الباب الخامس والأربعون في ذم الدنيا وما يتصل بذلك
o وبه قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسن بن هشيمٍ، قال: حدثنا عباد بن يعقوب عن عتبة العابد، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريفٍ.
عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجلٌ إلى علي بن أبي طالبٍ عليه السلام، فقال: صف لي الدنيا يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: ما أصف من دارٍ أولها عناءٌ، وآخرها فناءٌ، وحلالها حسابٌ، وحرامها عقابٌ، من صح فيها مرض، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.
قال: وكان عليه السلام، يقول: ثلاثةٌ لا يعرفون إلا في ثلاثةٍ: لا يعرف الشجاع إلا عند الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة.
قال: وكان يقول: من سره الغنى بلا مالٍ، والعز بلا سلطانٍ، والكثرة بلا عشيرةٍ؛ فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته.
وكان يقول: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يده.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور العمي، قال: حدثني أبي عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن أبي الهيثم، عن واقدٍ، عن مقرنٍ، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جده.
عن علي (عليهم السلام)، قال: كتب سلمان الفارسي إلى علي عليه السلام من المدائن، قال: خفت أن أركن إلى الدنيا فعظني، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أبا عبد الله إنما مثل الدنيا كمثل الحية لينٌ مسها ويقتل سمها؛ فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، فإن صاحبها كلما اطمأن إليها وأنس بها يسخطه منها مكروهٌ.(1/379)
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل الفقيه رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، قال: أخبرنا محمد بن علي بن خلفٍ قال: حدثنا حمد بن عبد الله بن محمد بن ربيعة القرشي، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن.
عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أن عليا عليه السلام سمع رجلاً يذم الدنيا فأطنب في ذمها فصرخ به علي عليه السلام، فقال: هلم أيها الذام للدنيا فلما أتاه، قال له علي عليه السلام: أيها الذام للدنيا ويحك لم تذمها أنت المجترم عليها أم هي المجترمة عليك؟! فقال: بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين، قال: ويحك فيم تذمها أليست منزل صدقٍ لمن صدقها، ودار غناءٍ لمن تزود منها، ودار عاقبةٍ لمن فهم عنها مسجد أحباء الله عز وجل ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى الشرور، راحت بفجيعةٍ، وابتكرت بعافيةٍ، بتحذيرٍ وترغيبٍ وتخويفٍ، فذمها رجالٌ غداة الندامة حدثتهم فلم يصدقوا، وذكرتهم فلم يذكروا، وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا.
فأيها الذام للدنيا، المغتر بتغريرها متى استذمت إليك، بل متى غرتك؟! أبمضاجع آبائك من البلاء، أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى؟! كم عللت بيديك، وكم مرضت بكفيك، تلتمس له الشفاء، وتستوصف له الأطباء؟! لم تنفعه شفاعتك، ولم تغن عنه طلبتك، مثلت لك -ويحك- الدنيا بمضجعة مضجعك، حين لا يغني بكاؤك، ولا ينفع أحباؤك.
o وبه قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا أبو بكرٍ محمد بن يزداذ، قال: حدثنا محمد بن أبي سهلٍ ويعقوب بن إسحاق، قالا: حدثنا محمد بن عمرٍو قال: حدثنا الحارث عن علي بن هاشم.(1/380)
عن عدي بن ثابتٍ عن أبيه قال: سمع علي عليه السلام رجلاً يذم الدنيا مطنباً وذكر الحديث إلى الموضع الذي انتهت إليه رواية الناصر للحق عليه السلام على نسق حديثه ولم يخالفه إلا في أحرفٍ يسيرةٍ.
وزاد فيه: ثم التفت إلى أصحابه، فقال: عباد الله انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، فإنها والله عن قليلٍ تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الآمن، لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدري ما هو آتٍ منها فينتظر، سرورها مشوبٌ بالحزن، واخر الحياة فيها إلى الضعف والوهن، فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها، رحم الله عبداً تفكر فاعتبر، وأبصر فازدجر، وعاين إدبار ما أدبر، وحضور ما حضر، فكأن ما هو كائنٌ من الدنيا عن قليلٍ لم يكن، وكأن ما هو كائنٌ من الآخرة لم يزل وكل ما هو آتٍ آت.
واعلموا أنه إنما أهلك من كان قبلكم خبث أعمالهم لما لم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك؛ فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ فإن ذلك لن يقدم أجلاً ولن يؤخر رزقاً، فإذا رأى أحدكم نقصاً في نفسٍ أو أهلٍ أو مالٍ ورأى لأخيه صفوةً فلا يكونن ذلك فتنةً له، فإن المسلم البريء من الخيانة ما لم يغش دناءةً يخشع لها إذا ذكرت، ويغري بها لئام الناس كان كالفالج الذي ينتظر أول فوزةٍ من قداحةٍ تذهب عنه المغرم وتوجب له المغنم، وكذلك المرء المسلم ينتظر أحد الحسنيين إما رزقاً من الله فإذا هو ذو أهلٍ ومالٍ ومعه دينه وحسبه، وأما داعي الله فما عند الله خيرٌ للأبرار (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوامٍ.
o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ البغدادي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق الكوفي، قال: حدثنا أحمد بن يزيد، قال: حدثنا خلف بن عبد الحميد قال: حدثنا سلام بن سلم، عن أبي هاشمٍ الرماني، عن زيد بن علي عن أبيه عن جده.(1/381)
عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي حب الدنيا سلوةٌ عن الآخرة، وحب الآخرة سلوةٌ عن الدنيا، وحب طاعة الله أمانٌ من معصيته، وحب معصية الله ذهابٌ عن طاعته. يا علي إذا حزبك أمرٌ فقل: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنه كنزٌ)).
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: أخبرنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمدٍ البرقي، عن الحسين بن سعيدٍ، عن الحسن بن محبوبٍ، عن محمد بن سنانٍ عن محمد بن أبي يعقوب عن جعفر بن محمدٍ عن أبيه عن جده.
عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أمسى وأصبح والآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له أمره ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، ومن أمسى وأصبح والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له)).(1/382)
الباب السادس والأربعون في ذكر الورع عن المحارم وما يتصل بذلك
o وبه قال: حدثنا محمد بن عمر بن محمدٍ الدينوري، قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، قال: حدثنا موسى بن عيسى أبو محمدٍ الخزازي في دار الحزارين، قال: حدثنا صهيبٌ يعني ابن محمد بن عباد بن صهيبٍ، قال: حدثنا عمارٌ، قال: حدثنا سعد بن طريفٍ الكوفي، عن الأصبغ بن نباتة.
عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ابن آدم اكفل لي بثلاثٍ أكفل لك بالجنة: إن قنعت بما رزقك الله فأنت أغنى الناس، وإن انتهيت عما حرم الله عليك فأنت أورع الناس، وإن عملت بما فرض الله عليك فأنت أعبد الناس)).
- قال السيد أبو طالبٍ يحيى بن الحسين بن هارون الحسني رضي الله تعالى عنه: ومن الأحاديث التي سمعها الحسن بن علي عليه السلام من النبي عليه السلام مجموعةٌ قد جمعها أصحاب الحديث وهي عزيزةٌ، وهذا الحديث منها.
o وبه قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ البابشامي، قال: حدثنا عمر بن محمد بن إسحاقٍ النميري، قال: حدثنا عبد الله بن ميمون مولى آل الحسن، قال: حدثنا القاسم بن إبراهيم، عن أبيه عن جده عن أبيه.
عن الحسن بن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه والسيد لعبده، ويعلم ما مطعمه، وما مشربه، وما ملبسه، أمن حلالٍ ذلك، أو من حرامٍ))، وقال: ((قال إبليس: ابن آدم، إذا نلت منك ثلاثاً فلا أبالي كيف كان حالك: إذا اكتسبت المال من غير حله، أو أنفقته في غير حله، أو منعت منه حقه)).(1/383)