[ 52 ]
= ومسح برأسه كما هنا مرة واحدة. (والحديث) يدل على عدم وجوب الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين. وحديث عثمان و عبد الله بن زيد الثابتان في الصحيحين، وحديث علي الثابت عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبزار وغيرهم مصرحة بتقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه واليدين، والحديث من أدلة القائلين بعدم وجوب الترتيب وهم ابن مسعود ومكحول ومالك وابو حنيفة وداود والمزني والثوري والبصري وابن المسيب وعطاء والزهري والنخعي. وعند هؤلاء ان الادلة الواردة في تقديم المضمضة والاستنشاق على الوجه واليدين هو الترتيب بثم، والترتيب بثم لا يدل على وجوب الترتيب بين اعضاء الوضوء، ولانه من لفظ الراوي وغايته انه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة والفعل، وهو بمجرده لا يدل على الوجوب. (والمضمضة) كما في القاموس تحريك الماء في الفم واختلف العلماء في وجوب المضمضة والاستنشاق وعدمه، فذهب احمد واسحاق وابو عبيدة وابو ثور وابن المنذر ومن اهل البيت الهادي (1) والقاسم (2) =
---
(1) هو يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن اسمعيل بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام، نسب يحاكي اشراقه ضوء النهار وجوهر يغشي ضوؤه الابصار ما في آبائه عليهم السلام الا من فاق وراق وانتشر فضله في الآفاق. ولد بالمدينة سنة 245 وكانت ولادته قبل موت جده القاسم بسنة ونشأ النشأة الطاهرة ووصف في صغره بالقوة الباهرة، فكان يمسح الدرهم فيمحو ما فيه من الكتابة ويفحس الطعام من الحنطة والذرة في يده فيجعله دقيقا. وبلغ مرحلة الاجتهاد في نحو خمسة عشر سنة وقرأ على أبيه الحسين وعميه الحسن ومحمد، وفي علم الكلام على أبي القاسم البلخي ذكره في النزهة ثم استدعاه اهل اليمن فخرج إليهم سنة 280. وكان على
---(1/52)


[ 53 ]
---
= والمؤيد بالله (3) إلى وجوب المضمضة والاستنشاق. كما في حديث آخر وبه قال ابن أبي ليلى وحماد بن سليمان واستدلوا بحديث أبي داود وغيره (إذا توضأت فمضمض). وفي شرح مسلم للنووي ان مذهب أبي ثور وابي عبيد وداود الظاهري وابي بكر بن المنذر ورواية عن احمد ان الاستنشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنة فيهما. وذهب مالك والشافعي والاوزاعي والليث والحسن البصري والزهري وربيعة = ورع عظيم يحيي الليل بالصلاة والتلاوة وله مؤلفات كثيرة جليلة مذكورة في طبقات الزيدية وفي المستطاب، ودعوته كانت في ايام المعتضد العباسي ووقعت بينه وبين عمال بني العباس حروب ووقائع وخطب للامام الهادي باسمه بمكة سبع سنين ثم توفي بصعدة سنة 298 وقبره بها مزار مشهور وقبره في جامعه. (2) القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم المعروف بقاموس آل محمد ويسمى القاسم العياني أحد دعاة اليمن، له مؤلفات عديدة وكرامات شهيرة وتربة قبره يستشفى بها مشهده بهجرة عيان من سفيان شمال صنعاء اليمن بثلاثة ايام ووفاته سنة 393. (3) هو احمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. كان أعلم اهل زمانه وكان في العلم بحرا لا ينزف. قال السيد الحافظ إبراهيم بن القاسم عليه السلام في ترجمته للامام المؤيد بالله: برز في علم النحو واللغة وأحاط بعلوم القرآن والشعر وانواع الفصاحة مع المعرفة التامة بعلم الحديث وعلله والجرح والتعديل، وهو امام علم الكلام وامام أئمة الفقة. وبالجملة، فلم يبق علم الا وضرب فيه بنصيب وله مؤلفات جليلة ذكر بعض منها في المقدمة قبل الكتاب مع ذكر ولادته ووفاته.
---(1/53)


[ 54 ]
وذراعيه ثلاثا ثلاثا وتضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ومسح (1) برأسه وأذنيه
---
= ويحيى بن سعيد وقتادة والحكم بن عتيبة ومحمد بن جرير الطبري والناصر من اهل البيت إلى عدم الوجوب. وذهب زيد بن علي وابو حنيفة واصحابه والثوري إلى انهما فرض في الجنابة وسنة في الوضوء، واستدلوا بعدم الوجوب في الوضوء بحديث (عشر من سنن المرسلين). وقد رده الحافظ في التلخيص وقال انه لم يرد بلفظ عشر من السنن بل بلفظ (من الفطرة) ولو ورد لم ينتهض دليلا على عدم الوجوب لان المراد به السنة اي الطريقة لا السنة بالمعنى الاصطلاحي الاصولي. واستدلوا ايضا بحديث ابن عباس مرفوعا المضمضة والاستنشاق سنة. رواه الدار قطني قال الحافظ: وهو حديث ضعيف. وبحديث (توضأ كما أمرك الله) وليس في القرآن ذكر المضمضة والاستنشاق. ورد بأن الامر بغسل الوجه أمر بهما وبأن وجوبهما ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر منه امر من الله (وما أتاكم الرسول فخذوه - قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني). (2) قوله: (ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة) رواه النسائي من حديث الحسين بن علي عن ابيه، وأخرج الترمذي من طريق ابن جريج ان عليا مسح برأسه مرة واحدة، والإمام احمد والبيهقي من طرق. والحديث يدل على ان السنة في مسح الرأس ان يكون مرة واحدة، وقد اختلف في ذلك فذهب عطاء واكثر العترة والشافعي إلى انه يستحب تثليث مسحه كسائر الاعضاء، واستدلوا على ذلك بما في حديث علي وعثمان انهما مسحا ثلاث مرات. وفي كلا الحديثين مقال، اما حديث علي فهو عند الدار قطني من طريق عبد خير من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عنه، وهو ايضا عند الدار قطني والبيهقي وعند الطبراني وفيه عبد العزيز بن عبيدالله، قال الحافظ وهو ضعيف. =
---(1/54)


[ 55 ]
---
= واما حديث عثمان فرواه أبو داود والبزار والدار قطني بلفظ (فمسح رأسه ثلاثا) وفي اسناده عبد الرحمن بن وردان، وأخرجه البزار ايضا من طريق عبد الكريم عن حمران واسناده ضعيف. ورواه احمد والدار قطني وابن السكن، وفي اسناده مجهول، وذكره الناصر في الابانة عن ابن أبي ليلى، وذهب مجاهد والحسن البصري وابو حنيفة والمؤيد بالله وابو نصر من اصحاب الشافعي إلى انه لا يستحب تكرار مسح الرأس واحتجوا بما في الصحيحين من حديث عثمان و عبد الله بن زيد من اطلاق مسح الرأس مع ذكر تثليث غيره من الاعضاء وبحديث الباب هنا وما ذكر من الاحاديث المصرحة بالمرة الواحدة قال الحافظ في الفتح ويحمل ما ورد من الاحاديث في تثليث المسح ان صحت على ارادة الاستيعاب بالمسح لا انها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الادلة. وقوله: (وأذنيه) الحديث يدل على ان الاذنين من الرأس فيمسحان معه، وهو مذهب الجمهور. وأخرج أبو داود والترمذي (الاذنان من الرأس). قال الحافظ: وقد ثبت انه مدرج أي من كلام الصحابي بعد ذكره صفة الوضوء. ومن العلماء من قال: هما من الوجه، ومنهم من قال: المقبل من الوجه والمدبر من الرأس. وتعيين القائلين وذكر حجة كل واحد يطلب من المطولات في شرح الحديث. (واختلف في مسح الاذنين) هل هو واجب أم لا؟ فذهب بعض العترة واسحق ابن راهويه واحمد بن حنبل إلى أنه واجب لما تقدم، ولحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح داخلهما بالسبابتين وخالف بابهامية إلى ظاهرهما فمسح ظاهرهما وباطنهما، أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي، وصححه ابن خزيمة وابن منده. وقال ابن منده: لا يعرف مسح الاذنين من وجه يثبت الا من هذه الطريق، ومن عدا من تقدم ذكره ذهب إلى عدم الوجوب وأجابوا عن الادله المتقدمة بعدم انتهاض الاحاديث الواردة لذلك والمتيقن =
---(1/55)


[ 56 ]
مرة وغسل قدميه (1) ثلاثا. قال أبو خالد رحمه الله: وسألت زيدا بن علي عليه السلام عن الرجل ينسى مسح رأسه حتى يجف وضوؤه، (قال) عليه السلام: يعيد مسح رأسه ويجزئه ولا يعيد وضوءه. (وقال) زيد بن علي عليهما السلام: الاستنجاء سنة مؤكدة ولايجوز تركها الا ان لا يجد الماء. (وقال) زيد بن علي عليهما السلام: المضمضة والاستنشاق سنة وليس مثل الاستنجاء. (وقال) زيد بن علي عليه السلام: لا يجوز ترك المضمضة والاستنشاق
---
= الاستحباب فلا يصار إلى الوجوب الا بدليل ناهض. قال الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر عليه السلام في المنهاج الجلي ما لفظه مسألة: ويخلل بين أصابع رجليه. والوجه في ذلك ما رويناه عنه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: جلست أتوضأ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتدأت بالوضوء فقال: يا علي، خلل بين الاصابع قبل ان تخلل بالنار. اه‍. وفي هذا دلالة على وجوب الترتيب. ومن ثم سئل أبو خالد رحمه الله عن الناسي فأجاب عليه السلام بالفرق بين النسيان والذكر، ورفع الحكم عن الناسي كما في الصيام. (1) قال في المنهاج الجلي: ومسح العنق سنة. والوجه في ذلك ما رويناه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: من توضأ ومسح على سالفتيه بالماء وقفاه أمن من الغل يوم القيامة. ومثل هذا في أمالي احمد بن عيسى.
---(1/56)

11 / 101
ع
En
A+
A-