوه إليه.
وخرج منهاإلى مكة فبويع هناك وعاد إلى المدينة، وكان شعاره: (أحدٌ أحد)، ووجه أخاه إبراهيم عليه السلام إلى البصرة، وبقي على أمره إلى شهر رمضان.
وقد كان عَمْرُو بن عبيد ونفر من أعيان المتكلمين من معتزلة البصرة اختبروه ووقفوا على غزارة علمه ودعائه إلى القول بالعدل؛ فبايعوه، ومن النَّاس من أنكر أن يكون عمرو بايعه، والصحيح هو الأول.
وكان أبو جعفر [المنصور] من جملة مبايعيه، وروي عن حسين بن زيد بن علي قال: شهد مع محمد بن عبد اللّه من ولد الحسين أربعة: أنا، وأخي عيسى، وموسى، وعبد اللّه بنا جعفر بن محمد.
وخرج معه: المنذر بن محمد بن عبد اللّه بن الزبير، وكان ابن أبي ذؤيب وابن عجلان بايعاه، وممن خرج معه: مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن مصعب، وأبو بكر بن أبي سبرة الفقيه الذي يروى عنه الواقدي.
ورُوِيَ أن مالك بن أنس استفتي في الخروج مع محمد بن عبد اللّه، وقيل له: إنَّ بأعناقنا بيعة لأبي جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين. فأسرع النَّاس إلى مبايعته.(1/57)
واستعمل عليه السلام عبد العزيز بن محمد الدراوردي على السلاح، وكانت رايته مع الأفطس الحسن بن علي بن علي بن الحسين مدة ظهوره عليه السلام.
ظهر عليه السلام بالمدينة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، واستشهد في شهر رمضان، فكانت مدة قيامه بالأمر شهرين وأياماً.(1/58)
أولاده عليه السلام:
عبد اللّه الأشتر قتل بـ(كابل) وله عقب. وعَليٌ دَرَجَ أُخِذَ بـ(مصر) فمات في حبس محمد بن أبي جعفر الملقب بالمهدي. والحسن قتل بـ(فخّ).
لم يذكر الطالبيون غير هؤلاء، وذكر غيرهم حسيناً. وأجمعوا على أنَّه وَلَدَ ابنتين: فاطمة، وزينب درجتا، وأمهم جميعاً أم سلمة بنت محمد بن الحسن الثاني بن الحسين بن علي عليهم السلام.(1/59)
عماله عليه السلام
أنفذ قبل ظهوره إبراهيم بن عبد اللّه عليه السلام على خلافة البصرة، وولى قضاء المدينة: عبد العزيز بن المطلب المخزومي، وكان على ديوان العطاء عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وعلى شرطته عبد الحميد بن جعفر، ثم وجهه في وَجْهٍ، فولاها عمرو بن محمد بن خالد بن الزبير.(1/60)