وهنا يتشرَّف مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة بتقديم مجموعة من كتب أهل البيت المطهرين عليهم السلام وكتب شيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، ومنها هذا الكتاب الذي بين يديك.
وأخيراً يتوجه العاملون بمركز أهل البيت(ع) والمنتسبون إليه بالشكر والعرفان لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل، وفي مقدّمتهم عالم العصر، شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام/ مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه، سائلين الله عز وجل أن يجعله من الأعمال الخالصة المقبولة لديه، وأن يثبّتنا على نهج محمد وآله .
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
إبراهيم بن مجد الدين بن محمد المؤيدي
مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية
اليمن- صعدة، ت(511816)، ص ب (91064)(1/6)
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: ?إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33] والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
ونحن نقدم لك أخي القارئ هذا الكتاب نحب أن نعلن لك البشرى بخروجه وبخروج غيره إنشاء الله من كتب تاريخ الأئمة الزيدية التي طالما تكدست في زوايا الإهمال، وبعدت عن يد المتناول فترة سنحت للبعض تلبيس الحقائق وتحميلها فوق ما تحتمل حاملهم في ذلك تفكيك العرا وحبا منهم للتشكيك والمرا ناسين أن الصيد كل الصيد في جوف الفرا، فهم على إخفاء المشهور وإظهار المغمور من الروايات متعسفون، وعلى الغمط لما هو مجمع عليه والأخذ بما الخلاف عليه متهافتون، يرون ذلك مغنما حصلوه لأنفسهم ولغيرهم، تلفتهم إلى كل ما من شأنه التفريق والتشهير بما لا طائل تحته، إلا رغبة منهم للدندنة في آذان تسمع الشاذ فتمتلئ به طربا، وتسمع الحسن القويم فتصك صماخيها، ?حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم?[البقرة:109] ، فهم على تلك الوتيرة في الغمز واللمز والهمز، مع وجود المتصدي لذلك التمويه والتلبيس، يرأب ما انصدع ويرد على من قال وابتدع، دفاعا منه على من هم العروة الوثقى، والنّمْرِقة الوسطى، قائلا قبه على لسانه قلمه: "لما كان اتصال الدين بآل محمد، ومعين العلوم من مناهلهم تورد، لا جرم تعين على من التزم الاستمساك بالعروة الوثقى، والمشي من سنن الفرقة الوسطى، أن لا يجهل أحوال من بهم اقتدى، وبهداهم اهتدى" فهو في الأخذ والرد منذ شب عن الطوق حتى جلله الشيب وقاره، والعلم ثاره، فكان خير صادر ووارد عن حياض علوم آل محمد وتاريخهم.(1/7)
مؤلفاته عن الحال شاهدة، وعن المقال ناطقة، طفق يخصف عليها من علوم الأئمة-كما هو الحال في لوامعه والجامعة المهمة-بقلمه اللهذم السيال، وذهنه الالذابل الالعسال، حتى ضمنها ما لا يتم الواجب إلا به، فهو بين ظابط لسند، ومفند لمن تولى وعند، يقيم الدلائل، ويلحق الأواخر بالأوائل "بغزارة في المادة وقوة في العارضة، وبعد في النظر، وإجازة في وجازة، وسهولة في جزالة، وطلاوة في بلاغة،وإبداع في الاختراع، وسعة في الإطلاع، ووقوف عند الحد، وتصميم في دعم كيان الحق، واقتحام في غمار الفحول، وانقضاض للأخذ بتلابيب الجهول، إلى حضيرة المعقول والمنقول، كم نعش حكما دفينا من بين أطباق الحضيض، وعدّل في مهارة للتثقيف أود القول المهيض، مع نظم فائق، ونثر مسجع متعانق، وحل لمسلك، وبرء لمعضل، وتبيين لمجمل، وتوضيح لمبهم، وجمع لمفترق، وقيد لآبده، وسيطرة على شاردة، وإيراد في إقناع، ودع للخصم في أجم الانقطاع، والحال يشهد، والعيان فوق البيان".
وأما عن الكتاب فما بين يديك يعتبر من أوائل الكتب التاريخية الزيدية، وهو يتناول فترة محدودة تبدأ بمعركة فخ، ومن ثم يتابع مصائر يحيى وإدريس بن عبد الله، هذه الثورة أو المعركة التي أدت بالزيدية على معاودة المبدأ القويم، وهو الخروج ضد الظلم والظالمين بعد ربع قرن على إخماد ثورة الإمام النفس الزكية محمد بن عبد الله عليهم السلام بالمدينة (رجب-رمضان)145ه ، وثورة أخيه الإمام إبراهيم بن عبد الله عليهم السلام في البصرة (رمضان-ذي القعدة)145ه ، تلك الثورتان التي أقضت مضاجع الدولة العباسية في أوج عصرها الذهبي كما يسمى.(1/8)
فقلد كانت معركة فخ إحدى تلك الوثبات العلوية الزيدية المشهود لها عبر التاريخ بالتضحية والفداء ، وثبات لا تستشعر النصر والهزيمة من باب القلة والكثرة، بل من باب الإخلاص والتثبت في قتال الأعداء على بصيرة، كما جاء عن قائد الزيدية، فاتحج باب الجهاد والاجتهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام حيث يقول لأصحابه في خطبة له طويلة:
"عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجازي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها، كمن قتل نفسا بغير حق، عباد الله البصيرة البصيرة".
ولأئمة الزيدية مثل هذه الأقوال والمواقف الكثيرة يعرفها المتطلع على أحوالهم وتاريخهم، فمعركة فخ وإن أخفقت وأسفرت عن مئآت القتلى والصرعى، فقد تبلج عن غيهب عجاجتها المشبوبة بالدماء والأشلاء ما كان يؤمله محركوا رحاها من إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، والإمام الحسين الفخي يردد:
"يا أهل القرآن والله إن خصلتين أدناهما الجنة لشريفتان"، فقد رزق البعض الشهادة والبعض تأخرت عنه حتى حقق الانتصارات التي أعلت شوكة الزيدية بأن تم انتشار الفرقة الزيدية التي طالما حوصرت بين لابتيها، إذ استطاع أخوا الإمام النفس الزكية عليه السلام ، إدريس ويحيى الهرب إثر هذه الوقعة، فعمل الأول على تأسيس دولة الأدارسة في المغرب، فيما مهد الإمام يحيى للدعوة في الديلم، مما أثمر هذا فيما بعد مع الحتم والوجوب، إلى قيام الإمام القاسم بن إبراهيم، وحفيده الإمام يحيى بن الحسين عليهم السلام في اليمن وبعض نواحي الحجاز، وقيام الدولة الزيدية في طبرستان والديلم على يد الإمام الحسن بن زيد ، من ذرية الحسن السبط.(1/9)
لقد كانت وقعة فخ بمثابة التحدي الصارخ للقيادات العباسية التي تعلم علم اليقين مصداقية مناوئهم، ومدى ارتباطهم بالله، وأن خروجهم ما هو إلا لإعلاء كلمة الحق والمحقين، التي ضاع صوتها بين المزهر والطنبور والصناجة، التي تعالى صفيرها في بلاط الخلافة ومقاصيرها، في تلك الأمكنة التي كان يجب أن تكون بمنأى عن ذلك اللهو، وخصوصا وأنظار العباد إليها رامقة، ولكن أبوا إلا الجرأة والتعدي.
فعلى هذا نقول قوله تعالى: ?فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ?[الأنعام:81] .
قال الحسن بن علي بن هاشم: حدثني محمد بن منصور قال: حدثني مصفى بن عاصم قال: حدثني سليمان بن إسحاق القطان قال: حدثني أبو العرجا الجمّال: أن موسى بن عيسى (العباسي) دعاه فقال له: أحضرني جمالك. قال: فجئته بمائة جمل ذكر فختم أعناقها وقال: لا أفقد منها وبره إلا ضربت عنقك.
ثم تهيأ للمسير إلى الحسين صاحب فخ، فسار حتى أتينا بستان بني عامر، فنزل، فقال لي: اذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت، فمضيت فدرت فما رأيت خللا ولا فللا ولا رأيت إلا مصليا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدا للسلاح قال: فجئته فقلت: ما أظن القوم إلا منصورين.
فقال: وكيف يا بن الفاعلة؟ فأخبرته فضرب يدا على يد وبكى حتى ضننته سينصرف. ثم قال: هم والله أكرم عند الله وأحق بما في أيدينا منا ولكن الملك عقيم ولو أن صاحب القبر-يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم - نازعنا الملك لضربت خيشومه بالسيف، يا غلام اضرب بطبلك، ثم سار إليهم، فوالله ما انثنى عن قتلهم.
فلأبكين على الحسين .... بعبرة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي .... أردوه ليس بذي كفن
تركوا بفخ غدوة .... في غير منزلة الوطن
كانوا كراما فانقضوا .... لا طائشين ولا جبن
غسلوا المذلة عنهم .... غسل الثياب من الدرن
هدي العباد بحبهم .... فلهم على الناس المنن(1/10)