هذا قول أحد القواد المسيرة، دع عنك قول أبي جعفر الدوانيقي في الإمام النفس الزكية وأهل بيته وتعظيمه ومبايعته له وباقي العباسية في اجتماع الأبواء.
فالمعارك التي خاضها أهل هذا البيت كانت واضحة الحقائق والمعالم، وإن كتب من يرون شرعية الخلافتين-الأموية والعباسية- قديما وحديثا على أن هذه التضحيات والتحركات ما هي إلا مناوئة نجمت، أو حادثة ظهرت في أرجاء الخلافة المترامية الأطراف وإن عبرت عن شيء فإنما تعبر عن أقلية طالما تحرشت بالخلافة فما أحقهم بقول الشاعر:
نعرف الحق ثم نعرض عنه * * * * ونراه ونحن عنه نميل
دعنا نتأمل هذه المعركة "فخ" التي تسمى بيوم الطف فهي بحق كربلائية التضحية والصبر والثبات، فقد جمعت "معركة فخ" تلك المواقف والمشاهد المأساوية والبطولية التي رسمها الإمام الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم على تربة كربلاء الطاهرة، بدمائهم الزكية، وإن اختلف الزمان والمكان والأيدي الآثمة.
فهناك الكثير من التشابه، نذكر على سبيل الاختصار ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأهل بيته عليهم السلام، في الإخبار عن تلك الحادثتين وغيرهما قبل وقوعهما، وتعيين المكان، فكما أنا نعرف إخبار جبريلا عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمقتل الحسين بن علي، وإتيانه بتربة بيضاء وقوله له: (في هذه الأرض يقتل ابنك واسمها الطف).
كذلك كان هذا مع صاحب فخ ، وهو ما رواه الإمام جعفر الصادق، ذلك الحديث الذي عزى جبريل عليه السلام الرسول الكريم مواساة وتسلية عند نزوله إلى فخ بمقتل رجل يقتل من ولدك في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.(1/11)


وكذا ما أخبر به الوصي عليه السلام من الملاحم، وهو ما روي عن سفيان بن عيينه أنه حدث يوما بحديث علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: (يأتيكم صاحب الرعيلة، قد شد حقبها بوضينها، لم يقض نفثا من حج ولا عمرة، يقتلونه، فتكون شر حجة حجها الأولون والآخرون).
فقال سفيان: هذا الحسين بن علي بن أبي طالب.
فقال له بعض من حضر: يا أبا محمد على رسلك، الحسين بن علي خرج من مكة محلا غير محرم، متوجها إلى العراق، وإنما قال: لم يقض نفثا من حج ولا عمرة.
قال: فما تراه؟ قال: الحسين بن علي (صاحب فخ).
قال: فأمسك ساعة، ثم قال: اضربوا عليه، (أي: اضربوا القول على الحسين بن علي الفخي).
*وقد أخذ عبد المجيد بن عبدون في بسامته الاثر الخصوص في بكاء جبريل عليه السلام على الحسين بن علي السبط عليه السلام، وأضافه للحسين بن علي الفخي عليهم السلام، ولا أظنه عن قصد، وإنما اشتبه عليه، وذلك في قوله:
وأسبلت عبرة الروح الأمين على * * * * دم بفخ لآل المصطفى هدرِ
- هذا ما كان من ناحية التشابه في الآثار الواردة، أما عن الشجاعة والتضحية في المعركة وما بعدها، فما أشبه الليلة بالبارحة، فقد أسفرت عن ما أسفرت عنه كربلاء، فكما قتل الإمام الحسين بن علي السبط عليه السلام، واحتز رأسه وأخذ إلى يزيد الخمور الفجور، قتل الحسين الفخي عليه السلام، وأخذ رأسه وحمل إلى موسى الملقب بالهادي.
- وكما دفن الإمام الحسين عليه السلام على ضفاف تربة كربلاء، دفن الإمام الحسين الفخي عليه السلام على تربة فخ، تلك البقعة التي لولاه لكان ذكرها كعدمه، فقد نالت الفضل، وان سال على تربتها دمه، وخلدها الدهر بأن أثبت اسمها باسمه، فقبره كما اخبر الشهيد حميد المحلي، في حدائقه بفخ، عند بستان الديلمي في الزاهر، وقد أمر الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة السيد أبي الحسن قتادة بن إدريس بعمارته، فعمر عليه وعلى الحسن بن محمد قبة حسنة سنة601ه .(1/12)


- وكما قامت زينب عليها السلام مقام أخيها الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء وما بعدها بذلك الموقف المشهور، قامت فاطمت بنت علي مع أخيها الإمام الحسين الفخي عليه السلام وأبت الخروج، وقالت: "والله لا تخبّر عنك الركبان بل أحضر وأشاهد ما يكون من أمرك، فلما بلغ خبرها إلى المسمى بالهادي قال: متى تأتي والله لطرحنها إلى الواس.
فجعل الله نقمته قبل موافاتها.
- وكما شدت الوطأة بعد كرلاء على البقية الباقية من الذرية الطاهرة شدة الوطأة أيضا بعد معركة فخ على أهل البيت (ع) حيث أمر موسى بن عيسى العباسي بالوقيعة على آل أبي طالب وعمد العُمري-وهو بالمدينة - بعد أن علم بمقتل الإمام الحسين بن علي الفخي عليه السلام إلى إحراق داره ودور أهله فحرقها وقبض أموالهم ونخلهم وجعلها في الصوافي المقبوضة.
ولنا أن نستعرض تلك المواقف البطولية في المعركة، فهذا الإمام الحسين الفخي عليه السلام وقد أصيب بطعنة عظيمة طعنه رجل من بني الحارث وصوائب كثيرة فصار يقاتل والدم لا يرقأ.
فقال له بعض اصحابه: لو تنحيت لما قد صار فيك.
فقال الحسين عليه السلام:رُويت عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله يبغض العبد المؤمن يستأسر إلا من جراحة مثخنة).
ويحدث من رآه حال المعركة وقد تنحى فدفن شيئا ثم عاد فكر عليهم، قلت : لعله دفن خاتما أو جوهرا، فلما انقضت الحلا كنت فيمن سلم فرجعت إلى الموضع لعلي أجد الدفين فوجدتها قطعة من جبينه صلوات الله عليه.
وكذا ذلك الموقف من الحسن بن محمد بن عبد الله النفس الزكية، عندما أصابته نشابة في عينه فتركها، وجعل يقاتل أشد قتال، فناداه محمد بن سليمان-وكان من الميمنة للمسودة- وموسى بن عيسى-في الميسره- وسليمان بن أبي جعفر والعباس بن محمد- في القلب-:
يا بن خال اتق الله من نفسك لك الأمان.(1/13)


فقال: والله ما لكم، فلم يزل به حتى قال: أقبل منكم، وكسر سيفا هنديا كان في يده يقاتل به، فتلقاه محمد بن سليمان بقدح سويق، وثلج ونزع النشابة، وجاء بدهن ورد في قطنة، فتركه على العين، فبصر به العباس بن محمد ، فصاح العباس بن محمد بابنه عبيد الله: قتلك الله إن لم تقتله، أبعد تسع جراحات تنتظر هذا.
فقال موسى بن عيسى: أي والله عاجلوه.
قال له بعض الحاضرين:من أنت؟
لأن الدم كان قد غشيهم، حتى لا يكاد الإنسان يعرف.
فقال: أنا الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، عادتكم يا بني العباس!
فحمل عليه عبيد الله فطعنه، وضرب العباس بن محمد عنقه، وشبت الحرب بين العباس بن محمد ومحمد بن سليمان، وقال: أمنتَ ابن خالي وقتلتموه.
فقال: نحن نعطيك رجلا تقتله مكانه وتغطّى بينهم الحال بعد أن ظن الناس لتعاظم الشر بينهم الّا سداد، وأجاز محمد ب سليمان حمّاد التركي لرميه الإمام الحسين بن علي عليه السلام مائة ألف درهم ومائة ثوب.
يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن .... حسن البلاء على التنزيل والسور
خلّفتموه على الأبناء حين مضى .... خلافة الذئب في أبقار ذي بقر
وليس حي من الأحياء نعلمه .... من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم .... كما تشارك أنسار على جزر
قتلا وأسرا وتحريقا ومنهبة .... فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذورية إن قتلوا .... ولا أرى لبني العباس من عذر
هذا بعض ما أردنا إيراده وإن كان هناك الكثير والكثير، لكن نقول للقارئ: فلندعنك مع الكتاب، ولندع الكتاب يتكلم عن نفسه، فهو بالمعلومات حافل وبالفوائد آهل جمعه مؤلفه وهو يقصد الشمول والاستقصاء للمراد ذكره وتدوينه، فكان بذلك جدير، نسأله جل وعلا أن يثيبه خير الثواب وأوفاه إنه على ما يشاء قدير.(1/14)


المؤلف والكتاب
أحمد بن سهل الرازي المعروف بصاحب أيام فخ، أحد أعلام الحفاظ، من مشاهير الزيدية، عالم مؤرخ كبير أخذ الرواية عن شيوخ العترة وعن غيرهم فتلقى وتلقف عنه نشأ كما هي تسميته في ناحية من نواحي الري وتاريخ حياته كما تدل عليه دراسة أسانيده على التقريب كانت في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، والربع الأول من القرن الرابع الهجري (250-315ه ).
ولا نكاد نعرف عن حياته ونشأته وتلقيه العلوم إلا القليل النزر، وقد ترجم له صاحب مطلع البدور ترجمة استقصاها من خلال أسانيد كتاب أخبار فخ والمصابيح وسوف ننقل نص الترجمة كاملة للإحاطة بالمطلوب قال فيها:
"أحمد بن سهل الرازي صاحب أيام فخ، أحد الحفاظ لقي الشيوخ وتلقف عنه الجلّة، أخذ عن السيد الإمام الحسين بن القاسم الرسي والد الهادي، وعن محمد بن القاسم، وعن سليمان بن موسى، وعن محمد بن يوسف، وعن موسى الثاني، وعن إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة، وعن محمد بن منصور، وحمدان [بن منصور] عن محمد بن منصور عن القاسم بن إبراهيم، هؤلاء شيوخه من أصحابنا وغيرهم، وأخذ من المحدثين عن ابن عمر بن شبة، وحسن بن عبد الواحد الكوفي ، وأحمد بن حمزة الرازي، وعيسى بن مهران وهارون الوشّا، ومحمد بن عمر بن خالد أبو علاثة، والحسن بن إبراهيم بن يونس، وغيرهم جم غفير، وأخذ عن شيخ العلوم بالري أبو زيد عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم، وكان أبو زيد هذا عالما كبيرا رحمه الله تعالى.
هذا كل ما ذكره صاحب مطلع البدور، على أن هناك آخرين روى أحمد بن سهل الرازي عنهم رواية تتمحور حول موضوع الكتاب، فعلى ذلك لم يعتبرهم صاحب المطلع آخذا عنهم وسوف يظهر ذلك من خلال جدولة الروايات الموجودة في الكتاب.(1/15)

3 / 24
ع
En
A+
A-