فقال: ما هي أصلح الله الأمير؟. قال: إن دللتنا عليه وصدقتنا عنه أمرنا لك بألف دينار، وإن طلبناه فلم نجده ضربناك في الموضع الذي زعمت أنه فيه كذا وكذا سوطا.
قال: قد رضيت.
قال: ادعوا فلانا وابعثوا إلى الشماخ. وجعل يبعث إلى القواد قائدا قائدا حتى شِيْعَ الخبر، وبلغ إدريس وخرج من الموضع الذي كان فيه .
قال أبو عبدالله: قال الذي كان إدريس نازلا في داره رافعا صوته: ?إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ?[القصص:20] . فلما وقع القول في مسامع إدريس علم أن قد زهِقَ، فطرح ثيابه وأخذ شملة وخرج في هيئة رثة تشبه هيئة السؤال، فجاز بالقوم وعرفه واضح وصار به إلى منزله، وحمله من ساعته على البريد إلى أرض المغرب
قال أبو علاثة: فجاء بهم الرجل إلى الدار - التي كان يسكنها آل بيان الدورقي اليوم بحضرة مسجد عبدالله - فوجد آثاره ولم يوجد إدريس فضرب الساعي على بابها، وفاتهم إدريس وصاحباه.(1/47)


[وصول إدريس إلى المغرب وما وقع بينه وبين الرستميين]
فوقعوا في أرض إفريقية وكان الغالب على أهلها الخوارج والمعتزلة، وكان أحد الرجلين الذين مع إدريس من أهل البصرة من شيعة أخيه إبراهيم بن عبد الله معتزلياً بليغا خطيبا. فكاتبهم إدريس، وكلمهم البصري، وكان حَسَنَ البيان، فسارع الناس إلى إدريس واتبعوه.
فاتصل خبره بروح بن حاتم بن قيبصة بن المهلب، فوجه في طلبه الخيل فأحاطت بالموضع الذي هو فيه، فركب إدريس وسبق إلى جبال نفوسة - وهي قبيلة من قبائل البربر خوارج - ، فمنعوه أن يصل إليه أصحاب روح، ووقعت بينهم حرب شديدة قتل فيها عالم من الناس، فكتب الموجّه في طلبه إلى روح يعلمه ذلك.
فكتب روح إلى عبدالوهاب بن رستم: إن هذا إدريس بن عبدالله وأنت عارف بعداوته لك ولمن مضى من سلفك ولو ظفربك لتقرب بدمك إلى الله ونحو ذلك.
فلما ورد كتابه على عبدالوهاب، كتب إلى أهل نفوسه إلى حقه يأمرهم أن يشدوه وثاقا ويحملوه إليه فإنه لا يأمن الفتنة به.
وكان إدريس قد دعا أهل نفوسة إلى حقه وبيّن لهم خطأ ما هم عليه من البراءة من علي بن أبي طالب (ع) فاستجاب له منهم خلق وأبى ذلك أكثرهم.
فلما ورد عليهم كتاب عبدالوهاب اختلفوا، فقال المجيبون لإدريس: كيف نحمل ابن رسول الله إلى شيطان مارق وقد استجار بنا لاها الله ما إلى خذلانه سبيل.
قال: فلما رأى أهل الراي منهم الإختلاف خافوا أن يتفاوتوا، فمشى بعضهم إلى بعض في أمره فاتفقوا أن يحملوه إلى حيث يأمن ورضي إدريس منهم بذلك.
وكان إدريس قد كاتب قبائل البربر وأهل سلف، وتاهرت، وزناته، وزواغة، وصنما، وصنهاجة، ولواته، واستجابوا له ووعدوه النصر والقيام معه حتى يبلغ ما يريد أو يموتوا عن آخرهم.(1/48)


[رسالة إدريس إلى المغاربة]
هذه رسالته إليهم كما قال الحسن بن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي جعل النصر لمن أطاعه وعاقبة السوء لمن عَنِدَ عنه، ولا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية الدال على ذلك بما أظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره، الذي لا يُدْرَكُ إلابأعلامه وبيناته سبحانه منزهاً عن ظلم العباد وعن السوء والفساد، ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:10] وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من جميع خلقه انتخبه واصطفاه واختاره وارتضاه صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين، أما بعد:
فإنِّي أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وإلى العدل في الرَّعية، والقسم بالسوية، ودفع الظالم، والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد، فاذكروا الله في ملوك تَجبَّروا وفي الأمانات ختروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبيه قتلوا، وأذكركم الله في أرامل افتقرت ويتامى ضُيِّعَتْ، وحدود عطلت، وفي دماء بغير حق سفكت. قد نبذوا الكتاب والإسلام وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون، فلم يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.
واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان.(1/49)


فباللسان: الدعاء إلى الله، بالموعظة الحسنة، والنصيحة والتذكرة، والحض على طاعة الله، والتوبة من الذنوب، والإنابة والإقلاع والنزوع عما يكره الله، والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقويم لمن استجاب لله ولرسوله حتى تنفذ بصائرهم ويكمل علمهم وتجتمع كلمتهم وتنتظم إلفَتُهُم، فإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعا وللظالمين مقاوما وعلى البغي والعدوان قاهرا، أظهروا دعوتهم وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور عن ارتكاب ما حرم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها، فإن في معصية الله تلفا لمن ركبها وهلاكاُ لمن عمل بها.(1/50)


ولا يؤيسنكم من علو الحق وإظهاره وقلة أنصاره. فإن فيما بدء به من وحدة النبي صلى الله عليه وآله والأنبياء الداعين إلى الله قبله وتكثيره إياهم بعد القلة، وإعزازهم بعد الذلة دليل بين، وبرهان واضح، قال الله عز وجل:?وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ?[آل عمران:123] ?وَلَيَنصُرنَّ الله مَن يَنْصُرَهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌ عَزيز?[الحج40] . فنصر الله نبيه، وكثَّر جنده، وأظهر حزبه، وأنجز وعده جزاء من الله له وثواباً لفعله وصبره وإيثاره طاعة ربه ورأفته بعباده ورحمته، وحسن قيامه بالعدل والقسط في بريته، ومجاهدة أعدائه، وزهده فيما زهده فيه ورغبته فيما نده إليه، ومواساته أصحابه، وسعة خلقه، كما أدبه الله وأمره وأمر العباد باتباعه، وسلوك سبيله، والإقتداء بهديه واقتفاء أثره فإذا فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم، كما قال عز وجل: ?إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرُكُمْ وَيُثَبِتُ أَقْدَامَكُمْ?[محمد: 7] . وقال: ?وَتَعَاونُوا عَلى البرِّ وَالتَقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلى الإِثمِ والعُدُوَان?[المائده:2] . وقال تعالى: ?إِنِّ الله يَأَمُرُ بالعَدِلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذي القُربَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغي يَعِظُكُمْ لَعَلَكُمْ تَذَكَرُونْ?[النحل: 90] .(1/51)

10 / 24
ع
En
A+
A-