أيام ظهوره وذكر بيعته رضي اللّه عنه
قد كان زيد بن علي رضي اللّه عنه أوصاه حين رُمِيَ بقتال الظالمين وأعداء الدين، فلما استشهد أبوه عليه السلام خرج من الكوفة متنكراً مستتراً مع نفر من أصحابه، فدخل (خراسان)، وانتهى إلى (بَلَخ) ونزل على الحُرَيش بن عبد الرحمن الشيباني.
وكتب يوسف بن عمر يطلبه إلى نصر بن سيار، فكتب نصر إلى عامله عقيل بن معقل الليثي عامله على (بلخ) يطلبه، فذكر له أنَّه في دار الحُرَيش، فطالبه بتسليمه منه، فأنكر أن يكون عارفاً لمكانه، فضربه ستمائة سوط، فلم يعترف، فقال له: والله لا أرفع الضرب عنك حتى تسلمه أو تموت. فقال له الحُرَيش رحمه اللّه: " والله لو كان تحت قَدَمَيَّ هاتين ما رفعتهما عنه، فاصنع ما بدا لك " !! فلما خشي ابنه ـ قريش ـ على أبيه القتل، دَسَّ إليه بأنه يدل عليه إن أفْرَج عن أبيه، فدل عليه وأُخِذ وحُمِلَ إلى نصر بن سيار، فقيده وحبسه وكتب بخبره إلى يوسف بن عمر.
وكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد بذلك، فكتب الوليد يأمره بالإفراج عنه وترك التعرض له ولأصحابه، فكتب يوسف إلى نصر بما أمره به، فدعاه نصر وحَلَّ قيده، وقال له: لا تثير الفتنة، فقال له عليه السلام: " وهل فتنة في أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى آله أعظم من فتنتكم التي أنتم فيها من سفك الدماء، والشروع فيما لستم له بأهل ". فسكت عنه نصر وخلى سبيله(1/51)


فخرج من عنده وجاء إلى (بيهق) وأظهر الدعوة هناك، وبايعه فيها سبعون رجلا، واجتمع إليه نفر، فكتب نصر بن سيار إلى عمرو بن زُرَارة بقتاله وكتب إلى قيس بن عباد عامل (سرخس)، وإلى الحسن بن زيد عامل (طوس) بالانضمام إليه، فاجتمعوا وبلغ القوم زهاء عشرة آلاف، وخرج يحيى بن زيد رضي اللّه عنه إليهم فقاتلهم وهزمهم وقَتَل عمرو بن زرارة واستباح عسكره، وأصاب منهم دواب كثيرة، وخرج حتى نزل أرض (جوزجان)، ونزل قرية من قراها يقال لها: (أرغويه)، ولحق به جماعة من عساكر خراسان وبايعوه، وبقي على أمره مدة يسيرة.
ومن شعره عليه السلام:
خليليّ عني بالمدينة بلغا .... بني هاشم أهل النُّهى والتجارب
فحتى متى مروان يقتل منكم .... سراتكم والدهر فيه العجائب
لكل قتيل معشرٌ يطلبونه .... وليس لزيد بالعراقين طالب
وله أيضا رضي اللّه عنه:
يابن زيد أليس قد قال زيد: .... من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد .... واتخذ في الجِنَان ظِلا ظليلا(1/52)


أولاده رضي اللّه عنه
الذي أجمع عليه أصحاب الأنساب من الطالبيين وغيرهم أنَّه وَلَدَ: أم الحسن، وهي حَسَنَة، وأمها مَحَبَّة بنت عمر بن علي بن الحسين، وقال غيرهم: له أحمد، والحسن، والحسين، درجوا وهم صغار، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أن لا بقية ليحيى عليه السلام وأن ولده انقرضوا.(1/53)


مقتله رضي اللّه عنه ومبلغ عمره وموضع قبره
اجتمع عليه الجيوش الذين أنفذهم نصر بن سيار لقتاله بالجوزجان؛ فقاتلهم عليه السلام ثلاثة أيام ولياليها أشد القتال، حتى قُتِلَ أصحابه وأتته نشابة في جبهته، رماه رجل من موالي عَنَزَة يقال له: عيسى ـ لعنه اللّه ـ، ووجده سورة بن محمد الكندي قتيلا، فحز رأسه وحمله إلى مراون الحِمَار.
وكان قَتْلُه ـ رضي اللّه عنه ولعن قاتله ـ في شهر رمضان عشية الجمعة سنة ست وعشرين ومائة، وقيل: سنة خمس، وصلب بدنه على باب مدينة الجوزجان.
وكان له صلوات اللّه عليه يوم قتل ثمان وعشرون سنة، وعُرِض عليه أن يتزوج فكان يقول: هيهات وأبو الحسين مصلوباً بكناسة الكوفة ولم أطلب بثأره.
ولم يزل صلوات اللّه عليه مصلوباً إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني، فأنزله وغَسَّلَه وكَفَّنه ودفن بأنْبِيْر، وقيل في قرية تقابلها، ومشهده معروف بالجوزجان مزور.
وتتبع أبو مسلم قتلته فقتل أكثرهم، وأخذ الرجلين الذين رماه أحدهما وحز رأسه الآخر، فقطع أيديهما وأرجلهما وقتلهما وصلبهما وأمر بتسويد الثياب وأن يناح عليه سبعة أيام، وروي أن في تلك السنة ما وُلِد وَلَدٌ ذكر بخراسان إلا سمي يحيى، إعظاما له عليه السلام.(1/54)


الإمام محمد بن عبد اللّه النفس الزكية (ع)
هو: أبو عبد اللّه، وقيل: أبو القاسم محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان يسمى: المهدي، ويسمى: صريح قريش، لأنه عليه السلام لم يكن في آبائه إلى أمير المؤمنين عليه السلام من أمه أم ولد ولا في جداته، ويسمى: النفس الزكية، لورود الرواية بأن النفس الزكية يقتل عند أحجار الزيت.
وأمه: هند بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وروى أنها حملت به أربع سنين، وولد في: سنة مائة، في بعض الروايات، وروي غير ذلك.(1/55)

11 / 30
ع
En
A+
A-