الكتاب : الإفادة في تاريخ أئمة السادة
المؤلف : الإمام أبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع)
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org

الإفَادَة في تاريخ الأئمة السادة
للإمام الناطق بالحق أبي طالب
يحيى بن الحسين بن هارون
الهاروني الحسني
(340 ـ 424 هـ)
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org(1/1)


مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين،
وبعد ..
فإن ريشة التاريخ ما زالت ترصد الحوادث والمتغيرات الزمنية، وتسجلها في ذاكرة الزمن وتستودعها بطونَ الأسفار وطيات الصحف، لتكون مرجعا لاستلهام العظات والعبر عبر القرون. ولهذا تُعَدُّ دراسة التاريخ من أهم المعالم الثقافية التي تربط حاضر الإنسانية بماضيها، وتقدم لأبناء الحاضر خلاصة تجارب السابقين، وتكشف عن مفارقات وموافقات ومتغيرات كثيرة يحسن بالأجيا النظر والتأمل فيها.
وقد خُصَّ التاريخ الإسلامي ـ الذي تناثرت على جنباته شخصيات فذة وصور مشرقة ـ بعناية فائقة، حيث تناوله الكتاب والمؤرخون من زوايا متعددة وبأساليب شتى، تختلف باختلاف مقاصد المؤلفين، ومتطلبات الساحة، فتركزت بعض الاهتمامات على معرفة الحوادث والمتغيرات الزمنية وإبراز بعض الجوانب العلمية والخُلُقِية، في حين اتجهت إهتمامات أخرى إلى دراسة وتحليل الأحداث وتقديمها كتجارب حية يمكن الاستفادة منها في حقل الدعوة إلى اللّه.
ولا شك أن دراسة وتحليل القضايا التاريخية من أهم ما يقدمه الباحث للشباب الرسالي ـ الذي يرابط في مواقع الدعوة، وساحات التوعية والتثقيف ـ لما لذلك من فوائد ودلالات يُسْتَفَادُ منها لترشيد الحركة الدعوية والرسالية في مختلف الأزمنة والميادين.(1/2)


ومن بين ذلك الركام الهائل من الحوادث التأريخية امتاز تاريخ الزيدية بالكفاح من أجل الحقيقة، والصمود في وجه الطغيان، والتصدي لكل محاولات التزييف والتحريف، ابتداء من الكلمة، ومروراً بالمقاومة والتمرد، وانتهاء بالكفاح المسلح. فإذا نظرنا نظرة فاحصة إلى آثار هذه الأمة، وجدنا ميراثاً ثقافيا وافراً في مختلف جوانب المعرفة، ووجدنا آثاراً بارزة لمظاهر الإعمار والبناء في سائر البلدان التي كان لهم فيها وجود، ولمسنا آثاراً حسنة لنمط الحكم الذي مضوا على نهجه، ووجدنا أنهاراً من الدماء التي سالت دفاعاً عن الحقيقة وحفاظاً عليها.
وبسبب تلك الامتيازات والسيرة الحسنة كان ملوك البلدان ورؤساء العشائر يستقدمون بعض الأئمة إلى بلدانهم ويتنحون لهم عن مناصبهم ويرضون بأن يكونوا من جملة رعاياهم.
ومن هنالك استطاعوا إدخال الدعوة الإسلامية إلى بلدان نائية كبلاد الجيل والديلم وطبرستان وأطراف خراسان شرقاً، وبلاد البربر وأدغال أفريقيا غرباً، في حين عجزت الدولتان الأموية والعباسية عن الوصول إلى تلك الأنجاد والأغوار البعيدة، فقد ذكر المؤرخون أنَّه أسلم على يد الإمام الناصر الأطروش ألف ألف إنسان من أهالي الجيل والديلم ونواحيهما، واستطاع أن يخلِّصهم من الحكم الإقطاعي الجائر الذي كان يتحكم في معظم تلك البلاد.
واستطاع الإمام إدريس بن عبد اللّه وولده إدريس بن إدريس أن يُكوِّنا من قبائل البربر جيشاً إسلاميا يعمل على تبليغ ونشر الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا وجنوب غرب وأوربا.
كما استطاع الإمام الهادي وأولاده أن يخلصوا بلاد اليمن من فتن جائرة كانت قد استفحلت فيه ومزقته كل ممزق، وترك فيه آثاراً عظيمة ما زال اليمنيون يفخرون بها إلى اليوم.
وقبل أن نخلص إلى نص هذا الكتاب لنا كلمة عن الكاتب والكتاب.(1/3)


ترجمة المؤلف
عُرِف أهل الجيل والديلم وطبرستان بولائهم الشديد لأهل البيت عليهم السلام، رغم أن معظم مَنْ دخل تلك البلاد منهم دخلها ملتجئاً هارباً من السلطة الغاشمة، وكان أول من دخلها الإمام يحيى بن عبد اللّه أيام هارون الرشيد، ثم تتابعت هجرتهم إلى هناك، ولبثوا فترة زمنية طويلة تمكنوا فيها من دعوة أهل تلك الديار إلى الإسلام؛ فاستجاب لهم خلائق كثيرون وبنوا المساجد، ومارسوا العبادة على أحسن حال، ثم توجهوا للإصلاح الشامل وإشاعة العدل والمعروف، واستطاعوا أن يقضوا على النظام الإقطاعي الجائر الذي كانت تستند عليه رؤساء العشائر، واستبدلوه بنظام التعاون بين الطبقات المختلفة.
وكان ممن هاجر إلى تلك البلاد السيد المحدث الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأقام فترة طويلة تزوج فيها وأنجب إمامين جليلين، أحدها الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين المولود (سنة 333 هـ)، والآخر الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين المعروف بأبي طالب المولود سنة (340 هـ) .(1/4)


وفي تلك المروج الخضراء والهواء الطلق، وبين تلك الجبال الشاهقة بعيداً عن ضجيج المدنية الخانق.. هنالك في أرض الجيل والديلم نشأ الإمام أبو طالب، في أسرة علمية فاضلة، نشأ والفضائل تكتنفه من كل جانب، وعوامل التكامل وبناء الشخصية الرسالية متوفرة له؛ فوالده من أئمة العلم وفرسان الرواية، وأمه شريفة فاضلة من بنات الشريف علي بن عبد اللّه الحسني العقيقي، كان لها حظ وافر من الصلاح والاستقامة، وشقيقه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين، أحد قلاع العلم رواية ودراية، هذا إضافة إلى جهابذة من العلماء الذين كان يتقلب في حلقاتهم ويتلقى عنهم العلوم والمعارف، كالسيد الإمام أبي العباس الحسني الزيدي، والشيخ أبي عبد اللّه البصري المعتزلي، والمحدث أحمد بن عدي الحافظ السني، والشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد الإمامي وغيرهم من بحور العلم وعلماء الإسلام على اختلاف نزعاتهم ومذاهبهم.
قال الشهيد حميد: " كان عليه السلام قد نشأ على طريقة يحكي في شرفها جوهره ويحاكي بفضلها عنصره، وكان قد قرأ على السيد أبي العباس الحسني عليه السلام فقه العترة عليهم السلام حتى لحج في غماره، ووصل قعر بحاره، وقرأ في الكلام على الشيخ أبي عبد اللّه البصري فاحتوى على فرائده وأحاط معرفة بجليه وغرائبه، وكذلك قرأ عليه في أصول الفقه أيضاً ولقي غيره من الشيوخ، وأخذ عنهم حتى أضحى في فنون العلم بحراً يتغطمط تياره، ويتلاطم زخاره " .
فما أن بلغ سن الرشد ومرحلة الشباب حتى زاحم مشائخ العلم في ميدان المعارف، ونافس أرباب الحكمة والأدب، وقارع بالحجة فقهاء الأمصار، ورحل في طلب العلوم إلى بغداد، ثم رجع وليس له نظير ودَرَّس بجرجان، وانتشر صيته كانتشار ضوء النهار، فألف وشعر، وأفتى وناظر، وكان كما قال المنصور بالله عبد اللّه بن حمزة: "لم يبق في فنون العلم فن إلا طار في أرجائه، وسبح في أثنائه".(1/5)

1 / 30
ع
En
A+
A-