[قدومه صنعاء]
وقد حدثني سعيد بن بهلول من أبناء فارس بصنعاء، قال: قدم يحيى بن عبدالله صنعاء فاختفى عند رجل منا يعني من الأبناء يقال له: زكريا بن يحيى بن عمر بن سابور. فمكث عنده بصنعاء ثمانية أشهر، فكتبوا عنه علماً كثيراً. وكان الشافعي محمد بن إدريس من أصحابه وابن عورك.(1/62)


[خروجه عليه السلام من اليمن إلى خراسان]
فخرج من اليمن بعدما طلب إلى خراسان.(1/63)


[قصيدة للنمري]
قال: وفي يحيى بن عبدالله يقول منصور النَّمري في قصيدة يمدح بها هارون [من الوافر]:
مَنَنت على ابن عبد الله يحيى .... وكان من الحتوف على شفير
وقد سَخِطَت لسخطتكَ المَنايَا .... عليه فهي حامية النسور
ولو كافيت ما اجترحت يداه .... دلفت له بقاصمة الظهور
وما زالت جبالك تَطّئيهِ .... وَتُرهِقُه الوعور إلى الوعور
وتأخذه عن الجُنبات حتى .... أجابك واستحال عن النفور
بُودك لو أناب بنو علي .... فتنزلهم بمنزلة الأثير
قال: ولما نزل يحيى بعض مناهل طريق مكة وافقه فيه هارون حاجاً. كتب في قبة من قباب ذلك المتعشى:
منخرق الخفين يشكو الوجا .... تنكبه أطراف مرو حداد
الأبيات الثلاثة.
قال: فقرأها هارون أو أخبر بها، فكتب تحتها: لك الأمان، لك الأمان، لك الأمان. ثلاثة أسفار.
(أظنه إن شاء الله بخطه على ما ذكروا. وهو حديث مسند صحيح).
قال: فلما رجع يحيى رءآه مكتوباً فكتب تحته: لا أثق بك، لا أثق بك، لا أثق بك. فلما خاف يحيى أن يقع في أيديهم أحب أن يكون في موضع منيع حتى يرجع إليه دعاته وَيُحْكِمَ أمره، فكتب إلى ملك طبرستان [شروين بن فلان] يسأله أن يؤويه ثلاث سنين، فقال: أنا أؤويه الدهر كله ولكنني أدلكم على موضع هو أمنع من موضعي، جستان ملك الديلم، لأن بلدي جبل بين سهول طبرستان ومن وراء ذلك جبال (دنباوند) فمتى نزلت العساكر بها وحاصروني لم آمن أن يظفروا ببغيتهم ويجدوا من أهل بيتي من يدلهم على عورتي فلا آمن من الفضيحة، ولكني أسير معكم إلى جستان ملك الديلم وأسأله أن يؤويه فأرجوا أن لا يمتنع علينا، وجبالي متصلة بجباله فنكون جميعاً يداً على منعه.
فصاروا إلى جستان فأنعم لهم وأظهر سروراً واستبشارا. فهذا سبب دخول يحيى عليه السلام بلد الديلمً.(1/64)


[ظهور يحيى عليه السلام بالديلم وذكر بعض من بايعه ]
حدثني ابو زيد عن المدائني، قال: لما ظهر يحيى بن عبدالله عليه الصلاة والسلام أيام الرشيد بالديلم وعلا صوته في الآفاق وكثر الدعاة إليه، وأجابه الناس وسارع إليه كل من له رغبة في الدين وأهل النيات من المسلمين، وكان له سبعون رجلا من علماء زمانه دعاة إليه، وإلى نصرته يتفرقون القرى يدعون إلى حكم الكتاب، ونصرة الدين، ودفع الجور، ومنع الظالمين، وإظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. منهم:
محمد بن إدريس الشافعي، ومحمد بن عامر، ومخَّول بن إبراهيم فقيه أيضاً.
وحسن بن الحسين، وإبراهيم بن إسحاق، وسليمان بن جرير، وعبدالعزيز بن يحيى الكناني، وبشر بن المعتمر، وفليت بن إسماعيل، ومنصور البخاري، ومحمد بن أبي نعيم، ويونس بن إبراهيم (الرازي)، ويونس البجلي، وابن عورك اللّهبي، وحبيب بن أرطاة، وسعيد بن خيثم الهلالي . وغيرهم من فقهاء المدائن وعلماء الأمصار وأهل البصائر.
فلما انتهى ذلك إلى هارون هاله ذلك وعظم عليه، وبلغ به الغم أن ترك شرب الخمر ولبس الصوف أيام يحيى صلوات الله عليه كلها حتى أنقضى أمره.(1/65)


قال أبو زيد: فوجه الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك في سبعين ألف رجل من صناديد رجاله، ووجوه قواده وولاه الجبل كله - والري وكورها، وجرجان وقومس ودنباوند والرويان وجمع له أجناداً لم تجتمع إلا له، وأمر له بخمسين ألف ألف، فعسكر بالنهروان، وجاء الرشيد فعرض الجيش بنفسه فراى كراعاً ورجالا ما رأى مثله، وسلاحاً وآلة أعجبته وردت بعض رجائه، وأمره بالرحيل من ساعته وأمده بالأموال تتبع بعضها بعضاً، ولم يخله من خلعه وتقليده وإمداده في كل يوم منذ توجه من عنده. وكان أكثر ما يقوم إليه فيه استمالة جستان ومراسلته، وملاطفته، ومواصلة سائر قواده ووزرآئه، ويوجه إليهم بالهدايا والألطاف ويبسط آمالهم ويعدهم بكل جميل.
فلما نزل الفضل الطالقان وجه إلى جستان بالبز العظيم من الخزّ والديباج والحرير والأموال وإلى جميع أصحابه، وضمن له أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم قفلة، وألف ثوبِ خز وألف ثوب حرير وديباج وغير ذلك، وكثرَّ عليه في الاطماع له وواتره في بره وملاطفته وجميع أسبابه، وسأله أن يحمل إليه يحيى صلى الله عليه.
فقال له جستان: لو أعطيتني جميع ما تملكه ملوك الدنيا لم أسلمه إليكم فاعمل مابدا لك أن تعمله.
فلم ييئِس ذلك الفضل وواتر بره له ولحاشيته.(1/66)

13 / 24
ع
En
A+
A-