الباب الرابع والستون في ذكر الجنة والنار وما يتصل بذلك
- وبه قال: أخبرنا أبو العباس، قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن حسانٍ، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن الحسن بن محبوبٍ عن أبي ولادٍ الحناط.
عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه عن جده عليه السلام، في قوله تعالى:?وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ?[مريم:39] قال: يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلودٌ لا موت فيها أبداً، ويا أهل النار خلودٌ لا موت فيها أبداً وذلك قوله تعالى:?قضي الأمر? قال: قضي على أهل الجنة الخلود فيها، وقضي على أهل النار الخلود فيها.
o وبه قال: حدثنا أبو بكرٍ أحمد بن علي بقزوين، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن جمعة بن زهيرٍ قال: حدثنا عيسى بن حميدٍ الرازي، قال: حدثنا الحارث بن مسلمٍ الروذي، قال: حدثنا بحر بن كنيزٍ، عن أبي الحسن، عن الوصافي عبيد الله بن الوليد عن الحارث.
عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقب الموت هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات)).
o وبه قال: أخبرنا محمد بن علي العبدكي قال: حدثنا أبو سعيدٍ عبد الرحمن بن سليمان النقاش، قال: حدثنا العباس بن محمدٍ الدوري، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ.
عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: أسند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهره بمنى إلى قبةٍ من أدمٍ ثم قال لأصحابه: ((أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة مثلهم مثل شعرةٍ سوداء في جلد ثورٍ أبيض أو شعرةٍ بيضاء في جلد ثورٍ أسود، ولن يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمةٌ)).(1/449)


o وبه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: حدثنا نصر بن منصورٍ، قال: حدثنا يحيى الحماني قال: حدثنا ابن فضيلٍ عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعدٍ.
عن علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، قال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وقام بالليل والناس نيامٌ)).
o وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أتاني جبريل، فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميتٌ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجازى به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناه عن الناس)).
o وبه قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشمٍ، عن أبيه، عن محمد بن أبي عميرٍ، عن أبي نصيرٍ.
عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ياقوتٍ يرى داخله من خارجه وخارجه من داخله من ضيائه، وفيه بيتان من در وزبرجدٍ، فقلت: يا جبريل لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيامٌ.(1/450)


فقال علي عليه السلام: يا رسول الله وفي أمتك من يطيق هذا؟ قال: أدن مني يا علي، فدنى منه، قال: أتدري من أطاب الكلام؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تدري من أدام الصيام؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: من صام رمضان ولم يفطر منه يوماً، تدري من أطعم الطعام؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس، تدري من تهجد بالليل والناس نيامٌ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة))، ويعني بأن الناس نيامٌ: اليهود والنصارى، فإنهم ينامون فيما بينهما.
o وبه قال: حدثنا حمد بن عبد الله بن محمدٍ الأصفهاني، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي قال: حدثنا أبو معاوية، عن واصل بن السايب الرقاشي، عن أبي سودة.
عن أبي أيوب، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله إني أحب الخيل فهل في الجنة خيلٌ؟ قال: ((إن دخلت الجنة أتيت بفرسٍ من ياقوتٍ له جناحان فحملت عليه ثم طار بك في الجنة حيث شئت)).
o وبه قال: أخبرنا محمد بن بندارٍ، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير، قال: حدثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبه، عن قتادة.
عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى:?وَظِلٍّ مَمْدُودٍ?[الواقعة:30] قال: ((في الجنة شجرةٌ يسير الراكب في ظلها مائة عامٍ لا يقطعها)).
o وبه قال: أخبرنا محمد بن بندارٍ، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا عبد العزيز بن سلامٍ، قال: حدثني المقري وهو عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا سعيدٌ، قال: حدثني عبد الله بن الوليد، عن أبي الربيع -رجلٌ من أهل المدينة-.(1/451)


عن عبد الله بن عمر: أن أعرابيا أقبل على راحلته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ له، فقال: يا رسول الله إن الله الذي له ملك السماوات والأرض أرسلك إلى عباده فبشرهم بحياةٍ لا موت فيها، وبشبابٍ لا كبر فيه، وفرحٍ لا حزن فيه، وأمانٌ لا خوف فيه، وبمطاعمٍ ومشاربٍ ولباسهم فيها حريرٌ، وأنذرهم ناراً موقدةً، يصب من فوق رؤوسهم الحميم، ويقطع لهم ثيابٌ من نارٍ، فأخبرني بخلالٍ أعمل بهن تبلغني هذا وتنجيني من هذا فقال: ((بأن تعبد الله وحده لا شريك له، وبإقامة الصلاة المكتوبة، وإيتاء الزكاة المفروضة، وصيام رمضان كما كتبه الله على الأمم من قبلكم، وبحجة البيت إتمامهن، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، فقال الأعرابي: إذاً أرفض ما بين المشرق والمغرب وراء ظهري، وأعمل بما يبلغني هذا وينجيني من هذا)).
o وبه قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيبٍ عن محمد بن زكريا، قال: حدثني محمد بن عبد الله الحسني، قال: حدثنا محمد بن عبادٍ، عن أبيه.
عن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه، قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة بعد قتال الجمل دعاه الأحنف بن قيسٍ رضي الله تعالى عنه، واتخذ له طعاماً، وبعث إليه وإلى أصحابه فأقبل إليه أمير المؤمنين ثم قال له: يا أحنف ادع أصحابي، فدعاهم فدخل عليه قومٌ متخشعون كأنهم شنان بوالٍ.
فقال الأحنف بن قيسٍ: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي نزل بهم، أمن قلة الطعام أم من هول الحرب؟(1/452)


قال: لا يا أحنف.. إن الله عز وجل إذا أحب قوماً تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من فزع يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها، فحملوا أنفسهم كل مجهودها، وكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله تعالى توهموا خروج عنقٍ من النار، يحشر الخلائق إلى ربهم عز وجل، وظهور كتابٍ تبدو فيه فضائح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلاناً، وتطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيراناً، وتفارقهم عقولهم إذا غلت بهم مراجل المرد إلى الله عز وجل غلياناً.
يحنون حنين الواله في دجى الظلم، ذبل الأجسام، حزينةٌ قلوبهم، كالحةٌ وجوههم، ذابلةٌ شفاههم خميصةٌ بطونهم، تراهم سكارى وليسوا بسكارى، هم سمار وحشة الليالي متخشعون، قد أخلصوا لله أعمالهم سرا وعلانيةً.
فلو رأيتهم في ليلهم ونهارهم وقد نامت العيون وهدأت الأصوات وسكنت الحركات من الطير في الوكور، وقد نهنههم يوم الوعيد ذلك قوله تعالى:?أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُون?[الأعراف:97] فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى مصافهم يعولون، ويبكون تارةً، ويسبحون ليلةً مظلمةً بهماء.
فلو رأيتهم يا أحنف قياماً على أطرافهم، منحنيةً ظهورهم على أجزاء القرآن لصلواتهم، إذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صارت في أعناقهم، ولو رأيتهم في نهارهم إذاً لرأيت قوماً يمشون على الأرض هوناً، ويقولون للناس حسناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وإذا مروا باللغو مروا كرامًا.
أولئك يا أحنف انتجعوا دار السلام التي من دخلها كان آمنًا فلعلك شغلك - يا أحنف - نظرك إلى وجهٍ واحدةٍ تبيد الأسقام غضارة وجهها، وذات دارٍ قد اشتغلت بتقريب فراقها، وستور علقتها، والرياح والأيام موكلةٌ بتمزيقها، وبئست لك داراً من دار البقاء.(1/453)

99 / 100
ع
En
A+
A-