وأن أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب - أعطى يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب، والسبعين رجلاً من أصحابه: عهداً خالصاً مؤكداً وميثاقاً واجباً غليظاً، وذمة الله وذمة رسوله، وذمة أنبيائه المرسلين، وملائكته المقربين. وأنه جعل له هذه العهود والمواثيق والذمم ولأصحابه في عنقه مؤكدة صحيحة، لا برآءة له عند الله في دنياه وآخرته إلا بالوفاء بها. وأني قد أنفذت ذلك لك ولهم ورضيته وسلمته، وأشهدت الله وملائكته على ذلك وكفى بالله شهيداً. فأنت وإياهم آمنون بأمان الله، ليس عليك ولا عليهم عتب ولا توبيخ ولا تبكيت ولا تعريض ولا أذى فيما كان منك ومنهم إذ كنت في مناواتي ومحاربتي من قتل كان أو قتال أو زلة أو جرم أو سفك دم أو جناية في عمد أو خطأ أو أمر من الأمور سلف منك أو منهم في صغير من الأمر ولا كبير في سر ولا علانية. ولا سبيل إلى نقض ما جعلته لك من أماني ولا إلى نكثه بوجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب. وأني قد أذنت لك بالمقام أنت وأصحابك أين شئت من بلاد المسلمين، لاتخاف أنت ولا هم غدراً ولا ختراً ولا إخفارا ، حيث أحببت من أرض الله. فأنت وهم آمنون بأمان الله الذي لا إله هو؛ لا ينالك أمر تخافه من ساعات الليل والنهار. ولا أُدخِل في أماني عليك غشاً ولا خديعة ولا مكراً، ولا يكون مني إليك في ذلك دسيس، ولا جاسوس، ولا إشارة، ولا معاريض، لاكتابة، ولا كناية، ولا تصريح ولا بشيء من الأشياء مما تخافه على نفسك من جديد، ولا مشرب ولا مطعم، ولا ملبس، ولا أضمره لك. وجعلت لك ألا ترى مني انقباضاً، ولا مجانبة ولا ازورارا .(1/87)


فإنْ أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبدالمطلب - نقض ما جعل لك ولأصحابك من أمانكم هذا، أو نكث عنه أو خالفه إلى أمر تكرهه أو أضمر لك في نفسه غير ما أظهر، أو أدخل عليك فيما ذكر من أمانه وتسليمه لك ولأصحابك المسَمَّين التماس الخديعة لك و المكر بك أو نوى غير ما جعل لك الوفاء به؛ فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وزبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر طالق ثلاثاً بتة، وأن كل مملوك له من عبد أو أمة وسرية وأمهات أولاده أحرار، وكل امرأة له وكل امرأة يتزوجها فيما يستقبل فهي طالق ثلاثا، وكل مملوك يملكه فيما يستقبل من ذكر أو أنثى فهم أحرار، وكل مال يملكه أو يستفيده فهو صدقة على الفقراء والمساكين. وإلا فعليه المشي إلى بيت الله الحرام حافياً راجلاً وعليه المحرجات من الأيمان كلها، وأمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس - خليع من إمرة المؤمنين، والأمة من ولايته براء، ولا طاعة له في أعناقهم. والله عليه وبما وكد وجعل على نفسه في هذا الأمان كفيل وكفى بالله شهيداً.
أخبرني محمد بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه عن أبيه، قال: لما بعث يحيى بالأمان - كتب إلى هارون أن يجمع الفقهاء والعلماء ويحلف بطلاق زبيده باسمها واسم أبيها، وعِتْق كل ما ملك من السراري، وتسبيل كل ما ملك من مال، والمشي إلى بيت الله الحرام، والأيمان المحرجات، وأن يُشِهد الفقهاء على ذلك كله. قال: فأسرع هارون إلى أمانه وأعطاه الشروط التي اشترط له كلها، والأيمان التي طلب والإشهاد عليها.
قال أبو زيد: قال المدائني: فلما ورد الأمان على يحيى بما أراد وتوثق بنسخته؛ أراد أن يتوثق من قبل الفضل بن يحيى، فكتب أمان آخر بإقرار الفضل بن يحيى. بأن أمير المؤمنين أمره أن يعطيه الأمان فكتب كتاب أمان الفضل.(1/88)


[نسخة أمان الفضل بن يحيى]
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب أمان من الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، ليحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم وسبعين رجلاً من أصحابه: أني أمنتك يا يحيى بن عبد الله وسبعين رجلاً من أصحابك بأمان الله الذي لا إله إلا هو الذي يعلم من سرائر العباد ما يعلم من علانيتهم أماناً صحيحاً جائزاً صادقاً ظاهره كباطنه.
ثم أمرَّ الكتاب على نسق الأول حتى أتى على قوله: من المبايعة والدعاء إلى نفسه وإلى خلع أمير المؤمنين ومحاربته. قال: وأنا الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك أعطي يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه والسبعين رجلاً من أصحابه عقداً خالصاً مؤكداً، وميثاقاً غليظاً جائزاً، وذمة الله وذمة رسوله وذمة أنبيائه المرسلين وملائكته المقربين. وأني جعلت لك يا يحيى هذه العهود وهذه المواثيق والأمان والذمم لك ولأصحابك بعد استئماري عبد الله هارون بن محمد - أمير المؤمنين - وأمرني بإنفاذ ذلك لكم، ورضيه وجعله لكم، وتسليم ذلك ممن قبله ومن معي في عسكري من وزرائه وقواده وشيعته من أهل خراسان، فأنت وإياهم آمنون بأمان الله.
ثم أتم الكتاب على نسق الأول، ثم وجه به إلى الفضل بن يحيى وسأله أن يكتب له بخطه، ويشهد له على نفسه أولئك التسعمائة رجل الذين جُمِعُوا له من الكور وشهدوا عليه، والأربعمائة الذين شهدوا عليه من أهل طبرستان، وجرجان. ويُشْهد بعد ذلك القواد والجند الذين معه في عسكره، ثم يُشهد أهل الري وأهل قزوين. ففعل الفضل بن يحيى ذلك وسارع إليه.
فلما قبل يحيى الأمان، وأخرجه جستان، وَحَمل إليه الفضل بن يحيى المال وقَبل المال، وسُلِّمَ يحيى إلى الفضل.(1/89)


فلما قرب يحيى بن عبدالله من عسكر الفضل استقبله وترجل له وقبَّل ركابه، وذلك بعين جستان، وبذلك أمره الرشيد. فلما رأى جستان ما فعل الفضل بن يحيى بن خالد بيحيى بن عبدالله جعل ينتف لحيته ويحثو التراب على رأسه ندامةً على ما فعل، وجعل يدعو بالويل والثبور، ويتأسف على يحيى كيف خذله وأسلمه، وعلم أنهم مكروا به، وأنهم شهدوا زورا. ورأى ذلك من معه من قواد الديلم، وانتشر فيهم الخبر فاجتمعوا وتشاوروا في مَلِكِهم، وسوء فعله فأجمع رأيهم على خلعه وقتله، فخلعوه وقتلوه، وولوا عليهم مكانه رجلاً من أهل بيت المملكة.
وكان قد أسلم على يدي يحيى بن عبدالله جماعة، فبنوا منزله الذي كان يسكنه مسجداً وعظموه، وهم إلى الآن يقولون نحن أنصار المهدي.(فهذا سبب دخول يحيى الديلم).
فلما خرج يحيى عليه السلام ورد الخبر على جعفر بن يحيى بن خالد وكان على البريد فدخل على الرشيد مسرعاً فأخبره بخروج يحيى بن عبدالله في الأمان فأمر له الرشيد بمال جزيل.
وورد الفضل بن يحيى ومعه يحيى بن عبداله مدينة السلام فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأكرمه وألطفه وأنزله منزلاً سرياً وأجرى له أرزاقاً سَنيّةً. وبلغ بالفضل الغاية في الإكرام والبر، وأمر بني هاشم والقواد بتعظيمه وتبجيله.
قال: وأمر ليحيى بن عبدالله بأربع مائة ألف دينار، وأمر له يحيى بن خالد بمثلها.(1/90)


[أسباب سخط هارون على يحيى(ع)]
[السبب الأول]
قال محمد بن القاسم عليه السلام: كان سبب سخط هارون على يحيى أنه لما أمر له بأربعمائة ألف دينار، وأمر له يحيى بن خالد بن برمك بمثلها، صار إلى منزله بأثيب - ناحية سويقة - من أرض الحجاز، فوصل كل من كان له به نسب أو خؤولة أو محبة من العرب وغيرهم حتى أغناهم، فكثر إختلاف الناس إليه وتعظيمهم لة.(1/91)

18 / 24
ع
En
A+
A-