[ 42 ]
ثالثها: ما رواه بسنده إلى زيد انه رأى ابن عباس يتطيب بالمسك. هذا وقد امتلات اسفار التأريخ بترجمة ذلك الإمام العلوي وحاك الشعراء بردود الثناء عليه، وذكرت ترجمته في آخر المجلد الخامس من تهذيبي لتأريخ ابن عساكر، فأني لمثلي ان يخوض عباب الثناء عليه؟ فجزا الله من سعى في طبع مسنده خيرا. نعم. ان بعض المتسميين بالعلم ينكرون زيدا ومذهبه بل ومذهب غيره، وذلك لامور: أولها: التعصب الذميم والجمود على أقوال مذهب واحد، خصوصا على رأي المتأخرين بشرط ان يكون القائل ميتا، ولقد ظفرت بجماعة من اهل ديارنا يعدون من يقرأ كتاب الام للشافعي ويأخذ مذهبه منه مبتدعا ضالا، ومن يأخذ حكما من كتاب الله تعالى وسنة نبيه مارقا من الدين. ثانيها: ان فقدان كتب المذاهب كمذهب سفيان وداود وغيرهما جعلها مهجورا، فألصق اهل الجمود من التهم بها ما هي بريئة منه، ومن جهل شيئا عاداه. ثالثها: ان اكثر الناس ميال بالطبع إلى حطام الدنيا والى اجتذاب أموالها، فحينما يرى من هذا طبعه حصر القضاء والحكم في مذهب واحد يترك مذهبه إلى مذهب من حصر القضاء بمذهبه، كما جرى ذلك ايام هارون
---(1/42)


[ 43 ]
الرشيد، فانه لما ولى ابا يوسف القضاء بعد سنة سبعين ومائة من الهجرة كان لا يولي القضاء الا لمن أشار به عليه أبو يوسف، وكان لا يشير الا لمن كان مقلدا لابي حنيفة. فكان الامر على ذلك ايام الدولة العباسية وايام الدولة العثمانية، وكذلك لما قام بالاندلس الحكم المرتضى سنة ثمانين ومائة، اختص بيحيى بن يحيى بن كثير الاندلسي صاحب مالك، فكان لا يولي الحكم الامالكيا، فصار اهل الاندلس مالكية بعد ان كانوا أوزاعية. ولم تزل المذاهب خاضعة للملوك والامراء يرفعها قوم ويخفضها آخرون إلى ان كانت سلطنة الظاهر بيبرس البند قداري وولي مصر والقاهرة فجعل لكل مذهب من المذاهب الاربعة قاضيا، فانحلت عقدة التعصب حلا يسيرا. وقد أوضحنا الكلام على ذلك في كتابنا (الآثار الدمشقية). وحاصل الامر ان ارتفاع المذاهب وانخفاضها لم يكن لتمحيص أدلتها وطلب الصواب منها، بل كان لحاجة في نفوس الامراء والملوك والحكام. وبالجملة، فالحديث ذو شجون. ولنرجع إلى ما كنا بصدده وهو (ان مذهب الإمام زيد من جملة المذاهب) المبنية على الكتاب والسنة، كما يعلم ذلك من يطالع مسنده هذا وشروحه التي تأخذ بيد الافكار إلى طلب الدليل والتعليل الامر الذي يقضي به علينا شرعنا الطاهر والى الاطلاع على سير الائمة في استنباط
---(1/43)


[ 44 ]
الاحكام من الكتاب والسنة، وذلك أقصى ما يتمناه الموفقون ويحيد عن سبيله المدعون الجامدون، والله الهادي. كتبه الفقير عبد القادر بن احمد بدران السلفي الاثري وقال العلامة الفاضل الشيخ عبد المعطي السقا المدرس والخطيب بالازهر سابقا: بسم الله الرحمن الرحيم أفتتح القول، وبحمده جل شأنه أستمنح العون والطول، واصلي واسلم عل سيد الكائنات وخير البرية وعلى آله وعترته الزكية. وبعد، فلما كانت مصنفات السلف من خير ما يقتضى وافضل ما به يهتم ويعتنى، وكان السعي في نشرها من أجل المناقب وأكرم الخدم، والعمل على ابرازها من أفخر المزايا وعلو الهمم، شمر عن ساعد الجد حضرة الاستاذ الفاضل والعلامة التقي الكامل بهجة الزمن وفخر علماء اليمن مولانا الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي، فأبرز لنا مسند الإمام الشهيد زيد ين الإمام علي زين العابدين ابن الإمام أبي عبد الله الحسين السبط رضي الله عنهم، فابتهجت بذلك النفس وقرة العين، شكر الله سعيه ووفقه لخدمة الدين وأهله انه نعم المجيب. كتبه عبد المعطي السقا الشافعي بالازهر
---(1/44)


[ 45 ]
سؤال في الإمام زيد والزيدية:
وجوابه لحضرة العلامة المرحوم الشيخ بكر بن محمد عاشور الصدفي مفتي الديار المصرية، والعلامة المرحوم الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الازهر. ما قولكم في الزيدية المنتسبين إلى الإمام زيد بن سيدنا زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، هل هم شيعة (1) أم لا؟ فأجاب المفتي ما لفظه: الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله وصحبه. قال العلامة الصبان في كتابه اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل اهل بيته الطاهرين، ما ملخصه:
---
(1) المراد بالشيعة عند اصطلاح المتأخرين الغلاة في محبة علي بن أبي طالب ويطلقون على الرافضة. واما الشيعة التي هي مطلق المحبة فكل مؤمن يحب علي بن أبي طالب لحديث: حب علي ايمان وبغضه نفاق. وكانت الصحابة تقول: كنا نعرف المنافق ببغضه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قال في القاموس: شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره. وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا واهل بيته حتى صار اسما خاصا لهم.
---(1/45)


[ 46 ]
وأما السيد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب فهو أخو محمد الباقر وعم جعفر الصادق، وهو الذي تنسب إليه الزيدية، وقد بايعه ناس كثير من اهل الكوفة وطلبوا منه ان يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر لينصروه، فقال: كلا، بل أتولاهما. فقالوا: اذن نرفضك، فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة، فسموا رافضة من حينئذ. وجاءت طائفة وقالوا: نحن نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما فقبلهم فقاتلوا معه فسموا زيدية (1). هو في الخطط للمقريزي ما نصه: وروى، يعني زيدا، عن ابيه علي بن الحسين وعن ابان بن عثمان وعبيد الله بن رافع وعروة بن الزبير، وروى عنه محمد بن شهاب الزهري وزكريا بن أبي زائدة وخلف، وروى له أبو داود الترمذي والنسائي وابن ماجه. وذكره ابن حيان في الثقات وقال رأى جماعة من الصحابة، قيل لجعفر الصادق بن محمد الباقر: ان الرافضة يتبرأون من عمك زيد، فقال: برئ الله ممن تبرأ من عمي، كان والله أقرانا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله وأوصلنا للرحم، ما ترك فينا لدنيا ولا لآخره مثله. قال أبو اسحاق السبيعي: رأيت زيد بن علي فلم أر في اهله مثله ولا أعلم منه ولا أفضل، وكان أفصحهم لسانا وأكثرهم زهدا وبيانا. قال الشعبي: والله ما ولدت النساء افضل من زيد بن علي ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد. وقال أبو حنيفة: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت اهله
---
(1) ولايقال ان المفتي رحمه الله تعالى لم يتكلم عن الزيدية بل قد أفاد وبينهم.
---(1/46)

9 / 101
ع
En
A+
A-