أما عن السيد الإمام الحسين بن القاسم والد الإمام الهادي فلم يكن للمؤلف الرازي عنه رواية في هذا الكتاب، بل في كتاب المصابيح (مخطوط أ،267) وهي:
"حدثنا أبو العباس العلوي بإسناده عن أحمد بن سهل الرازي قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليه السلام عن أبيه قال: قال لي أبي: عوتب الحسين بن علي الفخي فيما يعطي وكان من أسخى الناس العرب والعجم، فقال: ما أظن أن لي فيما أعطي أجرا وذلك أن الله تعالى يقول: ?لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ?[آل عمران:92] ، ووالله ما هي عندي وهذا الحصى إلا بمنزلة، يعني الأموال".
وفي تيسير المطالب ص115"وبه أخبرنا أبو العباس الحسني قال: حدثنا أبو زيد العلوي قال: حدثنا أحمد بن سهل قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن إبراهيم عن أبيه عن جده..."الخبر.
وأبو يزيد العلوي الذي يروي عنه أبو العباس الحسني عن أحمد بن سهل الرازي هو:عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام المتوفى سنة326ه وهو ممن أخذ عن الرازي وهو الذي ذكره صاحب المطلع آنفا، وهذا الخبر يدلل على أن للمؤلف الرازي كتب أخرى غير كتاب أخبار فخ لم نعرفها بعد، وهناك شواهد على ذلك منها ما وعد بذكره عن علي بن إبراهيم عند استفضاعه لركوب البحر، وكذلك ما جاء في باطن الكتاب وهو: "حدثني علي بن مسعود المصري، عن رجل قد سمّاه واسمه عندي مثبت في كتبي ...."الخ.
وقد ذكر حجة عصره الإمام الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أبقاه الله تعالى في كتابه لوامع الأنوار ج1/368 عند ذكر شذرات من كتاب البساط للإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش فقال:
"ولا بأس بإيراد طائفة من الذين احتاج بهم الإمام الناصر للحق [رضوان الله عليه] في باب الإيمان، وصحح حديثهم، مع بيان أحوالهم حسبما يقتضيه المقام، تتميما للفائدة المقصودة إنشاء الله.(1/16)


فمنهم السيد الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي الملقب المصري، صنو الإمام الناصر للحق عليهم السلام، توفي عام320ه تقريبا، خرّج له أخوه الناصر للحق، والمؤيد بالله وأبو طالب ومحمد بن منصور وصاحب المحيط رضي الله عنهم وروى عنه أخوه الإمام، والسيد الإمام أبو زيد عيسى بن محمد المتقدم في سند الأمالي، وولي آل محمد أحمد بن سهل الرازي، مؤلف أخبار فخ وأخبار الإمام يحيى بن عبد الله، الراوي عن الحسن الحافظ والد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم ، عن أبيه عن جده عن الإمام الحسين بن علي الفخي، خرّج له الإمام الناصر للحق، والناطق بالله، وأبو العباس الحسني".
وعبارة اللوامع تدل على ثوثيق هؤلاء الأئمة عليهم السلام للمؤلف الرازي، وتخريجهم له تعديل منهم لحاله، وروايته.(1/17)


[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قال أبو عبد الله أحمد بن سهل الرازي رحمه الله، وبعد: فإنِّي إنمِّا ابتدأت بذكر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، المقتول بفخ [1]، لأنَّ أول حركة يحيى بن عبد الله وطلب القوم له إنَّما كان بسبب خروجه مع الحسين بن علي [الفخي] صلى الله عليه؛ فاحتجت إلى أنْ أذكر طرفاً من خبر الحسين، والسبب الذي هاج ذلك ليتصل آخر خبر الحسين بن علي بأول خبر يحيى بن عبد اللّه صلوات الله عليه. [فنأتي من ذلك بما أردنا شرحه مستقصى إنشاء الله] .
---
[1] - فخ: واد بمكة، وقال المسعودي في مروج الذهب: فخ على بعد ستة أميال من مكة. روى عن أبي جعفر (ع) أنه قال: مر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بفخ فنزل فصلى ركعة، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما رأى الناس النبي يبكي بكوا، فلما انصرفوا قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يارسول اللّه، قال: نزل عليََّ جبريل لما صليت الركعة الأولى، فقال: يا محمد إن رجل من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين)، وفي يوم التروية من شهر ذي الحجة سنة (169ه ) استشهد الإمام الحسين بن علي مع ما ينيف على مائة شهيد من أهل بيته، وبقي قتلاهم ثلاثة أيام حتى أكلتهم السباع، ولذا يقال:لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ. معجم البلدان 4/334، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية مجلد1 الجزء12، مروج الذهب 3/336، مقاتل الطالبيين ورواه سماحة مولانا الإمام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده اله تعالى وأدام ظله في التحف شرح الزلف في سيرة الإمام الحسين بن علي (ع). 366(1/18)


[أخبار فخ]
[أسباب ثورة الإمام الحسين الفخي]
قال أبو عبدالله: حدثنا حسن بن عبدالواحد الكوفي، قال: حدثنا محمد بن علي بن إبراهيم، قال: حدثني بكر بن صالح الرازي، قال: حدثني [عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن محمد] بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، قال: حدثنا عبدالله بن الفضل مولى عبدالله بن جعفر قال:
كان بدء خروج الحسين بن علي أن الهادي موسى بن المهدي بن المنصور وَلىَّ إسحاق بن عيسى بن علي بن عبدالله بن عباس المدينة.
فكتب إسحاق إلى العُمَري المعروف بحبتين ماء - واسمه: عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب - يأمره أن يصلي بالناس وأن يضبط العمل إلى قدومه.
قال: فوقع بين الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن وبين رجل من آل عمر كلام، فوكزه الحسن وكزة فأصابته شجيجة. فاستعدى العمري على الحسن، فطلب الحسن بن محمد فلم يوجد وقته ذلك. فوجه العمري إلى الحسين بن علي، فجيء به متعتعاً قد عُنف به ولُبِّب ، حتى أدخل على العمري، فقال له: إئتني بالحسن بن محمد وإلا والله ملأت ظهرك وبطنك ضربا.
فقال له الحسين: إن الحسن بسويقة ، وأنا مقيم بالمدينة، ولست أقدر عليه لأنَّه رجل حُرٌّ لا يمكنني اقتضابه، وما أنا له بكفيل.
فقال له: ما يصنع بهذا الكلام؟، والله لتأتِيَنّي به أو لأملأن ظهرك وبطنك ضربا.
قال: إنَّ بيني وبينه ستة وثلاثين ميلاً، فأمهلني إذاً، وافسح لي حتى أخرج إليه وأجيئك به.
قال العمري: يا هؤلاء اشهدوا أنَّ امرأتَهُ طالق، وكل مملوك له حرٌّ - إن لم يأتِ به غداً قبل الزوال - إنْ لم يضرب الحسين بن علي ألف سوط عاش منها أو مات. وإنْ لَمْ يركب إلى سويقة فيخربها ويأتي بنسائهم حسراً حتى يولجهُنَّ الحبس، وليعودَنَّ إليه إن لم يجده.(1/19)


فاستحلف العُمَريُّ الحسين بن علي بحق القبر ومن فيه ليأتينَّه به إلى المدينة، إلى دار مروان، فإن لم يجده في الدار أشهد على موافاته به شهوداً [1] .
---
[1] - ذكر ابن الأثير وأبو الفرج الأصفهاني عن عدة من الرواة فيهم عبد اللّه الجعفري: أن العمري حمل على الطالبيين وأساء إليهم، وأفرط في التحامل عليهم، وطالبهم بالعرض كل يوم، وكانوا يعرضون في المقصورة، وأخد كل واحد منهم بكفالة قريبه ونسيبه؛ فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبدالله الحسن بن محمد، وَوَافى أوائل الحج وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلاً، فنزلوا دار بن أفلح بالبقيع وأقاموا بها، ولقوا حسيناً وغيره، فبلغ ذلك العمري فأنكره. وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبدالله، ومسلم بن جندب الهذلي، وعمر بن سلام مولى لعمر بن الخطاب وهم مجتمعون، فأشاع أنه وجدهم على شراب، فضرب الحسن ثمانين سوطاً، وضرب ابن جندب خمس عشر سوطاً، وضرب مولى عمر سبعة أسواط، وأمر أن يُدَارُ بهم في المدينة مكشوفي الظهور ليفضحهم.
فجاء الحسين بن علي إلى العمري وقال له: قد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم - لأن أهل العراق لا يرون به بأسا - فَلِمَ تطوف بهم؟، فأمر بهم فردوا وحبسهم، ثم إن الحسين بن علي ويحيى بن عبدالله كفلا الحسن بن محمد فأخرجه العمري من الحبس. وكانوا يعرضون فغاب الحسن عن العرض فطلب يحيى والحسين إلى أن دخلا على العمري فوبخهما وتهددهما. فتضاحك الحسين في وجهه، وقال: أنت مغضب يا أبا حفص.
فقال له العمري: أتهزأ بي وتخاطبني بكنيتي؟.
فقال له: قد كان أبو بكر وعمر وهما خير منك يخاطبان بالكنى، فلا ينكران ذلك، وأنت تكره الكنية وتريد المخاطبة بالولاية. وهكذا إلى أن قال له يحيى بن عبدالله: فما تريد منا؟
فقال: أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد.
فقالا: لانقدر عليه، هو في بعض ما يكون الناس فيه، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا، ثم اعرضهم رجلاً رجلاً فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا.
فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجئه به في باقي يومه وليلته... الخ.
قال ابن الأثير: فحلف يحيى له أنه لاينام حتى يأتيه به أو يدق عليه باب داره حتى يعلم أنه جاءه به.
فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله ما دعاك إلى هذا، ومن أين تجد حسناً؟ حلفت له بشيء لا تقدر عليه.
فقال: والله لانمت حتى اضرب عليه باب داره بالسيف.
فقال له الحسين: إن هذا ينقض ما كان بيننا وبين أصحابنا من الميعاد. وكان قد تواعدوا على أن يظهروا بمنى وبمكة في الموسم .
فانطلقا وعملا في ذلك من ليلتهم وخرجوا آخر الليل. انظر: تاريخ ابن الأثير 5/74-75، مقاتل الطالبيين 372 - 373.(1/20)

4 / 24
ع
En
A+
A-